البنات دول.. تسجيلي مصري عن حياة البنات اللي بتنام في شوارع المحروسة

يوم الأتنين 2 يونيو 2014 كتب إسلام زكريا في صحيفة الوطن عن “أوكا” البنت اللي في الصورة.

في وجه أوكا مسحة جمال تقدر تشوفها حتى تحت الطين والوسخ اللي مغطي جسمها ووشها وشعرها وهدومها، بتمشي حافية ولابسة جلابية هتدوب من كتر الوسخ. بتقرب بهيئتها المخيفة في منطقة شبرا فتخوف العيال ويهربوا منها زيّ ما أهلهم بينصحوهم، في حين أوكا اللي عندها حاجة وتلاتين سنة والمريضة عقليًا -زيّ ما بيقول أهل المنطقة- مش بتلاقي حد يحن عليها، وتخاف لو لقت حد يحن عليها يكون طمعان فيها وعايز يغتصبها فبتفضل نايمة في مقالب الزبالة وبقايا الأكل هي أكلها الوحيد.

أوكا تعرف اسمها وبتكرره كتير “صابرين محمد”، لكن ماتعرفش هي مين ولا جات منين، وتعرف بس إن لما ستات المنطقة يعطفوا عليها أحيانًا وياخدوها بيوتهم تستحمى، بتنزل الشارع نضيفة فتتحول لمطمع رجالة يتناوبوا على اغتصابها. بتبكي أوكا وهي بتحكي: “مش عايزة استحمى تانى.. عشان محدش يغتصبنى”.

قصة أوكا هي واحدة من قصص بنات كتير عايشين ونايمين ومتبهدلين في شوارع القاهرة ومصر كلها، وكل بنت منهم وراها حكايات تخصها وعندها تفاصيل عن حياتها في الشارع تخلي جسمك يقشعر ودموعك تنزل مهما كان صبرك وقوة إرادتك، تفاصيل تشبه حياة بنات كتير زيّها، حاجات مرعبة وحزينة وبعضها مليان عطف ومحبة رغم كل الرعب اللي بيحاوط تفاصيل أيامهم في الشارع.

البنات دول.. فيلم بينقل تفاصيل حياة البنات دول من غير حذف أو محاولة للتجميل الزائف

“بتعمل إيه؟ – باكل فراخ – من الزبالة؟ – أه – طب اديني حتة.”

البنات دول هما اللي بيعدوا جانبنا كل يوم في الشارع وبيسرحوا بالفل والمناديل في محطات المترو وعلى القهاوي، ومن كتر وجودهم مابقاش حد بيشوفهم تقريبًا لإنهم بقوا عادي في البلد.

بنات بتنام في الشارع وأكبر همها هيحصل إيه لما ييجي عليها الليل في الشارع وهتروح فين. علشان بالليل بتطلع الديابة وبتخطف البنات، ولو البنت اتخطفت هتغتصب ولازم تسمع كلام اللي هيغتصبوها وتنفذ أوامرهم علشان مايتعلمش على وشها. أصله لو اتعلم على وشها الكل هيعرف إن البت دي خسرت ومابقتش بت، زيّ ما بتقول طاطا، واحدة من البنات اللي ياما خطفوها واغتصبوها في شوارع القاهرة. وضربة الوش مفيهاش معلش، زيّ ما بتقول مريم اللي قصت شعرها علشان لما تنام في الشارع يفتكروها واد فماحدش يغتصبها ولا يعورها.

“كله يا أبلة يشوف بت يبقى عايز لامؤاخذه ياخودها، أنا شفت وعملت”. بيقول واحد من السريحة اللي ماشيين يلموا كارتون وبلاستيك على عربيات الكارو. ولما تسأله ازاي وليه عملت كده يقول لك: “أنا أبقى راكب المكنة، أقوله اطلع يا قط، والقط ينط، وأنا أصلي مش لاقي حته تتاويني ولا معايا أتجوز، فهعمل فين؟ اللي زيّنا مالوش غير كده يا أبلة”.

“مش عايزة أرجع مع أبويا، بيضربني وبيهني، الشارع بكل اللي فيه أحن عليا منهم” بتقول دنيا وهي بتعيط بهستيريا لما أبوها جاي ياخودها من الشارع.

البنات دول
عن: Facebook

“أنا كنت عيلة عندي 14 سنة باين، ونايمة في جنينة في مصر الجديدة، جه واحد اسمه حسن فرشة وعمل نفسه اكمنه بيحبني بقى وكده، شممني كوله، وضربني برشام وخمره، قمت أنا بقى لما اتعودت على الحاجات دي خسرت، رحت كشفت على نفسي علشان من جوايا عارفه إني مابقتش بت، يعني خسرت، بقيت بعدها أعور في نفسي وأرازي في خلق الله، مانا خلاص بقى خسرت”. بتحكي دنيا.

عن رحلة صناعة فيلم تسجيلي من قلب مجتمعات مهمشة في مصر

بتقول مخرجة الفيلم تهاني راشد، المصرية اللي عايشة في كندا، إن حماسها للفيلم جاي من حماسها للبنات دول وتساؤلاتها عن طبيعة حياتهم وسط الزبالة والشوارع، وكانت عايزة تقرب منهم وتعرض تفاصيل حياتهم بكل ما فيها من لحظات بهجة قليلة ولحظات قسوة ووجع كتير، كانت عايزة تعرض البراءة اللي جواهم رغم قسوة وخطر وصعوبة الحياة اللي عايشينها.

البنات دول هما ضحايا ظروف معقدة وقاسية وجايين من أسر مفككة بيهربوا من الإساءة والـ abuse اللي بيحصلهم فيها أول ما بتجيهم الفرصة وبيتحول الشارع بكل ما فيه من قبح وخطر لمكان أمن أكتر من بيوت الأسر اللي بتعذبهم، بس بعد كده بتبدأ سلسلة قهر إجتماعي بتكسرهم في الشارع. البنات دي ضحايا مجتمع فقير بتكسره الحاجة وبتتحول فيه لقمة العيش لهدف شبه مستحيل زيّ الحفاظ على الكرامة والأدمية.

وبترد راشد على اللي بيتهموها بتشويه سمعة مصر بعرض الحاجات دي علشان تكتسب قبول المجتمع الغربي، إن كلمة “سمعة مصر” دي كلمة كبيرة جدًا وماينفعش نستخدمها كده وخلاص، وإن اللي بيسيء لسمعة مصر هو عدم إتخاذ خطوة لمساعدة البنات دول مش عمل فيلم بيحكي واقعهم المر من غير تعديل أو تجميل. ووضحت إن دور السينما في مصر رفضت عرض الفيلم علشان المحتوى اللي شافوه مسيء، لكنها سعيدة إن في مهرجانات ومنظمات ثقافية في مصر وبرا مصر عرضت الفيلم واحتفت بيه.

أما عن سبب اختيارها للبنات بالذات في الفيلم وإنها ماعملتش الفيلم عن أولاد الشوارع مثلًا فقالت إنها بتحب تشتغل مع البنات والستات في العموم علشان بيتكلموا عن مشاعرهم بطريقة مباشرة وأسهل من الرجالة بكتير، وبالتالي هتقدر تطلع منها طبقات من الواقعية والشعورية وتفهم تركيباتهم السيكولوجية أسهل من الرجالة اللي بيميلوا أكتر لإخفاء مشاعرهم ولبس دروع وأقنعة لحمايتهم.

هتلاقي حوار نيللي يوسف مع المخرجة تهاني راشد كامل على صحيفة القنطرة هنا.

أي واقع هذا الذي يتخذ فيه الرجال عبيد جنسيين من “البنات دول” دون من يعاقب؟

فيلم عن واقع البنات دول من غير أي رتوش أو محاولات لنقل تفاصيل حياتهم بأي شكل من التجميل علشان الناس تتقبله، هو واقع موجود سواء تقبلناه أو لأ، واقع البنات اللي بتتخطف وتخضع علشان ماتتعورش، والإستعباد الجنسي اللي بيحصل في عشة ويزا على الطريق الأبيض، اللي بياخد البنت من دول ولو حظها حلو هينام معاها هو وصحابه ويسيبوها تمشي، لكن لو حظها وحش هيخزنها شهور في العشة ويحولها لعبد جنسي Sex slave.

البنات دول
عن: Facebook

واقع بنات بتشم غراء، أو كوله زيّ ما بيسموها في الشارع، وبتضرب حبوب مخدرة، أو برشام زيّ ما بيقولوا، علشان لو طلع عليها واحد في الشارع هتقوم بيه، لكن لو طلع عليها اتنين تلاتة ماتقدرش عليهم، والكترة تغلب الشجاعة، بس لو مبرشمة-واحدة حبوب مخدرة-تقوم بيهم ومايهمهاش زيّ ما طاطا بتقول.

قصص الجنس من غير قواعد ولا حماية وحمل ماتعرفش صحبته مين الأب علشان لما الظروف بتقسى عليها في الشارع ومش بتلاقي حتة تنام فيها السريحة بياخدوها تنام الليل معاهم والنتيجة بتبقى علاقة جنسية مع واحد مختلف كل ليلة وبالتالي ماتعرفش اللي في بطنها ابن مين فيهم.

ما بين كل الرعب ده بيستعرض الفيلم لحظات بهجة بترقص فيها البنات وسط كل الحزن والخوف، لإن الرقص هو كناية عن الحرية وعن الرغبة في الخروج من عالم الشارع اللي بيستهلك الأدمية وبيغتصب الروح والنفس قبل ما السريحة ما يغتصبوا الجسد، وبيدوس على الروح لحد ما يبقى الغراء والبرشام والدخان هو السبيل الوحيد لمعايشة الواقع.

وما بين كل المآسي دي بتتولد قصص حب بريئة ما بين أولاد وبنات الشارع، قصص حب بيعبروا عنها بلغتهم الخاصة لما تقول طاطا “من ساعة ما عرفت رجب وأنا ضعت، أضرب أمي وأنا بفكر في رجب، أتخانق مع البنات في الشارع وأنا بفكر في رجب، معشش في دماغي مش عارفة أخلص منه”.

“بصي الواد ده يا أبلة مفيش زيّه، يعني أنا شفت ولاد كتير في الشارع ماشفتش زيّه، أنا بحبه أوي أوي أوي يا أبلة”.

بالجملة البسيطة دي بتعبر البنات عن مشاعر الحب الطاغي اللي يمكن مايعرفوش يعبروا عنه بلغة رنانة ومذهلة زيّ الأغاني والشعر، لكنهم عايشينه بكل لوعاته وجمالياته ولسه رغم كل الوجع والقسوة والإنكسارات اللي بيواجهوها في الشارع بيحبوا وبيتحبوا لإن زيّ ما مريم بتقول في الفيلم: “أهم حاجة إنك تحب وتتحب”.

البنات اللي في الفيلم دول مش أغراب عنك، أنت وأنتي بتشوفوهم كل يوم في الشارع بس يمكن عينيكم اتعودت عليهم لدرجة إنكم مابيقتوش بتشوفوهم تقريبًا، بس هما موجودين في كل شارع وعايشين نفس الظروف وإن كانت كل واحدة منهم وراها حكاية غير التانية فكلهم في الأخر بيشتركوا في نفس الحاجة وهي إن الشارع بيستهلك أدميتهم وأرواحهم.

لو بتسأل ممكن تساعد ازاي فممكن نساعد بحاجات كتير، أولها إننا لما نشوفهم في الشارع نبصلهم مانتجاهلهمش، نبتسم في وشهم، ممكن نقرب منهم ونعرفهم ونسمعهم زيّ ما أبلة هند، القديسة اللي في الفيلم، بتنزل تسمعهم وتساعدهم من غير ما تحكم عليهم لإنه زيّ ما أبلة هند بتقول: “البنات دول عايزين الحب، عايزين اللي يسمعهم وينصحهم”. وزيّ ما طاطا بتقول: “أبلة هند دي اللي علمتنا نفكر ومانثورش”. هما محتاجين العطف والحب علشان ننقذ أخر ما تبقى من أدميتهم قبل ما الشارع يدمرها بالكامل ويتحولوا لوعاء خالي لإنسان.

آخر كلمة: من فضلكم اتصرفوا، ساعدوهم، اتكلموا عنهم، هما بس محتاجين لكم على الأقل تقربوا منهم لإنهم مازالوا بشر

تعليقات
Loading...