ازاي الأرمن ساهموا في إثراء الثقافة المصرية؟

بعد النزوح الجماعي للأرمن علشان يهربوا من المذابح التركية في نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين ساهم الأرمن في مصر في إثراء الحياة الثقافية والفنية والمسرحية والصحافية بشكل كبير.

ومع المناوشات والحرب الدايرة بين أرمينيا وأذربيجان بيتزايد الحديث عن الأرمن ودورهم في عالمنا العربي ومصر، اللي بتشهد علي دورهم الكبير في حياتها الثقافية والسياسية، بالذات إن الأرمن بشكل كبير مسابوش مجال، خصوصًا في الفنون والثقافة، واقتحموه وأسهموا في نجاحه، وكمان شكلوا طابع خاص بهم.

أرمن مصر – عن إضاءات

الأرمني الأكتر تأثير في تاريخ مصر.. نوبار باشا

أبرز الأرمن اللي كان ليهم تأثير في مصر هو سياسي أرمني عتيق ومخضرم اسمه نوبار باشا، اللي أتولد في 1825 وتوفى في 1899، الراجل ده تولى رئاسة الحكومة تلات مرات ويُعتبر أول رئيس وزراء في تاريخ مصر، وكانت فترة توليه الأولى سنة 1879 والأخيرة سنة 1894.

 ساب نوبار باشا وراه مذكرات قيمة جدًا ومهمة وشاهدة على فترة مؤثرة في تاريخ مصر الحديث، بدايًة من نهاية عصر محمد علي لحد إسماعيل باشا، وكتبها باللغة الفرنسية في تسعينيات القرن ال19، وتم نشرها في لبنان سنة 1983 قبل ترجمتها للغة العربية وصدرت عن دار الشروق في القاهرة سنة 2009 وخلص منها طبعات كتير.

مذكرات الباشا ليها أهمية استثنائية لصراحتها الشديدة وتفاصيلها الكتيرة عن حياة حكام مصر، وده لقرب المؤلف منهم كلهم، كمان نوبار كان حريص على كتابة سيرة حياته والكلام عن ثقافته الفرنسية وسفرياته لأوروبا والاحتكاك بقادتها.

نوبار باشا

رموز الصحافة من الأرمن في مصر

الإصدارات الصحافية الأرمنية في مصر وصلت ل120 إصدار سنة 1961، وهي الإصدارات اللي كانت متنوعة، من بينها 29 مطبوعة سياسية و23 نشرة مؤسسية و20 مطبوعة أدبية و17 فكاهية ساخرة و11 دورية سنوية و7 دينية و7 مطبوعة “معارف عامة”، ده بالإضافة لمطبوعات تانية علمية وتربوية وأسرية ورياضية.

الأرمن المصريين أسسوا شركتين للصحافة هما “شركة النشر لأرمن مصر” واللي اتأسست في الإسكندرية على إيد الكاتب يرفانت أوديان و”شركة الصحافة الأرمنية”. الصحف كانت بتصدر في غالبيتها باللغة الأرمنية وكانت موجهة للأرمن سواء في مصر أو غيرها وبتتناول القضايا الأرمنية، والصحافة الأرمنية أسهمت في تنشيط الحركة الأدبية وكان أغلب محررينها من الأدباء والشعراء الأرمن.

أشهر الصحافيين الأرمن كانوا طوروسيان وجول مونيه ويرفانت أوديان وهارتيون ألبيار وألكسندر صاروخان، والأخير كان أهم وأكبر شخصية أرمنية اشتغلت في الصحافة المصرية، وكان رائد في فن الكاريكاتير السياسي.

أتقال عن ألكسندر صاروخان إنه “المصري أفندي” اللي جسد معاناة الاحتلال لحد ما بقى فنان بدرجة مفكر سياسي، وألكسندر صاروخان هو واحد من مؤسسي الكاريكاتير السياسي الحديث في مصر في العشرينات، وده لتعبيره عن المجتمع المصري ورصد معاناته اليومية مع كفاحه ضد الاحتلال الإنجليزي على لسان شخصيته الكاريكاتيرية الشهيرة “المصرى أفندي”.

أتنوعت أعماله بين لوحات تشكيلية ورسوم كاريكاتيرية بتعكس ثقافة عالية ورأي سياسي مدفوع بموقف إنساني واضح، وصاروخان يُعتبر مفكر وسياسي ومدافع شرس عن حرية التعبير ومعلم لأجيال كتير من رسامين الكاريكاتير المصريين.

صاروخان – عن الهيئة الوطنية للاستعلامات

الأرمن والمسرح

في المسرح شكل الأرمن نموذج للتنوع المسرحي وركزوا في مسرحياتهم علي تاريخهم، ومن أبرز مسرحياتهم هي “حرب فارتان”. أما أبرز الكُتاب المسرحيين الأرمن في مصر فهم توماس ترزيان وهاكوب بارونيان وليفون شانط واقديس هارونيان وأفيديك ايساهاجيان.

الأرمن والموسيقى.. كازازيان كنموذج

جورج كازازيان هو الموسيقار وعازف العود المصري من أصول أرمينية، أتولد في حي غمرة في مدينة القاهرة يوم 25 يناير سنة 1953. أتنقل بين ثقافتين في محيط مجتمعه الكوزموبوليتان، وهو ملمح من ملامح التركيبة الاجتماعية والديموغرافية للقاهرة، وساهم في تكوينه إنه مصري/ أرميني المولود في القاهرة، وكمان إنه بيسافر بلاد كتير وقدر يرسخ بموسيقاه المصرية فكرة إنها جزء من التراث الإنساني عموماً وتكوينه الوجداني خصوصاً.

 عمل الموسيقى التصويرية لأفلام روائية طويلة: “الجوع” (1986) إخراج علي بدرخان، “قاهر الزمن” (1987) إخراج كمال الشيخ، “زوجة رجل مهم” (1988) إخراج محمد خان، “سيدة القاهرة” (1990) إخراج مؤمن السميحي، “فتاة المصنع” (2014) إخراج محمد خان. وكمان عمل الموسيقى التصويرية لأفلام وثائقية منها: “رمسيس الثاني” (1980) و”قبل الأهرامات” (1981) من إخراج شادي عبد السلام، “رقصة الحب” (1992) إخراج إيهاب شاكر، “حوار صامت” (1999) إخراج علي الغزولي، ده غير إنه لف أوروبا ومصر بحفلات كتير، عزف فيها الموسيقى بتاعته.

نجمات السينما المصرية من الأرمن

ركز أرمن مصر على مجال صناعة السينما بشكل كبير، ونجح أوهان هاجوب في صناعة معدات التصوير السينمائي، أما في مجال هندسة المشاهد السينمائية، فبرز اسم هاجوب أصلانيان اللي أسس شركة “أفلام نجمة الشرق”، وفي مجال المونتاج السينمائي اشتهر اسم المونتير فاهي بوياجيان.

ومن أبرز الممثلات الأرمنيات اللي بقوا نجمات للسينما في مصر هي بيروز أرتين كالفايان وشهرتها “الطفلة فيروز” واشتهرت بسبب أفلامها مع أنور وجدي في الأربعينيات والخمسينيات.

فيروز الصغيرة – عن ليالينا

وأختها نيللي أرتين كالفايان التي اشتهرت باسم شهرتها “نيللي”، وبدأت مشوارها الفني وهي  طفلة صغيرة في أفلام كتيرة وكانت بتحب الغنا والرقص. ولما كبرت اشتركت في حلقات “الرمال الناعمة”، وشاركت في المسلسل الإذاعي “شيء من العذاب” قدام الفنان محمد عبد الوهاب، وبعدها اتجهت للتلفزيون والسينما، واعتمدت في أعمالها على الاستعراض والتمثيل، وشاركت في بطولة مسرحية “انقلاب”.

في 1966 لعبت نيللي أول بطولة مطلقة ليها في السينما في فيلم المراهقة الصغيرة، قبل ما تشارك في سبعة أفلام قدام الفنان صلاح ذو الفقار منها؛ “صباح الخير يا زوجتي العزيز،ة” سنة 1969، و”امرأة زوجي” سنة 1970، و”دنيا عام” سنة 1974، و”لحظة ضعف” سنة 1981، ومعظم الأفلام التي قدمتها أفلام استعراضية.

نالت جماهيرية تليفزيونية واسعة من الفوازير اللي قامت ببطولتها لسنين طويلة وهي “صندوق الدنيا، عالم ورق، الخاطبة، عروستي”.

ده غير ماري نزار جوليان اللي اشتهرت باسم “ميمي جمال”، وكمان لهدى شمس الدين اللي قدمت 15 فيلم ما بين 1947 و1961.


ميمي جمال عن العين

وفي كمان نونيا كوبيليان اللي اشتهرت باسم “لبلبة”، وبدأت شغلها في السينما وهي طفلة عندها خمس سنين واشتهرت بتقليد المشاهير، ودرست البالية الكلاسيكي، وكمان غنت وليها 268 أغنية منهم 30 أغنية للطفل. وكسبت لبلبة أكتر من جايزة كأحسن ممثلة، أهمهم جائزة بينالي السينما العربية من معهد العالم العربي في باريس عن دورها في فيلم “ليلة ساخنة” من إخراج عاطف الطيب سنة 1996.

وفي كمان الفنانة الكبيرة أنوشكا، اللي أتولدت لأب مصري من أصول أرمينية في حي مصر الجديدة في سنة 1960، والتحقت بمدارس كالوسديان الأرمينية لحد الثانوية العامة. بدأت مشوارها الغنائي لما اشتركت في مسابقة نظمتها منظمة “الفيدوف” العالمية، وأتقدمت بأغنية فرنسية ووفازت بالمركز الأول، ده غير إنها اشتركت في مهرجانات عالمية للغناء واختارها المخرج صلاح أبو سيف للاشتراك في فيلم “السيد كاف” في 1994، وأتوالت أعمالها التمثيلية بعد كده.

أنوشكا – عن العاصمة

شانت أفيديسيان والهوية المصرية بالفن التشكيلي

شانت أفيديسيان، الفنان الأرمني المعاصر من أصل مصري وثقت لوحاته لعصر من الفن والنجوم اللي قدمتهم مصر وحققوا لفنونها و لثقافتها الريادة لعقود طويلة. أتولد أفيديسيان في صعيد مصر سنة 1951، ورغم دراسته الفنية وأصوله الأرمينية إلا إن الصبغة الأساسية في أعماله هي تأثره بثقافة تعظيم الهوية المصرية.

درس في مدرسة الفنون والتصميم في متحف مونتريال للفنون الجميلة، اللي حطت حجر الأساس لإبداعاته في الفن التشكيلي، ده غير لوحته “أيقونات النيل” اللي حقتت نجاح واسع.

شانت أفيديسيان – عن الأهرام

فان ليو وتوثيق مصر ل٥٠ سنة

على مدار عشرات السنين كان أستوديو فان ليو في منطقة وسط البلد واحد من علامات التصوير الفوتوغرافي في مصر، ومن افتتاحه في الأربعينيات وهو وجهة للي عاوز صورة فوتوغرافية مميزة من المصريين والأجانب، ده غير مشاهير العصر من الفنانين والمثقفين اللي كان فان ليو المصور المفضل ليهم.

فان ليو الأرمني الأصل جيه لمصر وعاش مع عيلته في القاهرة من صغره في عشرينيات القرن الماضي، ولقى شغفه في التصوير الفوتوغرافي، اللي كان وقتها يتطلب حرفة ومهارة عالية مش بيتقنهما إلا قليلين، وبقى أستوديو التصوير الخاص بيه الأشهر في مصر لحد حقبة التسعينات، اللي بقى فيها جزء من تاريخ المجتمع المصري ومراحل تحولاته الاجتماعية من الصور.

أهدى فان ليو أرشيفه الكامل ومقتنيات أستوديو التصوير الخاص بيه للجامعة الأميركية في القاهرة قبل ما يتوفى.

أخر كلمة: ماتفوتوش قراءة: صالح سليم بين الكورة وبلاتوهات السينما في عيد ميلاده

تعليقات
Loading...