رسائله ورسائلها.. أربع كتب من أدب الرسائل تجمع بين الحب والسياسة والتاريخ

أدب الرسائل من الآداب الكاشفة، لإنه على عكس كل أنواع الأدب الآخرى يكتب بشكل شخصي، وليس بهدف النشر للعامة. ومن أجمل أدب الرسائل، الكتب التي تم نشرها في شكل تجميع لرسائل ما بين اتنين، لإنها كشفت عن ديناميكا مشاعر المُحبين وتاريخ القضايا الفلسفية والسياسية في زمن الكتابة، وأحيانًا حقائق خفية عن العلاقات التي دارت بين تلك الأشخاص.

في المقال، سنقدم لك أربعة من أهم كتب الرسائل التي جمعت مراسلات بين مجموعة من أهم شخصيات الأدب العربي الحديث، ودارت بين صفحاتها قصص حب جميلة.

الشعلة الزرقاء: رسائل مي زيادة وجبران خليل جبران

عن: storytel

يقول جبران في واحدة من رسائله: “نحن اليوم رهن عاصفة ثلجية جليلة مهيبة، وأنت تعلمين يا ماري أنا أحب جميع العواصف وخاصة الثلجية، أحب الثلج، أحب بياضه، وأحب هبوطه، وأحب سكوته العميق. وأحب الثلج في الأودية البعيدة المجهول حتى يتساقط مرفرفًا، ثم يتلألأ بنور الشمس، ثم يذوب ويسير أغنيته المنخفضة”.

“أحب الثلج وأحب النار، وهما من مصدر واحد، ولكن لم يكن حبي لهما قط سوى شكل من الاستعداد لحب أقوى وأعلى وأوسع. ما ألطف من قال: يا مي عيدك يوم وأنت عيد الزمان”.

قصة حب معروفة، ومن الممكن أن تكون واحدة من أشهر قصص الحب في عصرنا الحديث، نشأت بين الكاتبة الفلسطينية مي زيادة، والشاعر اللبناني جبران خليل جبران.

لم يقابل كلاً منهم الآخر على مدار علاقتهم التي استمرت عشرون سنة، ظل فيها الحب أسير الحبر والورق، وتبادلوا المشاعر والحكايات في رسائل استمرت بين مصر وبيروت، حيث أقامت مي، ونيويورك، حيث أقام جبران، لسنين طويلة.

في كتاب الشعلة الزرقاء، تستطيع أن تقرأ رسائل الحبيبين بترتيب زمني على شكل حوار طويل وممتد بينهم، وفيها يوصف جبران بيئته المحيطة في أمريكا، بين الغابة وشاطئ البحر، ويوصف مشاعره ناحية العالم والقضايا الأدبية والسياسية العالمية.

في حين توصف مي واقعها الاجتماعي وهمومها الفكرية وتتفاعل مع مشاعر جبران تجاهها، والتي تنطلق في شكل مموه، غير مباشر. ورغم إن تعبير جبران عن مشاعر الحب لم يكن مباشر، كان ردة فعل مي ناحيته متأرجحة بين استقبال حار وفتور وتوتر أحيانًا.

تنعكس في رسايل الحبيبين، الخالية من أي تعبير فج أو واضح عن الحب، شخصياتهم المختلفة وبيئاتهم المتناقضة، فـمي امرأة شرقية حتى وإن كانت نسوية ومتمردة، أما جبران، فرجل شرقي عاش في أمريكا ومؤمن بالعالم الليبرالي.

رسائل غسان كنفاني لغادة السمان: رسائل الحب تحت سيل البارود

يقول غسان في واحدة من رسائله: “إنني أريدك بمقدار ما لا أستطيع أخذك، وأستطيع أن آخذك بمقدار ما ترفضين ذلك، وأنت ترفضين ذلك بمقدار ما تريدين الاحتفاظ بنا معًا، وأنت وأنا نريد أن نظل معًا بمقدار ما يضعنا ذلك في اختصام دموي مع العالم”.

“إنها معادلة رهيبة، ورغم ذلك فأنا أعرف بأنني لست أنا الجبان، ولكنني أعرف بأن شجاعتي هي هزيمتي، فأنت تحبين فيّ أنني استطعت إلى الآن أن لا أخسر عالمي، وحين أخسره سأخسرك، ومع ذلك فأنا أعرف أنني إذا خسرتك خسرته”.

إذا قارنّا رسائل مي وجبران، مع رسائل غسان كنفاني لغادة السمان، نستطيع القول بأن جبران يكتب من أرض ساحرة وبيئة هادئة ملهمة بالحب والأشواق، أما غسان كنفاني في المقابل يكتب من تجربة محارب في خضم الحرب دفاعًا عن وطنه، كلماته على الورق مكتوبة بحبر وبارود ودم، رجل يكتب عن معركة الهوية وخيبات الأمل.

رسائل كنفاني مكتوبة بحرقة الشوق بين لقاءات وغيابات عن الحبيبة، غادة السمان، يكتب بروح الشهيد، وترد غادة بقلب عاشقة تتحضر للنهاية النبيلة، هي رسائل الحب العالق بين براثن الفلسفة والشعر والقضايا السياسية الدائرة في زمنه.


كتاب أوراق الورد رسائلها ورسائله: بتلات من بستان مصطفى صادق الرافعي

“رسائل كان الأحرى بها أن تُكتب على أوراق الورد فعلًا من شدة رقتها”، بتلك الكلمات وصف صديقي كتاب مصطفى صادق الرافعي (أوراق الورد) قبل أن أقرأه، وبعد قراءته وجدت أن خواطر الرافعي في الكتاب، تتكسر كأمواج البحر بين شاطئي الكبرياء والشوق، قصة حب وانكسار، تفيض بروائح العشق الجميل ولوعة الهجر القاسية.

عن: alkhaleej

يقول الرافعي عاشقًا: “تالله لو جددوا للبدر تسمية.. لأعطي اسمكِ يا من تعشقُ المُقل، كلاكما الحسن فتانا بصورته.. وزدت أنكِ أنتِ الحب والغزل، وزدت يا حبيبتي أنكِ أنتِ”.

ويقول مشتاقًا بعد الفراق: “ولقد يكون في الدُّنيا ما يُغْني الواحدَ من الناس عن أهل الأرض كافَّة، ولكنّ الدنيا بما وَسِعت لا يمكن أبدًا أن تُغنيَ محبًا عن الواحد الذي يحبُّه”.

كتب الرافعي خواطره في الكتاب، على شكل رسائل لمحبوبتين بعد الفراق، ويُقال إن المحبوبة الثانية كانت مي زيادة، معشوقة أدباء عصرها.


جوابات حراجي القط: عُشاق من القرية المصرية في شعر عبد الرحمن الأبنودي

في ديوان الشاعر المصري القناوي، عبد الرحمن الأبنودي، الذي كتبه على شكل مراسلات بين فلاح مصري حراجي القط، وزوجته “فاطنة”، من غربته بعد عمله في مشروع قومي جديد، هو السد العالي.

يقول حراجي لزوجته في إحدى جواباته: “عارفة يا مرتي الراجل في الغربة يشبه إيه؟ عود درة وحداني في غيط كمون”، ويزيدها من حكمة الغربة: “الجهل مريح يا فاطمة، الجهل مريح، عدم العلم مليح. يا أم أولادي يا إنسانة زي الناس، عدم العلم مليح”.

ويضيف: “عدم العلم عيون تنعس في الليل، ضحكة من القلب، من القلب صحيح، عدم المعرفة بيخلي الرجالة عيال
يضحكوا يبكوا، ودايمًا للدنيا طعم جديد”.

وترد عليه فاطنة المشتاقة لزوجها المتغرب: “شهرين يا بخيل؟ ستين شمس وستين ليل؟ النبي يا حراجي أما أطول قلبك لأقطع بسناني الحتة القاسية فيه”.

هو ديوان من أجمل ما كتب الأبنودي، من حيث اللغة والتاريخ والمشاعر المكنونة بين السطور، نستطيع أن نجزم بأنه تحفة لغوية تُعتبر سجل تاريخي لواحدة من انقلابات الواقع الاجتماعي المصري.

آخر كلمة: ماتفوتوش قراءة: دونتك يا وجعي: مأساة مي زيادة بين العائلة والمجتمع والمثقفين

تعليقات
Loading...