البقشيش ما بين الإكرامية والتسول

وأنت ماشي في طريقك كل يوم الصبح، هتلاقي نفسك وأنت بتطلع العربية من الجراج السايس بيبصلك ويقولك “كل سنة وأنت طيب يا بيه” ومع كل كيس طماطم البواب بيطلعهولك في الأسانسير بيقولك “ماتؤمرنيش بحاجة تانية؟” كشاف السينما اللي بيمشي معاك علشان يقعدك على كرسي أنت عارفه أصلًا ويقولك برضه “كل سنة وأنت طيب” مع إن لا عيد ميلادك ولا احنا في عيد قومي ولا حتى شم النسيم، المكوجي وهو بيجيب لك المكوة ويغمزلك بعدها، تروح تشتري السندوتش تلاي الراجل بيحطلك طماطماية زيادة ويقولك “دي مش بتطلع لأي حد” وأنتي رايحة تجيبي نتيجتك من الجامعة أو المدرسة السيدة المسؤولة المشرفة على نظافة الدور تبصلك وتقولك “فين بقى حلاوة النجاح يا ست البنات؟” تروح تخلص ورق في مصلحة حكومية ويطلع عينك وتلاقي الموظف المسؤول بيفتح لك الدرج ويقولك “ماتنسانيش في الشاي يا باشا” كل دي مواقف حياتية بنعيشها كل يوم مليانة بألغاز ترجمتها “البقشيش”.

مرة من المرات كنت رايحة أنا والأسرة الكريمة مشوار، وحرفيًا كنا هنركن العربية عشر دقائق بالظبط، السايس طلب خمسين جنيه بناءً على تسعيرة هو حاططها، ولما رفضنا وأدينا له 10 جنيه رجعها لنا تاني كإننا أكلنا حقه، بعد الموقف ده احنا مابقيناش عارفين هو ده شيء طبيعي ونوع من أنواع الإكرامية والتقدير للشخص، ولا اللي بياخد منك البقشيش اعتبره حق مكتسب على خدمة أنت ماخدتهاش وبالتالي بقى نوع من أنواع التسول!

إيه هو البقشيش أصلًا؟

الإكرامية أو التيبس أو المنحة، كلها أسامي بيقول عليها الناس، ومعناه مبلغ مالي إضافي بيتدفع مقابل خدمة مدفوعة الأجر في الأساس، وبتطلعه في مواقف معينة، يعني لو كنت في مطعم والعامل أو المسؤول عن المطعم استقبلك بصورة كويسة، فأنت بتدي له بقشيش على المعاملة أو الاهتمام ده وهكذا.

في دول موافقة على الموضوع وحطت أصول لدفع البقشيش وأداب التعامل معاه، يعني عندك مثلًا في دول كتير قيمته بتعادل ٢٠٪ من قيمة الفاتورة النهائية اللي بتدفعها، ولو مش معاك النسبة دي فمن الأفضل إنك ماتدفعش، وفي أكتر من ٢٣ دولة اقترحوا إن يكون متوسط البقشيش ما بين ٥٪ لـ ١٠٪ من الفاتورة، بس على الجانب التاني في دول تانية خالص بتمنع الإكرامية أو البقشيش، ومش موافقة على المبدأ أصلًا وبتعتبرها شيء مهين أو إنقاص من قيمة العامل.

البقشيش تسول ولا إكرامية وتقدير؟

بعيدًا عن سياسات الدول، المجتمعات اللي بتدفعه لها رأي برضه، وهتلاقي إن في وجهتين نظر للموضوع، في ناس بتقول إن احنا بنديه بسبب قلة الدخل الشهري للموظف، وفي الحالة دي أنت بتدفع البقشيش نوع من أنواع الدعم للأسر اللي أجورها قليلة، وكمان بيعتبروها نوع من أنواع الإتيكيت والكرم، وفي نفس الوقت الموظف أو الشخص اللي بياخد البقشيش مش هو بس اللي هيستفيد، لأ ده الشخص كمان اللي بيدفع هيستفيد باهتمام من العامل لما يرجع المكان تاني.

والاقتصاد الغير مشروع أو الغير رسمي بمعناه الاصطلاحي هو الدخل غير مسجل بمعنى أصح بييجي من أنشطة مابيتدفعش عليها ضرائب وجزء منها الأنشطة الاقتصادية غير رسمية التقليدية زيّ الباعة الجائلين واللي بيقدموا خدمات شخصية وسواقين التكاسي أو المساعدين في البيوت، وده طبعًا غير الاقتصاد المشروع اللي بيتضمن “التهريب السلعي أو تجارة المخدرات”.

وعلى الجانب التاني، في ناس بتعتبره جزء من التسول، وتبريرها لده بأبسط مثال، إن أنا بشتغل الـ 8 ساعات وبيطلع عيني وعمري ما أخدت على شغلي أو مرتبي بقشيش، عمر ما جيه المحاسب في آخر الشهر يقولي احنا حطينا لك 200 جنية زيادة الشهر ده، اه ممكن ناخد على عدد ساعات الشغل الزيادة بس ده بيبقى بناءً على خدمة إضافية احنا قدمناها، لكن مفهوم البقشيش إنك بتدي فلوس لخدمة أنت دافع لها في الأساس ومحاسب عليها وبالتالي مالهاش مبرر، وجانب تاني من اعتراضهم. وفي ناس شايفة إن ده ممكن يكون جزء من الاقتصاد غير المشروع “الخفي، السري، الظل” واللي نمى بشكل كبير في الفترات اللي فاتت بناءً على الإحصاءات، وإن الأغلبية العظمى من المشتغلين بيقعوا تحت مظلة النوع ده من الاقتصاد.

وعلى جانب محايد، في ناس ماعندهاش مشكلة إنها تدفع، بس الشرط الوحيد إن الموضوع لازم يبقى عن طيب خاطر ورضا، يعني ماينفعش يبقى إجبار أو تلاقي نفسك اتحطيت في موقف محرج إنك لازم تدفع وأنت مش معاك فلوس مثلًا، لإن الموضوع بقى إجبار، هيحسوا إن الموضوع اتحول لرشوة، وده فعلًا اللي بتشوفه الدول اللي قررت إنها تمنعه نهائي زيّ اليابان.

آخر كلمة: ماتفوتوش قراءة: جولتنا في حارة اليهود وما تبقى من آثار الجالية اليهودية

تعليقات
Loading...