9 حقائق عن نهر النيل: من دوره السياسي في وحدة مصر لكذبة عروس النيل

النهارده، الأحد 18 من سبتمبر، هو اليوم العالمي لرصد المياه، وعلشان نهر النيل هو مصدر المياه ومنبع الحياة اللي نبتت على ضفافه، وهو شريان الثقافة والحضارة المصرية منذ نشأتها في مصر القديمة لحد النهارده، هنناقش في المقال ده أهم الحقائق اللي وصلت لنا عبر التاريخ عن نهرنا العظيم.

هنعتمد في مصادرنا على الفصل العاشر من دراسة في علم الطفيليات قام بيها مجموعة من العاملين في كليات جامعة القاهرة. تناول الفصل علاقة نهر النيل بحياة الإنسان المصري وتاريخه الثقافي والحضاري والاقتصادي والصحي.

أما المصدر التاني فهو الدكتور رضا عبدالحليم، حاصل على دكتوراة في الآثار المصرية، وصاحب اكتشافات أثرية كتير، ومدير إدارة العلاقات العامة لمنطقة الأهرامات سابقًا.

مصر هبة النيل: جملة بيعترض عليها علماء الآثار المصريين النهارده، ليه؟

الزراعة في مصر القديمة، عن: daqaeq

بيوضح الدكتور رضا عبدالحليم إنه خلال الفترة من 490 لـ430 قبل الميلاد، زار المؤرخ اليوناني هيرودتس مصر، ولمس أهمية النيل في حياة الإنسان المصري وثقافته فقال جملة فضلت تتناقل لحد النهارده: “مصر هبة النيل”.

بيعقب عبدالحليم على الجملة دي وبيقول إن علماء الآثار المصريين عندهم مشكلة صغيرة مع توصيف هيرودتس السابق، ووضح إنه رغم أهمية نهر النيل العظيمة في حياة المصري إلا إن الحضارة العظيمة اللي قامت على ضفافه ماكانتش بسبب وجوده لوحده، وبيعقب: “عقلية المصري القديم العبقرية كانت عامل شديد الأهمية في قيام الحضارة دي”.

وبيأكد عبدالحليم على كلامه” :مصر هبة المصريين، والدليل على كده إن نهر النيل بيعدي على قرابة دول كتير ولكن ماقامتش حضارة عظيمة في أي منهم زيّ اللي قامت في مصر”.

نهر النيل دخل أرض مصر قبل خلق الإنسان على الأرض بملايين السنين

بتوضح الدراسة السابق ذكرها إن نهر النيل اللي بينبع من وسط أفريقيا، امتد لحد ما وصل لصحراء شمال أفريقيا الجرداء قبل 5 مليون سنة. ولنهر النيل منبعين؛ واحد منهم هو النيل الأبيض اللي بينبع من منطقة البحيرات الكبرى في وسط أفريقيا، والمنبع التاني هو النيل الأزرق اللي بينبع من بحيرة تانا في إثيوبيا.

بيعيش أكتر من 90% من سكان مصر في مساحة 7% فقط من أرض مصر وهي منطقة وادي النيل، وهو إن دل على شيء فبيدل على صعوبة الحياة في أرض مصر ولا نهر النيل.

بدأت المستوطنات البشرية على ضفاف النيل قبل 10 آلاف سنة

الإبحار في ماء النيل، مصر القديمة، عن: bbci

بتشير الأدلة الحديثة في علم الحفريات إن أول مستوطنات بشرية (قرى صغيرة) نشأت على ضفاف النيل كانت حوالي 6 آلاف سنة قبل الميلاد. أما بعض الأدلة الحفرية بترجح إن البشر اللي عاشوا على ضفاف النيل بدأوا يستغلوا فيضانه ويستخدموا وسائل بدائية للري علشان يبدأو أول أشكال الزراعة، حوالي 10 آلاف سنة قبل الميلاد.

مع الوقت اتعلم المصري القديم الزراعة واستقر في وادي النيل وبدأ ينهل ثقافته وحضارته من النهر العظيم، واتحولت المستوطنات البشرية الصغيرة لتجمعات أكبر لحد ما وصلنا لدولتين بثقافتين شديدين التشابه في وادي النيل؛ مصر السفلى ومصر العليا. واللي كان توحيدهم أمر حتمي بحكم منبعهم الأصلي “نهر النيل”.

قدر الملك نعرمر الصعيدي، ملك من مصر السفلى، يوحد مصر لأول مرة تحت قيادة حكومة مركزية واحدة سنة 3150 قبل الميلاد، ومن هنا نشأت عندنا أول دولة مصرية “ثقافة موحدة” في وادي النيل.

المصريين قدسوا نهر النيل ولكن لم يعبدوه

بيوضح الدكتور عبدالحليم إنه في خلط في فهم عقيدة المصري القديم الدينية بخصوص نهر النيل، وبيقول إن المصري القديم قدس النهر العظيم لإنه مصدر الخصب والنماء، ولكنه لم يعبده.

عبد المصري القديم المعبود “حابي”، ومعناه جالب السعادة أو السعيد، وأطلق عليه ألقاب عديدة منها “سيد النهر، الذي يجلب النماء”، و”سيد أسماك وطيور المستنقعات”. ورغم إنه ربط حابي بعطية النيل للمصريين، إلا إنه ربط النهر نفسه بمعبودات مختلفة منهم أوزيريس، وأعتقد خلق النيل كان من دموع المعبودة إيزيس.

قدم المصريين القدماء القرابيين لمعبودات مختلفة شكرًا على منحهم النيل، وفي وقت الفيضان كانوا بيقدموا القرابين والذبائح للمعبود حابي، وبيغنوا له الأهازيج والصلوات. وعلشان حابي كان موجود في كل شبر من وادي النيل، لم يبني المصري القديم له معبد ولكن اعتبر الوادي بأكمله معبد حابي.

حابي سيد النهر هو الرباط اللي بيحافظ على وحدة مصر السفلى والعليا

أيقونة حابي، سيد النهر، عن: wp

من الأدلة الواضحة على أهمية النيل الشديدة في ترابط الدولة المصرية هو رمز حابي سيد النهر اللي بيصوره المصري القديم على جدران المعابد في شكل رجل له ثديين وبطن مترهلين، دليل على الخصوبة، في أيقونة بتظهر صورتين له بيربطوا مصر السفلى والعليا برباط من زهور اللوتس، اللي كانت بتنمو في مياه النيل.

النيل مش كلمة مصرية ولا حتى عربية

المصري القديم سمى نهر النيل “إيترو عا” بمعنى (النهر العظيم)، أما كلمة النيل فمن المعتقد إنها كلمة يونانية هي “نيلوس”، وفي علماء بيرجحوا إنها كلمة مشتقة من أصل هندي “من اللغة السنسكريتية”، هي “نيلة”، ومعناها المادة اللي بيتصنع منها اللون الأزرق، واحتمال يكون اتسمى “النيل” على اسم المادة دي لإنه أزرق.

في الملحمة الشعرية اليونانية “الأوديسة” ذكر الشاعر هومر نهر النيل باسم “إيجيبتوس” بإعراب مذكر، وذكر اسم البلاد اللي بيجري فيها النهر بنفس الاسم ولكن بإعراب مؤنث، وده هو مصدر كلمة Egypt أو إيجيبت في اللغة الإنجليزية اللي بيشير لمصر النهارده.

التقويم المصري القديم اعتمد بشكل كامل على نشاط نهر النيل وعلاقته بمواسم الزراعة

الزراعة في مصر القديمة، عن: bbci

بيقول الدكتور عبدالحليم إن المصري القديم عمل تقويم شديد الدقة اعتمد فيه على نشاط نهر النيل خلال السنة، وقسمه لـ12 شهر، بيتكون كل واحد منهم من 30 يوم، بالإضافة لشهر 13، بيتكون من 5 أيام في السنوات البسيطة، أو 6 أيام في السنوات الكبيسة.

وبيوضح عبدالحليم إن المصري قسم السنة لتلات فصول، كل فصل منهم بيتكون من أربع شهور، وأكد إن الفصول دي بتنظم السنة الزراعية بشكل دقيق. أول فصول السنة كان “أخت” هو فصل فيضان النيل، وبيبدأ فيه المصري القديم يحرث أرضه ويبذر البذور علشان ييجي الفيضان يغطيها بالمياه والطمي الجديد.

بيبدأ فصل “أخت” من 15 يوليو، ويستمر لحد 15 نوفمبر بالتقويم الميلادي، واللي بيقابله 1 من شهر مسرى، لـ30 من شهر هاتور، في التقويم المصري القديم.

الفصل التاني “بيريت” هو فصل الإنبات، واللي بيشتغل فيه المصري على رعاية شتلات الزرع وريها من خلال أدوات الري اللي بيستخدمها لرفع المياه من النيل للأرض الزراعية بعد انحسار الفيضان.

الفصل التالت والأخير “شمو” هو فصل الحصاد، وبيكون فصل أعياد وأفراح علشان بيحصد المصري ثمرة تعبه على مدار فصول السنة.

في العقيدة المصرية القديمة كان الإنسان اللي بيلوث النيل مش بيدخل الجنة

كان دخول العالم الآخر بعد الموت هو الهدف الأسمى للمصري القديم، وكان بيعيش حياته على الأرض كرحلة بيجهز فيها نفسه للدخول لمملكة المعبودات المقدسة (آرو). وفي “قاعة الحق المزدوجة” اللي بيحاكم فيها أوزيريس المتوفي كان لازم يعترف الأخير 42 اعتراف، وهما قوانين الماعت (الحق).

في نص على جدران مقبرة “حرخوف” في أسوان بيقول فيها المتوفي اعترافاته في قاعة الحق المزدوجة: “أنا لم ألوث ماء النهر.. لم أمنع الفيضان في موسمه.. لم أقم سدا للماء الجاري.. أعطيت الخبز للجوعى وأعطيت الماء للعطشى”. وهي الاعترافات اللي بتيجي بعد “لم أقتل إنسان ولم أزني ولم أغوي زوجة غيري”.

إذًا كانت براءة المتوفي في العالم الآخر مرتبطة بشكل مباشر بتأثيره على ماء النيل في الحياة، وعلشان كده كان لازم يحافظ على طهارة النيل ونقاءه علشان تقبله المعبودات المصرية في مراعي آرو أو حقول القصب (الجنة عند المصري القديم).

عروس النيل خرافة دخيلة على التاريخ المصري

لبنى عبدالعزيز ورشدي أباظة، من كواليس تصوير فيلم عروس النيل 1963، عن: altreeq

أسطورة “عروس النيل” اتذكرت فقط في كتاب “فتوح مصر والمغرب” لعبد الرحمن بن عبد الحكم، واللي اتكتبت بعد 230 سنة من دخول العرب لمصر، ويذكر بن عبدالحكم في القصة إن المصريين طلبوا من عمرو بن العاص يسمح لهم يقدموا بنت عذراء كقربان للنيل زيّ عادتهم كل سنة علشان ييجي الفيضان، فرفض بن العاص، وقال: “هذا لا يكون في الإسلام.. إن الإسلام يهدم ما قبله”.

بعت بن العاص يسأل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فبعت له الأخير رسالة لنهر النيل: “من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل أهل مصر، أما بعد، فإن كنت تجري من قبلك فلا تجر، وإن كان الله الواحد القهار هو الذي يجريك فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك”، ألقى بن العاص الرسالة في النيل في وقت كان المصريين مستعدين يسيبوا أرضهم ويمشوا علشان خايفين من جفاف النيل بعد ما انقطع قربانه السنوي.

بتكمل قصة بن الحكم إن النيل فاض في ليلة واحدة أكتر من فيضانه كل سنة وانقطع السوء عن أهل مصر. ومن وقتها والقصة دي بتتنقل من جيل لجيل، لكن الحقيقة إن اللي نعرفه عن العقيدة المصرية القديمة إنها ماكنتش بتقدم قرابين بشرية لأي معبود مهما كانت أهميته، وفي برديات ولوحات دينية كتير بتوصف الصلوات والأغاني والأناشيد والقرابين اللي بتتقدم للنيل في وقت فيضانه، ومفيش أي ذكر فيها لقربان بشري.

كان دخول العرب لمصر سنة 640 ميلادية، وكان أهل مصر في الوقت ده على العقيدة المسيحية اللي كانت بتجرم القتل ومش بتعترف بطقس وثني عنيف، زيّ قتل عذراء وإغراقها كقربان لمعبود غير الله الواحد.

في دراسته “حضارة مصر القديمة”، بيوضح العالم المصري رمضان عبده إن ابن عبد الحكم “كتب هذه القصة بعد دخول العرب مصر بنحو 230 عامًا، فإما أن تكون هذه القصة قد رويت له بمعرفة أحد المخرّفين، وإما أن تكون الحكاية برمتها من تأليفه هو، بقصد تنفير المصريين من مظاهر حضارتهم وعقائدهم القديمة والدعوة إلى الإسلام”، وهو اللي أكده  المؤرخ عبد الحميد زايد في دراسته “مصر الخالدة”.

آخر كلمة: ماتفوتوش قراءة: في رأس السنة المصرية القديمة: لكل شهر عند جدتي مَثَل يعبر عنه

تعليقات
Loading...