لحظات تجلي.. عن أمزجة وطقوس المبدعين أثناء الكتابة

في البدء كانت الكلمة.. للكتابة طقس استثنائي غير عادي تروق للإبداع، فكيف يمكن لمن كتب كلمات لمست القلوب بدون استئذان أن يكون شخصًا عاديًا؟ ولأنه ليس عاديًا فيمتلك طبائع وأمزجة غير عادية، تتنوع بين العفوية والغرابة في محاولة منه للدخول في حالة الإلهام ليسقط عليه سيل من الأفكار.

فمثلًا الأديب الروسي تولوستوي كان يرتدي لباس الفلاحين قبل الكتابة، والروائي الكولومبي جابريال جارسيا كان لا يبدأ الكتابة إلا عندما يرتدي لباس الميكانيكي، ويضيء كل مصابيح منزله، حتى يظن البعض أنه أقام وليمة، ولكن ماذا عن مزاج المبدعين العرب؟

نجيب محفوظ

أحيانًا كنا نتسئل عن الطقوس التي اتخذها العبقرية الفذة نجيب محفوظ وهو يكتب مثلًا رواية بين القصرين أو خان الخليلي، وكيف انتقلت بنا كلماته للشوارع والأزقة؟ ولكن لم نعد نستغرب عندما نعلم أنه يتخذ من القهوة مكان إلهامه، ومن العابرين وأصواتهم مصدر لسيل أفكاره.

ونكمل عليها استماعه لمقطوعة موسيقية، أو للست أم كلثوم وهو يسير في منزله، قبل أن يتوجه إلى غرفة مكتبه للبدء فى الكتابة، مع ثلاث فناجين من القهوة كانت رفيقة دربه أثناء الكتابة، فنجان مع بداية الكتابة، وآخر تعده زوجته وتُدخله بهدوء بعد فترة من الوقت، والثالث قبل انتهاءه من جلسته، وإذا لم يحدث هذا ولا ذاك كان يتعمد لبذل مجهود عضلي قبل المجهود الذهني فيسير على أرجله مدة طويلة في الصباح الباكر.

جمال الغيطاني

“حين أكتب وتواجهني مشكلة وصعوبة فإني أعيش أزمة نفسية قد تجعلني أفكر في الانتحار، لكن عندما تنحل وتفرج، فإني أحس بسعادة ما بعدها وهي من أفضل لحظات عمري”.

هكذا كانت الكتابة بالنسبة لجمال الغيطاني، أما عن طقوسها كانت أكثر انتقائية، عند إقدامه على الكتابة يقرأ قليلًا ومن ثم يصنع لنفسه صومعة خاصة في المساء، ويخصص أقلامًا مختلفة نادرة عن الأقلام التى يكتب بها مقاله الصحفي، مثل قلمه المفضل “الحبر الكلاسيكي”، وكان لا يستخدم الحاسوب في الكتابة، لأنها من وجهة نظره الكتابة صنعة ورسم لا يوفرها الحاسوب، وفي الخلفية كان يستمع للموسيقى وليست أي موسيقى الكلاسيكية التركية والإيرانية والعربية.

أحمد شوقي

بايعوه بلقب إمارة الشعر لإبداعه في الكتابة ومع غرابة طقوسه في الكتابة حصل على لقب جديد، فروى عن أمير الشعراء، يفضل الكتابة عند الجلوس بالصف الأول في السينما، ويصوغ الشعر والتراكيب والصور الخيالية وهو منشغل بمشاهدة أحد الأفلام، والأغرب أنه يخرج وقد أنجز قدرًا كبيرًا من القصيدة، والأغرب والأغرب أنه يمكنه بعد كل ذلك تبادل النقاش في الفيلم الذي شاهده، وبعيدًا عن السينما فكان معتاد أن تناوله كوبًا من صفار البيض المخفوق بعدما ينتهي من عمله في القصيدة.

شوقي يكتب على أي شيء يجده أمامه، فإذا لم يتوفر ورق كتب على علبة السجائر، كما فعل سابقًا وكتب إحدى قصائدة على “فوطة” كانت أمامه، كي لا تهرب الكلمات.

إبراهيم عبد المجيد

أما الروائي المصري إبراهيم عبد المجيد، صاحب “لا أحد ينام في الإسكندرية”، فهو لا ينام فعلًا كان لا ينام طوال الليل، فيحكي “علاقتي بالكون هي الكتابة، حتى عند انتقالي من منزل لآخر لم أغير غرفة مكتبي بما تحويه، أحتفظ فيها بثلاثة دواليب للكتب” عبد المجيد كان يحب الضوء الأبيض، ويكتب عادة من بعد منتصف الليل وحتى شروق الشمس، فلابد أن يرى ضوء الصباح قبل أن يخلد للنوم، يكتب 3 سطور أو 3 صفحات ومن ثم يستمع للراديو وتحديدًا إذاعة البرنامج الموسيقى.

أمير تاج السر

الروائي السوداني والطبيب أمير تاج السر، الطبيب الذي يكتب نهارًا ما بين الساعتين الثامنة صباحا والواحدة ظهرًا، ويكتب عادة في ركن في فندق، ركن ليس هادئًا بسبب ضجيج زواره ولكنه لا ينتبه إلى الضجيج، أحيانًا يكتب في مكتبه الذي أعده في منزله، لكن الكتابة لا تأتيه متدفقة كما في الفندق، وجرب في يوم أن يتجه ليكتب في المقاهي العامة فهي تحتوي على نفس الضجيج، ولكن لم يستطع وسط دخان الشيشة، وألعاب الطاولة ونداءات الباعة على عكس نجيب محفوظ، الذي اتخذ من الضجيج بناءً لأفكاره.

نزار قباني

وأما عن شاعر الحب والمرأة، فكانت الأوراق الملونة صديقته، يكتب على ورق ملون أصفر أو زهري، وكان يعيد الكتابة على الورقة الواحدة عدة مرات، وينفصل تمامًا عن كل ما هو محيط به ومهما حدث لا يتحرك عن كرسيه حتى ينتهي من قصيدته، فيقول ” لا أحتاج إلى أكثر من سرير انفرادي، كتلك الأسرة المستعملة في المستشفيات والسجون لأكتب قصيدتي، ولو أنني نمت بالصدفة على سرير من طراز لويس الخامس عشر لطار النوم من عيني وطارت القصيدة، ولكن ماذا عن طقوسك أثناء كتابة المقال؟

آخر كلمة: ماتفوتوش قراءة: حلم لم يشبه أحلام الكثير: أصغر لبنانية تمتهن مهنة الحلاقة الرجالي

تعليقات
Loading...