سجناء الحرية.. أسرى قضوا نصف أعمارهم في سجون الاحتلال

في وسط تطبيق الهدنة المؤقتة بين إسرائيل وحماس، عاد الكلام مرة أخرى على ملف لم ننساها ولكن غاب عن حديثنا الإعلامي في تلك الفترة، وهو ملف الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، الأسرى الذين قضوا نصف أعمارهم بين قطبان السجن وذاقوا مرارة سلب الحرية والتقييد، معظمهم مازال رهن الاعتقال، ومُورس بحقهم كل صنوف التعذيب الجسدي والنفسي. سطروا صفحات مشرقة في تاريخ سجناء الحرية في العالم.. وكتبوا حروفها بالدم والمعاناة.

نائل البرغوثي

نائل البرغوثي، عميد الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي و”أقدم أسير في العالم” حسب موسوعة غينيس عام 2009، ويلقبه الأسرى بـ”أبو النور”، أتم 44 عامًا في سجون الاحتلال، قضى منها 34 عامًا في سجن متواصل، وهي أطول مدة اعتقال في تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة في سجون الاحتلال، رفضت سلطات الاحتلال الإفراج عنه رغم إبرام العديد من صفقات تبادل الأسرى التي تمت في إطار المفاوضات.

اعتقل وشقيقه عمر وابن عمهما فخري البرغوثي بينما كان يستعد لامتحانات الثانوية العامة في 1978 بتهمة قتل ضابط إسرائيلي شمال رام الله، وحرق مصنع زيوت وتفجير مقهى في القدس، وحكم عليهم جميعًا بالسجن المؤبد.

معروف عن البرغوثي بين الأسرى بثقافته الواسعة وحبه للتاريخ، ويعتبرونه مرجعًا في محطات النضال الفلسطيني، تعلم داخل السجن اللغتين العبرية والإنجليزية.

محمد أحمد عبدالحميد الطوس

في السادس من أكتوبر من هذا العام أتم الأسير محمد أحمد عبد الحميد الطوس من سكان محافظة الخليل عامه الـ68 بعد ما قضى 39 سنة في سجون الاحتلال.

مكتب إعلام الأسرى أفاد بأن قوات الاحتلال كانت قد اعتقلته بتاريخ 06/10/1985م، وهو يعتبر ثالث أقدم أسير فلسطيني على الإطلاق، وأقدم أسرى الضفة الغربية المحتلة.

الأسير الطوس كان الناجي الوحيد من مجزرة ارتكبها الاحتلال، حيث أطلقت عليهم الرصاص والصواريخ، وأدت إلى استشهاد أربعة من رفاقه كانوا في طريقهم إلى الحدود مع الأردن للخروج من فلسطين، وعرفوا باسم مجموعة جبل الخليل، ونجاة الأسير بعد إصابته بجراح خطيرة، واعتقل على إثرها، وبعد تحقيق قاسي حكم عليه الاحتلال بالسجن المؤبد وقاموا بهدم منزله.

محمد داوود

اعتقل محمد عادل حسن داوود المعروف بأبو غازي سنة 1987، وصدر بحقه حكم بالسجن مدى الحياة بتهمة الانتماء إلى حركة فتح، وإلقاء زجاجة حارقة على سيارة مستوطنين ومقتل اثنين منهم من بينهما رئيسة مجالس المستوطنات، وهدمت سلطات الاحتلال منزل عائلته، بعد اعتقاله ورفضت إطلاق سراحه ضمن عمليات تبادل الأسرى التي تمت بعد اتفاق أوسلو.

فقد محمد والده ووالدته وهو في المعتقل، والده أصيب بذبحة صدرية قبل ليلة من موعد زيارة ابنه، بعد أن كان قد جهز كافة أغراض الزيارة التي سيأخذها لمحمد، ووضع في جيبه من ضمن الأغراض صور العائلة الجديدة خوفًا من نسيانها كي يعطيها لمحمد.

يعاني الأسير محمد داوود منذ عدة سنوات من تدهور صحي مستمر بسبب ظروف الاعتقال الطويلة حيث فقدَ معظم أسنانه، ويعاني منذ فترة من أوجاعٍ قاسية في البطن وأصيب لاحقًا بمشاكل مزمنة في المعدة، وحساسية في الجلد بنسبة عالية تسببت بتشققات ونزيف، كان يسمح لعائلة محمد بزيارته مرة واحدة كل عام كنوع من أنواع العقاب.

أحمد مناصرة

اعتقل في 2015 وهو طفل حيث كان في الثالثة عشرة من عمره؛ وذلك عقب أيام قليلة من اندلاع “انتفاضة القدس”، حين أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي نيران على كل من الطفلين: أحمد وابن عمه حسن، فأصيب الأول بجروح خطيرة، بينما ارتقى حسن شهيدًا، وعمدوا إلى تصوير مناصرة، وهو مدد في دمه على الأرض، وملاحقٌ بسيل من الشتائم.

في السياق نفسه، تم تسريب “مقطع فيديو” من قلب جلسة التحقيق مع المناصرة، وهم يقومون بالضغط عليه من أجل الإدلاء بما يزعمون من اتهامات، والضغط عليه من أجل التوقيع عليها، فيما جاء رد الطفل الأسير: “مش متذكر .. بقلك مش متذكر”.

وعقب هذه المحاكمة التي هزّت الرأي العام الدولي، حُكم على الطفل بالسجن لمدة 12 سنة، فيما خفف الحكم بعد ذلك إلى تسع سنوات. ومنذ ذلك الحين، وهو يعاني من ظروف نفسية وجسدية توصف بـ”الصعبة”، خاصة بعدما فرض عليه العزل الفردي، ومنعه من رؤية عائلته. 

كريم يونس

الوحيد في قائمتنا التي أطلقت إسرائيل سراحه، بعد أن قضى 40 عامًا في السجن، أقدم أسير في العالم ومانديلا فلسطين إذ قضى 4 عقود متواصلة داخل زنزانته، ويلقب أيضًا يونس بـ”عميد الأسرى”، وقد اعتقل العام 1983 مع ابن عمه ماهر بتهمة قتل جندي إسرائيلي ونقل أسلحة لصالح حركة فتح.

وفي عام 2013، توفي والده دون أن يتمكن من وداعه، واستمرت والدته بزيارته رغم مرضها وكبر سنها، إلى أن توفيت قبل شهور من موعد الإفراج عنه، حيث جرى الإفراج عنه بشكل مفاجيء في 2022 بشكل فيه تنكيل، فقد أنزلته القوات الإسرائيلية في الشارع وتركته قرب محطة للحافلات، قبل أن يتمكن عابرو سبيل من التعرف عليه.

وفي قريته عارة الملاصقة لقرية عرعرة العربية داخل إسرائيل، استُقبل محمولًا على الأكتاف، وكان يضع الكوفية الفلسطينية على كتفيه، ويحمل العلم الفلسطيني.

 محمود أبو خرابيش

فقد أعتقل وهو لا يزال شابًا عمره ٢٣ سنة في ١٩٨٨ بتهمة إلقاء زجاجة حارقة بإتجاه حافلة إسرائيلية في أريحا، وحكم عليه بالسجن المؤبد ويقبع حاليًا في سجن “ريمون” الاستعماري.

خلال فترة اعتقاله، اتبع الاحتلال سياسات إنتهاكية ضده حيث تم عزله وأسره في زنازين انفرادية مما أدى لخوضه عدة إضراباتٍ عن الطعام، ولم يستسلم حيث قام بتثقيف نفسه بنفسه خلال هذه السنوات وأنهى دراسته الثانوية داخل السجون ويواصل إكمال دراسته الجامعية للعلوم السياسية، لكن السلطات منعت الأسرى من مواصلة تعليمهم.

هُدم بيت الأسير في نفس العام الذي اعتقل فيه، وهو متزوج وله ابنة تسمى أسماء لم يرها إلا 40 يومًا قبل أن يُعتقل. أنهت أسماء دراستها الجامعية وتزوجت وهو لا يزال أسيرًا، فحرم من ابنته ومن احتضان الأشجار حيث كانت الزراعة أكثر من مجرد مهنة.

مع مضي السنين، تحرر العديد من الأسرى الفلسطينيين عبر اتفاقياتٍ لتبادل الأسرى، مثل من أُفرج عنهم عام 1995 بعد اتفاقية أوسلو، أو صفقة تبادل الأسرى التي فرضها حزب الله في 2004 حيث تم تحرير 400 أسير فلسطيني، أو عملية وفاء الأحرار التي قامت بها حركة حماس عام 2011 حيث تم تحرير 1027 أسير فلسطيني مقابل الإفراج عن الجندي شاليط، ومع ذلك، فإن هناك العديد من الأسرى ذو العمليات النوعية، وبعضها لم يتم الإفراج عنهم ومازالوا رهن الاعتقال.

في سجون الاحتلال يشرق الصباح وتمر الفصول والأعوام وتتحرك الحياة ولكن تظل حياة الأسرى واقفة، لا جديد فيها سوى الانتظار وكأن الزمان وقف بهم عند لحظة الأسر.

آخر كلمة: ماتفوتوش قراءة: في نسف للرواية الإسرائيلية.. ردود الفعل على حالة أسرى المقاومة

تعليقات
Loading...