مطربات شعبيات شكلوا روح وملامح الأغنية الشعبية

الغناء الشعبي في مصر، جزء من تراث عبر عن القيم الثقافية للبيئات والفئات الشعبية المختلفة، ورسم صور مختلفة عن الممارسات الاجتماعية داخلها.

والنساء لم يكن بعيدات عن الغناء الشعبي، بل كانوا في قلبه، كمؤديات في المناسبات الاجتماعية كالأفراح، والختان، والحج، ومواسم جني المحاصيل الزراعية، وكان منهم من يطوف القرى والموالد وضواحي المدن من قديم الزمن.. ومع ظهور المطربة الشعبية بدرية السيد على الساحة وبدأ الحديث عنها، بالبحث اكتشفنا إنها ليست المطربة الشعبية الموهوبة والمغمورة الوحيدة هناك مجموعة من المطربات الموهوبات ورواد الفن الشعبي كان لهم دور في تشكيل ملامح الأغنية الشعبية بروح وصوت نسائي.

جمالات شيحة

“راسيني يا ساقية عذاب.. فين اللي راح فين اللي غاب.. قوليلي راحوا فين.. وأشكي الغياب لمين” في الخمسينيات، جلس زكريا الحجاوى رائد الفن الشعبي مستمعًا لعدد من المغنيين الشعبيين وأصحاب المواويل، يلفت انتباهه بشدة تلك الفتاة صاحبة الصوت المميز وسط باقي الأصوات والتي كانت فى زيارة لأحد أقاربها في القاهرة، فيقرر اكتشافها وتوظيفها بمسرح المقطم، يسافر إلى الشرقية حيث كانت تسكن وكان أول تاكسى أبيض وأسود يدخل الشرقية هو من جاء بزكريا الحجاوى للاتفاق مع جمالات شيحة.

تربعت جمالات شيحة لسنوات طويلة على العرش، عرش الطرب الشعبى والموال كواحدة من أهم مطربات هذا اللون من الغناء في مصر، ثم تشاركه في تأسيس فرقة الفلاحين للغناء الشعبى عام 1961، وتقدم معه للتليفزيون عدة أوبريتات مثل خيال المآتة، سعد اليتيم، بالإضافة للأغانى الشعبية والتراثية والمواويل.

عايدة الشاعر

“كايده العزال أنا من يومى. إيوه أه إيوه آه، كايده العزال أنا من يومى. يا بت يا أم التطريحه إيوه آه. يا أحلى من الموز أبو ريحه” عايدة الشاعر ابنة المنصورة ولدت في الأربعينيات، بدأت حياتها بالعمل في مجال الترجمة وتدريس مادة اللغة الفرنسية وبعدها انطلقت في عالم الغناء واعتمدت مطربة في الإذاعة بعد نجاحها في مسابقة هواة نظمتها الإذاعة المصرية، قدمت العشرات من الأغاني الناجحة جعلتها واحدة من رائدات هذا اللون الفني حيث تمتعت بصوت مميز وأداءً يحمل مزيجًا من خفة الظل والشقاوة.

رصيدها الفني يتجاوز الـ 500 أغنية، من أشهر أغانيها التي ليست غريبة عن مسامعنا ” كايدة العزال أنا من يومي، الطشت قالي، وزغروطة حلوة الراعي الرسمي لكل أفراحنا ومناسباتنا، وأغنية أبو سنة دهب لولي، وغالية ومهري غالي”.

من المواقف الفارقة في حياتها، عندما طلب زوجها سيد إسماعيل، أن تعتزل الفن وتتفرغ للبيت، رفضت ولكن بعد مفاوضات قررت أن تغني ويتم الاستعانة بصوتها فقط دون أن تظهر، فقدمت أغنية “الطشت قالي” مع فرقة رضا وبعد نجاح الأغنية دفع ذلك العديد للبحث عنها، وبالفعل اختارها المخرج حسين كمال لتغني في فيلم “ثرثرة فوق النيل” وبعدها أصبحت مطلبًا لكل حفلات الزفاف والمناسبات. 

حياة صبري

“يا سلام. يا سلام يا اخوانا دي العبرة. ماهيش فى جوة و لا برة، عمر الحرة ما تبقى عرة. عمر العرة ما تبقى حرة” ولدت في آواخر القرن التاسع عشر، النقطة الفاصلة في حياتها حين قابلت مكتشفها ومعلمها المطرب والملحن الراحل الشيخ “سيد درويش” تبناها فنيًا وقرر تسجيل أسطوانات لها، حتى بدأت في تقديم أشهر ألحانه مثل ” يقطع فلان على علان، ع النسوان ياسلام سلم” ونجحت تلك الأغانى نجاح ساحق في فترة 1918 وقدمت أشهر الدويتوهات الغنائية مع الشيخ “سيد درويش” مثل “على قد مايطول الليل، السقايين”، واستمرت في النجاح حتى وفاة الشيخ “سيد درويش” بعدها قررت الاعتزال.

ومن المواقف التي كتبت عن حياة صبري مكالمة تليفونية من الفنانة”نجمة إبراهيم” لكمال الشناوي تعاتبه على إهمال الفنانين للمطربة “حياة صبري” ملهمة سيد درويش٬ وتركها تعيش في مقابر الإمام تحت اسم “أم جميل” بعد استشهاد ابنها الوحيد في حرب 1956 وتلك الموقف أعاد الحديث عنها مرة أخرى.

منيرة المهدية

“اوعى تسهيني بقى واحنا في عِز النغنغة.. وتمد إيد وهزار يزيد، عرفاك أكيد إيدك تحب الزغزغة”، ابنة الشرقية، تلك المدينة كانت مركز انطلاقها، بدأت في تقديم الحفلات الغنائية الشعبية هناك حتى اكتشفها أحد أصحاب المقاهى وساعدها في الوصول على القاهرة وافتتحت ملهى “نزهة النفوس” للغناء بشارع عماد الدين بوسط القاهرة، وسلطنت وقتها رواد القهوة فلقبوها بـ “سلطانة الطرب” واشتهرت بأهم الأغانى الشعبية مثل “ياعينك يا جبايرك” و “والنبى ياما تعذرينى” و “إشمعنى ينخ الكوكايين” و “بعد العشاء” وقدمت ما يقرب من 100 “طقطوقة” اتسمت غالبيتها بالجرأة،

وبعد ما حاصرتها الأضواء وافتتح لها باب الشهرة أـكثر في أكثر، سافرت إلى لبنان والعراق وسوريا وتركيا وإيران وفلسطين وليبيا وتونس والمغرب لإحياء حفلات الغناء الشعبي من التراث المصري هناك.

زينب المنصورية

برغم من قلة المصادر التي تتحدث عنها ولكن في كتاب الضاحكون الباكون للكاتبة أمل عريان فؤاد أثناء حديثها عن قصة حياة شكوكو قالت” إن الحارة كانت العامل الأول في تكوين حبه وعشقه للفن حيث كان المقهى لا يذيع من بداية اليوم إلا أغاني سلامة حجازي وسيد درويش حتى تصادف في مرة وترامى أذنيه صوت مطربة شعبية اسمها “زينب المنصورية” والتي كانت تحيي فرح فوق سطح المنزل المجاو،ر ومنذ ذلك الوقت أصبح شكوكو متيمًا بغنائها حيث يبحث عنها كل ليلة في أفراح المنطقة وعن طريقها أحب الطرب”

وتم الإشارة إليها في كتاب تاريخ الغناء الشعبي من الموال للراب للكاتب ياسر ثابت “مع إنطلاق الإذاعة المصرية في بداية التلاتينات بدأ شهرة بعض المطربين تتسع وتخرج من الأقاليم للقطر المصري كله”

الحاجة زينب المنصورية، ظهرت في العقد الثاني من القرن العشرين، ويعتبر أول ظهور احترافي لمطربة شعبية، معبرة عن الطبقات الشعبية، بعض الأغاني سجلت على أسطوانات غزت سوق الغناء المصري ومن أشهرهم و”أنا بجني الفل جرح إيدي”، وموال “من مصر جبت الطبيب”،تخصصت في المغنى البلدي وكان يصاحبها غالبًا فرقة حسن وحسين عبده مع المزمار البلدي.

هؤلاء ظهروا على الساحة في فترات زمنية مختلفة ولكن لا شك أن كل مطربة منهم كانت لها بصمة أضافتها للأغنية الشعبية صنعت منها روح وحياة.

آخر كلمة: ماتفوتوش قراءة: متحف رموز الفن المصري: إرث فني لمئات الفنانين المصريين والعرب

تعليقات
Loading...