عيرني كتفك: عمارة دمشقية بنيت على أساس التآزر

حارات متداخلة وطرق ضيقة، ومبان تتقابل أبوابها و أشخاص جالسون على طاولة في أزقة هذه الحارات يتحدثون عن ذكريات الماضي وما سيجنوه في الحاضر في قلب الحارات الدمشقية التي تحمل العديد من القصص التراثية يرويها أهلها بشوق وحنين.

وفي نظام البناء وهندسة الحارات كثير ممن يحبونه الأجواء الدمشقية وبيئتها يعلمون قصة الأقواس التي تتلاقى في الأبنية فوق طرقاتها الضيقة وعلاقتها بالمقولة الشائعة “عيرني كتفك يا جار”

هندسة اجتماعية تدعو للتآزر

“عيرني كتفك يا جار” مثل شائع بين الدمشقيين يعود إلى مئات الأعوام، ومنهم من يؤكد أنه جرى تداوله في زمن الاحتلال العثماني الذي امتد لأربعمائة عام، عاشوا وذاقوا فيه المرارة من الحروب والتعسف والفقر والتجنيد الإجباري، فكانت الحاجة تفرض على الناس من الجيران والأهل أن يكونوا على درجة عالية من الوفاء والتكاتف والتلاحم، حتى في عمارة بيوتهم!

فيحكى أن أحد الرجال قرر تزويج ابنه لكنه اصطدم بضيق منزله وعدم قدرته على إنشاء منزل مستقل لولده، ففكر ببناء غرفة مستقلة على سطح المنزل، لكن المكان ظل ضيقًا يحتاج إلى بضعة أمتار إضافية، فماذا يفعل؟ لم يجد سوى أن يأخذ الزقاق ولكن مع موافقة جاره المقابل، لتكون الغرفة بين بيتين.

فذهب الرجل العجوز إلى جاره وخرجت منه عبارة بشكل تلقائي: “عيرني كتفك”، وكان الجار يعلم عدم قدرة العجوز على تأمين منزل لولده، ليرد بالموافقة: (عرتك)، فأعطى جاره حائط مبناه فكان جدار المنزل المقابل الكتف الذي حمل غرفة العروسين، وتكررت حوادث مشابهة إلى أن أصبحت أقواس هذه الغرف تشبه أقواس النصر، وأصبحت طراز معماري فري وعلى الرغم من بساطة البناء، إلا أنه شكل حالة هندسية، هندسة أود أن اطلق عليها “هندسة اجتماعية” تدعو للتآزر.

فلسفة البيوت الدمشقية

البيوت الدمشقية كانت تتمتع بفلسفة جمالية مبنية على نظرية الانفتاح صوب الداخل، بحيث تحقق الخصوصية التامة والاستقلالية وفي الوقت ذاته الحماية المناخية.

فأعطت مدينة الأسواق والخانات والأبواب والطرقات التجارية التاريخية نموذجً رائعًا عن نشأة العمارة الإسلامية وتطورها، تتباهى بما تمتلكه من تراث عريق لأجمل فنون العمارة الإسلامية من قصور وبيوت عربية، وكان كل ركن يدفعهم لمحبة الصديق لصديقه و الجار للجار والتكاتف، ليتلاقي كل هذا في أقواس مبنية من الطين والحجارة تبدو وكأنها تضلل معالم الطريق لتشكل هندسة بسيطة شكلت قرون من فن العمارة الإسلامية.

آخر كلمة: ماتفوتوش قراءة: مفيدة عبد الرحمن: قصة أول محامية مصرية ترافعت في قاعات المحاكم

تعليقات
Loading...