بعد “ريڤو”.. التحول المهني لعدد من الموسيقيين في مصر

كُتب بمشاركة: نور صاوي الفقي

بعد النجاح الذي حققه مسلسل “ريڤو”، سلّط الضوء على كواليس حياة الفنانين والموسيقيين في مصر، منهم من ترك مهنته -التي تبعد تمامًا عن مجال الفن- ومنهم من عمل بمهنته بجانب الفن.. كثيرًا ما نسمع عن ممثلين أو موسيقيين لم يكن الفن مجال دراستهم أو تخصصهم، لكن غرابة بعض تخصصات عدد من الموسيقيين في مصر تستحق التفكير.

صحيح أن المسلسل استطاع أن يسلط الضوء على صناعة الموسيقى، من خلال تشكيل فرق موسيقية تحمل أفكارًا مختلفة مثل فرقة “ريڤو”، لكن هناك أيضًا قصص أكثر غرابة وتشويق لفرق مثل (المصريين – يحيى غنام – أشرف محروس – وغيرهم..)، والتي يعرفها الكثير منا لكن لا يعرفون ظروف تكوين تلك الفرق التي تحمل الكثير من المفاجآت، مثل أشرف محروس الذي ترك دراسة الذرة واتجه للعزف والتلحين، ورجل الأعمال أحمد عز، صاحب مصانع حديد عز الشهيرة، الذي كان أحد أعضاء فرقة مودي الإمام في التسعينات قبل دخوله عالم الأعمال، وقصص أخرى نستعرض بعضها معكم في السطور التالية.

“أشرف محروس” يترك علوم الذرة من أجل ألحانه

كان “أشرف محروس” مراهقاً شغوفاً بالموسيقى التي اكتشف حبه لها في عمر العاشرة، و قضى وقته في تعلم العزف حتى وصل لسن السادسة عشر، فبدأ نشاطه الفني في فرقة “ترانزيت”.

وتنقل “محروس” بين العديد من الفرق التي تعزف الموسيقى الغربية ومنها فرقة “Le Petit Chat”.

على الصعيد الآخر، أشرف محروس قدر يحافظ على تفوقه التعليمي حتى تخرج بتقدير الامتياز مع مرتبة الشرف، وتم تعيينه معيداً في هيئة الطاقة الذرية وحصل على درجة الماجستير في تعقيم المومياوات بأشعة جاما.

وبين إنجازات العالِم و شغف العازف، وصل “محروس” إلى مفترق طرق تعين عليه فيه أن يختار بين الموسيقى وعلوم الذرة.

لم يكن الاختيار سهلاً على المعيد الشاب الذي قضى سنوات نشاطه عازفاً للكيبورد بين العديد من الفرق المستقلة الناشئة، التي ما لبثت وأن تم حلّها واحدة تلو الأخرى، حتى التقى بالموسيقار الراحل عمار الشريعي، الذي أسند إليه مهمة توزيع العديد من ألحانه وشجعه على مطاردة شغفه بالموسيقى، فاستجاب محروس وأنهى مسيرته المهنية بمجال علوم الذرة.

ربما لم تنجح واحدة من الفرق المستقلة التي انضم لها “أشرف محروس” في الصمود أمام تحديات سوق الموسيقى الفنية والتجارية برغم إسهاماته، إلا إنها كانت له مثل بوابة عبر منها إلى الساحة الموسيقية في مصر ليصنع اسمًا لامعًا فنياً وتجارياً حيث عمل مع كبار نجوم الوسط الموسيقي ومنهم أنغام، سيمون، محمد منير، هشام عبّاس وآخرون.

“يحيى غنّام” الذي ودّع الأضواء ولم تودّعه

في المرّة القادمة التي تشاهد فيها أغاني فيلم “آيس كريم في جليم” وبدلاً من التركيز على “عمرو دياب” في مقدمة المشهد، أدِر عينيك متفحصاً مجموعة العازفين الواقفين خلفه ولن تخطئه عينيك.

إنه “يحيى غنّام” عازف جيتار الباص اللامع، الذي ربما كان الخطأ الوحيد الذي ارتكبه هو أنه حاول أن يسبق عصره فنجح أكثر من اللازم.

كوّن يحيى غنام فرقته الغنائية التي حملت اسمه في بداية التسعينات بعد أن توقف نشاطه الفني الذي بدأه مع أشرف محروس في وقت سابق.

وربما لا يعلم الكثيرون أن ارتباط غنّام بـ”آيس كريم في جليم” لا يعتمد فقط على ظهوره كعازف في الفيلم، بل أن رحلته مع صناعة الموسيقى قد حملت بعض أوجه التشابه مع شخصية “سيف”.

ففي عصر طغى فيه تأثير الثقافة الغربية على ساحة الموسيقى العربية، أطلق “غنّام” ألبومه الوحيد من إنتاج شركة “صوت الحب” والذي حمل اسم “تراحيل”.

ووسط عجلة إنتاجية لا تتوقف من الأغنيات اللي تتحدث عن الحب وأحزان الفراق، طرح تعاون يحيى غنام مع الشاعر الغنائي مجدي كامل فِكراً جديداً على الساحة بتناولهما للعديد من القضايا الإنسانية مثل “الوطن” و “الرزق” أو حتى القضية الفلسطينية.

وعلى الرغم من ثراؤه فنياً، فلم ينجح ألبوم “تراحيل” على المستوى التجاري حتى بعد أن حاول صناعه إعادة إطلاقة مرة ثانية بإضافة بعض التعديلات، حيث لم يكن الجمهور مستعداً بعد لتداول هذا اللون من الموسيقى.

وبالرغم من ذلك فيمكننا أن نعتبر وجود محاولات وليدة للخروج عن المألوف مثل تجربة غنام ومجدي كامل، هو بارقة الأمل التي نشأ في أثرها عدداً لا حصر له من فرق “الأندرجراوند” أو الموسيقى المستقلة، التي أعادت تقديم المبادرة لاحقاً في وقت كان السوق فيه أكثر استعداداً لاستقبال هذا النوع من الفن.

وفي ظل إحجام يحيى عن تقديم ألواناً موسيقية أكثر شيوعاً على المستوى التجاري و تخوف صناع الموسيقى من تكرار تجربة سابقة لعصرها، لم يودع النجاح الموسيقى غنّام الذي زهد الأضواء، فاستمرت مسيرته كعازف “باص” متألق.

وقد توّج هذه المسيرة بالعديد من المشاريع الناجحة خاصة مع الفنان عمرو دياب الذي صاحبه في الكثير من أغنياته وحفلاته.

كما قدم غنّام برنامجين غنائيين على قناة “الراي” الكويتية بصحبة الإعلامية سمر يسري، وهما “نغم” و”ليلة طرب”.

“الشريعي” و “عبد الخالق”.. أصدقاء الأيام الخوالي

لم تقتصر إسهامات الموسيقار عمار الشريعي على مسيرة الفرق الموسيقية المصرية على التأثير غير المباشر؛ مثل قصته مع الموزع أشرف محروس، ولكنه قام بإنشاء فرقته الخاصة “الأصدقاء” عام 1980 والتي تكونت من حنان، ومنى عبد الغني، والمطرب علاء عبد الخالق.

وعلى الرغم من كثرة إسهامات الفرقة الناجحة في عالم الموسيقى خاصة من الأغاني الوطنية، فلربما تكون أعظم إنجازاتها هي تقديم علاء عبد الخالق إلى ساحة الغناء المصري، والذي قضى سنوات نشاطه بين الثراء الفني والتواضع التجاري.

بدأ علاء مسيرته كمغنياً في فرقة الشريعي والتي كلفه بمهمة اختيار أعضائها، على ألا تضم أصواتاً ذكورية غيره، كي يحظى علاء بالأضواء التي يستحقها.

من هنا بدأت مسيرة عبد الخالق المتقلبة، فبعد أن توقف النشاط الناجح لـ”الأصدقاء”، أصيب عبد الخالق بإحباط لعدم رغبة شركات الإنتاج في التعاون معه بشكل منفرد، حتى وجد ضالته في التعاون الفني الناجح مع المطرب والملحن حميد الشاعري، الذي صاحبه في بداية رحلته إلى النجاح التجاري بشكل منفرد.

أصدر علاء عبد الخالق مجموعة من الألبومات الجماعية والمنفردة استمرت حتى بداية الألفينات، وتعاون فيها مع كبار الفنانين مثل أحمد منيب، والشاعر مصطفى كامل، الذي ألهمت كلماته العديد من المطربين قبل أن يمسك بالميكروفون في حقبة “قشطة يابا”.

وعلى الرغم من نجاح تجربته في بدايتها، إلا أن نجم عبد الخالق” قد بدأ في الانحسار في بداية الألفينات، حيث لم يستطع مواكبة التغيير في المشهد الموسيقى، فكان للشريعي و”المصريين” يداً كبيرة في ظهور الفنان المبكر، وآلامه اللاحقة.

“هاني شنودة” أكرم الموسيقى فأكرمته

من بين جميع الفرق المصرية التي أنتجت الموسيقى المستقلة في عصر ما قبل الألفينات، تظل فرقة “المصريين” صاحبة النصيب الأكبر من الأضواء، والذي لا يرجع فقط لشهرة مؤسسها الملحن وصانع النجوم الدكتور هاني شنودة، إنما لتقديمهم ألوان متنوعة ومركبة من الموسيقى، مع الحفاظ على كلمات الأغاني بسيطة في تركيبها ومعناها، لتجد أغاني مثل “ماشية السنيورة” و “ماتحسبوش يا بنات إن الجواز راحة” طريقها ممهداً لآذان وقلوب المستمعين.

نشأت فرقة “المصريين” في سبعينيات القرن الماضي، وكان صاحب الفضل الرئيسي في نشأتها هو الروائي العظيم نجيب محفوظ والذي استجاب لدعوة هاني شنودة لحضور إحدى حفلاته التي كان يلعب فيها الموسيقى الغربية، فأعجب بأدائه ونصحه بتمصير التجربة.

وبعد تعاون شنودة مع كلاً من شوقي حجاب وعبد الرحيم منصور في ألبوم “علموني عينيكي”، قرر شنودة أن يبدأ تجربته الخاصة، فأنشأ فرقة المصريين التي تألفت من منى عزيز، إيمان يونس، تحسين يلمظ، ممدوح قاسم وعمر جوهر.

وعلى الرغم من النجاحات الفنية والتجارية التي كافأت بها “المصريين” كلٌ من أعضائها، إلا أننا لا نستطيع أن نتجاهل مدى الجرأة الفنية التي تحلّى بها هاني شنودة في تجربته والتي قد وصلت به إلى حد المجازفة. فأثناء ما كان نجم شنودة يلمع منفرداً في سوق التلحين بعد أن ارتبط اسمه باسم محمد منير، وامتدت موهبته لاكتشاف عمرو دياب، لم يمانع شنودة أن يصنع مع “المصريين” موسيقاهم الخاصة بكل ما تحلت به من خروج عن المألوف.

ولعل أكثر تجاربهم خروجاً عن المألوف هي أغنية “هزني” من كلمات هاني زكي، والتي كسرت الكثير من تابوهات المجتمع بمقاطع جريئة يمكن وصف بعضها بـ الإيروتيكية.

ولما قرر “هاني شنودة” أن يكون مخلصاً لموسيقاه بدون تحفظات تتعلق بمركزه التجاري في سوق الإنتاج، أخلصت له الموسيقى أيضاً فأهدت نجاحاً لافتاً لفرقته على المستوى التجاري.

توقف نشاط “المصريين” عام 1988 وعاشت موسيقاهم إلى يومنا هذا، وقد كان آخر ظهور لافت لأعمالهم هو استخدام موسيقى “لونجا 58” في مسلسل “رامي” من إنتاج نتفليكس.

الأخوان “إمام” يوفيان عهد الطيبة

نشأت فرقة “طيبة” في السبعينيات على يد الأخوين “حسين ومودي الإمام”،وعلى عكس غنّام وتبنيه لقضايا شائكة أو “شنودة” وتمرده على المجتمع، فلقد تبنت فرقة “طيبة” موضوعات غنائية يمكن وصفها بأنها “أبسط من المستوى المعتاد”، فتارةً نجد الحبيب يعاتب نفسه على أنانيته لتركه حبيبته تتزوج من آخر، وتارة نجده يودع رفيقته التي وقع في حبها منذ ساعتين، وتارة تنشد المجموعة لأنهم وجدوا جو مصر جميلاً ولذلك فـ “شكراً يا رب!”.

أما عن التجربة الموسيقية، فبالرغم من مشاركات الموسيقار الكبير “مودي الإمام” فإننا نجد “طيبة” تتلون بين تأثرها بألوان غربية لا حصر لها غير مبالية بالاحتفاظ ببصمة موسيقية خاصة.

وإذا دققنا النظر، فسنجد أن سر انفراد طيبة الحقيقي هو التكوين الغريب واللافت لأعضاء الفرقة الغنائية، التي لم يكن واحدا منهم مغنياً بالأساس!

نشأت فرقة “طيبة” على يد الملحن “مودي الإمام” وأخيه الممثل “حسين الإمام”، ثم انضم لهما كلاً من المخرج اللامع “رضوان الكاشق” والمهندس “أحمد عز”.

ووسط سباق صناع الموسيقى لتحقيق أهدافهم سواءً كانت أهدافاً فنية أو تجارية، عمل كلٌ من أعضاء الفرقة على أهدافه الشخصية بشكل منفصل وقرروا أن يجتمعوا لصناعة الموسيقى للموسيقى فقط، وربما جعل هذا الزُهد الفني للتجربة نصيباً من اسمها لينطبق عليها وصف “الطيبة” بشكل عملي.

لم تستمر إنتاجات فرقة “طيبة” الفنية على الرغم من نجاحم في إطلاق العديد من الاسطوانات التي لاقت رواجاً معقولاً، بجانب إنتاجهم لموسيقى فيلم “أنياب”، بصمة محمد شبل الفريدة في السينما التجريبية.

وانصرف كلُ من الأعضاء ليطارد أحلامه الخاصة، لتتردد موسيقى “مودي” التصويرية في أفلام كالهروب والإرهاب والكباب، و يبدأ حسين سلسلة فريدة من البرامج التليفزيونية، ويعود رضوان الكاشف للكاميرا فيخرج “عرق البلح” و “ليه يا بنفسج”

أما عن المهندس “أحمد عز”، فلقد أحب صوت الطرق على الحديد أكثر من قرع الطبول، وبذلك ترك المشهد الفنّي لينشئ امبراطورية “حديد عز” ويودع “الطيبة”.

وبهذا يتنهي استعراضنا لخمس تجاربٍ فنيةٍ فريدة، ساهمت بتنوعها في تكوين مشهد الموسيقى المستقلة “الأندرجراوند” في مصر على مدار أكثر من 45 عاماً.

أخر كلمة: ماتفوتش قراءة: من “أهواك” لـ “إبعد عني أنا مش طايقاك”: رحلة الرومانسية في الأغاني العربية

تعليقات
Loading...