من “أهواك” لـ “إبعد عني أنا مش طايقاك”: رحلة الرومانسية في الأغاني العربية

بعد ” زارني طيفك في المنام” و على “قد الشوق” اتجهت نبرة الأغاني الرومانسية العربية إلى نغمة جديدة أكثر حدة، فخفت أغاني السلطنة والحب على الهادي عبر عقود مختلفة لتخرج الحبيبة تنهر حبيبها قائلة: “ما أنت لو عندم دم” ولكن سبقها “أخيرًا اتجرأت وهعلي صوتي عليك” وقبلها “بلا لعب عيال”.. كيف تغيرت نبرة الحب بين العشاق في الأغاني من الحب الهادي إلى حالة تشعر فيها بأن هناك أزمات مكبوتة تظهر زلات لسان المطربي، وكأن الطرفين “واقفين لبعض على الواحدة”.

عتاب ممزوج بحب

العتاب في الثلاثينات والأربعينات والخمسينات كانت السمة الغالبة هي نبرة الحب بين الجنسين، عبالحليم حافظ يتساءل “تخونوه وعمره ماخانكم” وترد عليه أم كلثوم “فايتني وأنا روحي معاك” وتظهر في أغنية أخرى قائلة: “ياللي جفيت إرحم حالي”، وبعدها تبدأ عتاب بنبعد نبرة حب فتقول أم كلثوم “مادام تحب بتنكر ليه”،  ويغازل محمد فوزي حبيبته بكلمات خفيفة “فين قلبي”، ويؤكد حبه بـ “حبيبي وعينيا”، وترتفع النغمة لتتطور إلى “للصبر حدود” وكأن سيدة الغناء العربي نفسها خلقها ضاق وتنبه حبيبها بأن يستفيق، فهي لم تعد الوديعة التي تعاتب باستمرار حتى ضاق بها الأمر قائلة :”أصون كرامتي”، أما ليلى مراد ف “قلبها دليلها وقالها إنه هيحب” فتعلن للجميع أنها تنتظره خاصة أن “جواب حبيبي” على وصول.

الحب التائه

ومرة واحدة تبدأ النغمات في الارتفاع متأثرة بالحالة الاجتماعية في مصر، التي تغيرت في الستينات بعد أزمة 1967، وهنا نسمع “فات الميعاد” ويدخل عبدالحليم بـ “حبيبها لست وحدك حبيبها” فالعلاقات مرآة للأوضاع الاجتماعية، وفي السبيعينات ينسى عبدالحليم حبيبته قائلا: “حبيبتي من تكون” ولم ينسى عبدالحليم حبيبته فقط لكنه تأثر للغاية وغنى “من أنا” ولكن أم كلثوم على موقفها لم تهتز كعبدالحليم فخرجت للجمهور بـ “يامسهرني” و”الحب جميل” ولكن لم تخفي عتابها وغنت “ودارت الأيام”.

وبعد انفتاح السبعينات ووفاة أم كلثوم، يبدو أن الحب بين الجنسين بدأ في الاستسلام أو بمعنى أصح “يسيب العلاقة للظروف”، ولكن عبد الحليم لديه بصيص أمل خافت فيتحف الجمهور بـ “النجمة مالت على القمر”، ويؤكد كلامه محمد العزبي بـ “بهية” ويكرر التأكيد محمد رشدي بـ “عرباوي”.

نهاية حب الزمن الجميل

يغلق محمد فوزي زمن الحب الجميل بـ” راح توحشنا” ولكن الجيل الجديد الصاعد الشاب ينقل فوران الشباب والحب ويقرر أن يعلن عن الحب بطريقته فتظهر أغاني “دلوعة الواد وحيلة” لأمين سامي و”ميال” لعمرو دياب و”لولاكي”، أما لطيفة فكانت أكثر شخص معاتب ويريد المصالحة مع الحبيب في نفس الوقت فقالت “أصالحك وماله” “وبحبك في غرامك”، فتقطع ميادة الحناوي الخط على الجميع لتوضح أن العتاب لن يثنيها عن حب حبيبها بـ “مهما يحاولوا يطفوا الشمس” لبليغ حمدي الذي ينهر العزّال بأنغامه لـ ” ناس مبتحبش راحتنا ناس” بصوت وردة في لوحة تعرف من خلالها أن العزّال دخلوا بين الأحباء ويبدو أنهم لن يخرجوا سريعا.

ظهور الطلاق على استحياء رغم الضحكاية العالية

يشد الحبل مرة أخرى من العزال هاني شاكر بـ “علي الضحكاية” ويأخذ نفس المسار إيهاب توفيق “على كيفك ميل”، ولكن مع نهاية الثمانينات ودخول الدش والأقمار الصناعية فإن العلاقات العاطفية شهدت اختلاف أعلنت عنه سميرة سعيد بـ “حالة ملل” عام 1998 وكأنها تمهد بالتسريح الذي سيكون في عام 2002 بأغنية “الله يسهلك” ومن هنا تظهر حدة الأغاني العاطفية وهو الأمر الذي سينعكس على معدلات الطلاق، فمصر تسجل ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات الطلاق منذ عام 1996 فيسجل 1.2%  في المجتمع كان يراه الطلاق عيبًا لا يجب أن تلجأ إليه المرأة إلا في أضيق الحدود  ولأن الخوف عدو العلاقة يحاول تامر حسني الذي ظهر جديًدا مع شيرين أن يطمن حبيبته قائلا لها “لو خايفة أضمك تلاقي الأمان” وهنا تستقر نسبة الطلاق في مصر من عام 2000 حتى عام 2002  ثم تقل بنسبة 25% وسمع الأحباء طلب أصالة التي قالت “اعطف حبيبي وتكلم القلب بعدك تألم”.

ازدحام محاكم الأسرة وتحدي محمد فؤاد

شيرين لم يطمنها تامر، فتطرب الجميع بـ “آه يا ليل إيه يعني غرامك ودعني” وتزدحم محاكم الأسرة بدعوات الطلاق والخلع ويبدأ الجميع في ترديد أغنية محمد فؤاد “أنت تتحداني ابقى قابلني” ويتقابل بالفعل الجميع في المحاكم لرفع الدعاوي، ويتحول ليل الرجل لنهاره في إشارة لأغنية عمرو دياب “ليلي نهاري” ولكن محمد فؤاد يصالح الجميع مرة أخرى بـ “شاريني” وتعاتب أصالة حبيبها وتهدده أيضًا خوفًا من الطلاق وانهيار الأسرة قائلة “مابقاش أنا، لو مرجعتش ليا بقلبك تاني هنا” ويرجع الرجل مرة أخرى للعلاقة بليلة دافئة يوصفها عمرو دياب “الليلة دي سيبني أقول وأحب فيك”، وظهر الانعكاس في المجتمع بتسجيل حالات طلاق متزايدة من 2007 ولكن تهدأ الأرقام 1.9% في الفترة من 2010 حتى 2013، لكن لا تنسى أن قبلها في 2009 قررت شيرين أن ترفع صوتها على حبيبها من خلال “أخيرا اتجرأت” التي ستكون إشارة على طريق الطلاق وصياح متجدد لشيرين بعد “آه ياليل”، وحينها بلغ عدد حالات الطلاق فى عام 2009 نحو 141.4 ألف حالة، وسجل فى عام 2010 نحو 149.3 ألف حالة، أما عام 2011 سجل نحو 151.9 ألف حالة ، وسجل عام 2012 نحو 155.2 ألف حالة، وارتفع من 2013 ليسجل 162.5 ألف حالة وتدخل هيفاء وهبي على الخط بـ “ابن الحلال” ولكن لا حياة لمن تنادي.

منحنى كارثي في العلاقة بين الطرفين

تأخذ العلاقة بين الطرفين منحنى كارثي في 2015، فتسجل مصر حالات طلاق متسارعة حيث وصل المعدل 2.2 فى الألف بزيادة 83% عن المعدل فى بداية الفترة، ويتعجب حينها عمرو دياب بـ “شوفت الأيام” ولا تكف شيرين عن التأكيد على أنها ليست مسئولة عن أزمتها في العلاقة فتغني “أنا كتير” وتدعمها إليسا بـ “أنا شبه نسيتك” تقول حينها كايروكي القول الفصل بـ “السكة شمال” وهنا تصبح محاكم الأسرة أزحم من الأسواق في مواعيدها المعروفة (سوق الخميس – سوق الجمعة –سوق الثلاثاء – سوق السبت) وبعد ارتفاع الطلاق تخرج سميرة سعيدة بنبرة “عايزة أعيش”، ولكن الرجال يقررون استكمال الطريق رغم كل شيء، فيخرج عمرو دياب بـ “أحلى وأحلى” أما تامر حسني فيقول “عمري ابتدا”، ويتمقص رامي جمال شخصية سي السيد بأغنية “الرجل” ليشرح للسيدات كتالوج الرجل لعل الطلاق يقل، ولكن يرفض المجتمع، أما محمد حماقي نبه الجميع قائلًا:”مابلاش”.

دعوة للفرح رغم الأزمة

وبعدها يعود تامر حسني في تهدئة الجميع ودعوة للفرح بـ “عيش بشوقك” في عام 2018 ولكن الطلاق مستمر لا يعطي اعتبارًا، ونفس الكلام في عام 2019 يزداد لدرجة أن هاني شاكر يخرج بأغنية “معرفة قديمة” وحينها غاب صوت العمل ليخرج علينا المطرب تميم يونس بعدها بـ “عشان تبقي تقولي لأ” في عام 2020 عام وباء كورونا الذي سجل ارتفعت فيه نسبة الطلاق بـ 14% بحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.

كرسي في الكلوب

وبلغة الأفراح، تضرب المطربة نوال عبد الشافي “كرسي في الكلوب” بأغنية “مخاصمك” وتقول “ما أنت لو كان عندك دم أنت لو بتحس ياعم كنت هتعرف إيه اللي مزعلني”، عرفت المطربة الجميع بأن حبيبها لا يشعر ولا يصالحها و”بصاص” لتصل نبرة العتاب بين المحبين إلى حدة غير معهودة تنسى حينها أنها بدأت بالطيف الذي زار أم كلثوم في المنام.

آخر كلمة: ماتفوتوش قراءة: الرئيس السيسي يشارك في قمة “ميثاق التمويل العالمي الجديد” في باريس

تعليقات
Loading...