الكلمة القاتلة: قصائد تسببت في سفك دماء أصحابها

قوة الكلمة التي جعلت التاريخ مليء بالكثير من حالات التصفيات الدموية والإعدامات التي نفذت بحق الشعراء العرب بسبب ما كتبوه من قصائد وأشعار، ليأكدوا لنا أنهم لم يكونوا هامشيين، بل امتلكوا السلطة من سطوة كلماتهم، وأصبحوا أصحاب قصائد تسببت في مقتلهم وسفك دمائهم وتقطيع رؤوسهم!

أبو الطيب المتنبي

شاعر من العصر العباسي كان معروف بحكمته يعتبر من أهم الشعراء الذين قتلتهم قصائدهم، فقبل مقتله بسنة واحدة كان قد هجا شخصًا “شتم” يسمى “ضبة بن عتبة يزيد العتبي” بقصيدة طويلة تضمنت عبارات موجعة من الألفاظ القبيحة له ولأهله يقول في جزء منها “ما أنصف القوم ضبة، وأمه الطرطبة، رموا برأس أبيه، والأم غلبه”.

لتأتي بعدها نهاية شاعر العرب على يد قاطع طريق اسمه فاتك الأسدي وهو قريب ضبة الذي أقسم على قتل المتنبي، انتقامًا منه، وعندما كان بصحبة إبنه أثناء سفرهما إلى العراق هجم عليه الأسدي ومعه مجموعة من أعوانه، وحاول المتنبي التهرب منهم وأخبرهم بأنه مجرد عابر سبيل، ولكن لم يستطع التهرب من بيت شعره فكانوا يعرفونه ويحفظوه عن ظهر قلب الذي يقول: ” الخيل والليل والبيداء تعرفني .. السيف والرمح والقرطاس والقلم”، وعندما سمع المتنبي بيت الشعر خجل من التهرب ولقى مصيره هو وابنه.

وضاح اليمن

تعددت الروايات حول أصله، ولكن الأكيد أن هناك امرأتان هيمنت على سيرته وقصائده بصورة شبه كاملة، أولهم حبيبته وبنت قبيلته “روضة” التي خلدها في جزء كبير من شعره، والثانية التي تسببت في مقتله، وهي زوجة الخليفة الوليد بن عبد الملك (أم البنين)، فقد نظم فيها الأشعار الكثيرة وتغزل فيها، مدعيًا حبها فيقول” ومن ذلك قوله لما سافرت، صدع البين والتفرق قلبي وتولت أم البنين يلبي، توت النفس في الحمول لديها، وتولى بالجسم مني صحبي، ولقد قلت والمدامع تجري بدموع كأنها فيض غرب” وما إن علم الوليد بن عبد الملك بشعر وضاح اليمن في زوجته هم يقتله، ودفنه حيًا في صندوق.

دعبل الخزاعي

بلغ 98 عامًا وكان كابوسًا على خلفاء بني العباس الذين عاصروه وعاصرهم، فقد هاجم كثيرًا منهم بكلماته، وحاول الكثير منهم قتله، إلا أن محاولة أخيرة لاغتياله نجحت عن طريق رجل أرسلوه في هذه المهمة، فضربه بعكاز مسموم على قدمه، فمات في اليوم التالي، ويأتي مخطط وتنفيذ اغتياله بأمر من أحد أشهر عمال العباسيين، وهو مالك بن طوق، ليكون محصلة ما سعى إليه عدد من خلفائهم الذين هجا منهم الكثير، ليتفرق دمه بينهم جميعًا.

وكانت إحدى مقاطع قصائده “الحمد لله لا صبر ولا جلد، ولا عزاء إذا أهل البلا رقدوا، خليفة مات، لم يحزن له أحد، وآخر قام لم يفرح به أحد!”

طرفة بن العبد

كان همًا شاغلًا لعشيرته وأهله رغم قصر حياته إلا أنها زخرت بالأحداث، ودار شعره من حكم وآراء حول الحياة والموت، وكما كانت حول الموت كان مصيره أيضَا الموت، بعد أن هجا طرفة ( عبد عمرو بن بشر بن مرثد) زوج اخته عندما جاءت يومًا تشكو منه، فقال فيه طرفة” يا عجبًا من عبد عمرو وبغيه.. لقد رام ظلمي عبد عمرو فأنعما.. ولا عيب فيه غير أن له غنى.. وان له كشحًا إذا قام أهضما .. وإن نساء الحي يعكفن حوله .. له شريتان بالنهار، وأربع يقلن عسيب من سرارة ملهمًا” .. فكتم غضبه على طرفة وأخذ ينتظر الفرصة ليتخلص منه وتخلص!

علي بن جبلة العكوك

أميرة نجدية جميلة اسمها (دعد) نذرت ألا تتزوج إلا فتى يرضيها شعره، فتقرب إليها الشعراء بقصائدهم، ولم ترض منهم شيئًا.. وسمع بها شاعر تهامي فكتب قصيدة يصفها وبرغم أنه لم يراها ولكن وصفها وصفًا حسيًا شاملاً، سار بقصيدته هذه إليها، وفي طريقه التقى شاعرًا يبدو أنه كان متجهًا للغرض نفسه، وجلسا يتحدثان ويعرض كل منهما قصيدته على الآخر، ويبدو أن الشاعر الآخر احتقر قصيدته لما سمع قصيدة التهامي وأيقن أنه فائز بالأميرة لا محالة، فلم يجد مفرًا ليفوز بالأميرة إلا من قتل صاحبه وانتحال قصيدته!

“إن تتهمي فتهامة وطني، أو تنجدي إن الهوى نجد، هل بالطلول لسائل رد، أم هل لها بتكلم عهد، درس الجديدُ جديد معهدها، لهفي على دعد وما خلِقت، إلا لطول تلهفي دعدُ”

ولكن الأميرة كانت أذكى من أن تقع عليها الحيلة فأدركت من لفظ الشاعر أن القصيدة ليست لمن أنشدها، فقالت الأميرة لمن حولها: “اقتلوا قاتل زوجي”!! فقتل صاحب القصيدة ومنتحلها.

آخر كلمة: ماتفوتوش قراءة: مقتنيات قصر محمد علي: حكايات قطع نادرة شاهدة على التاريخ

تعليقات
Loading...