شعارات ونداءات الباعة الجائلين .. كورس في التسويق سابق عصره
“لا تين ولا عنب زيك يا رطب.. منفلوطي يارمان.. عجمي ياتين.. معسلة أوي يا بطاطا” نداءات وشعارات استخدمها الباعة الجائلين في كل ركن من أركان الشوارع والأسواق والحارات، موروث شعبي عدى على أذن الناس قبل ما الفاكهة والخضار تخترق بطونهم .. وسجله التاريخ في شكل تتغيمات وترنيمات مليانة طاقة وحيوية وسجع .. دستور شعبي متفق عليه لسه موجود بنرصد من خلاله عادات وتقاليد ومهارة كل شعب.
أدب شعبي بالفطرة
“أنا معايا الفَلاَّيَةْ، تْطَلَّعْ القَمْلايَة، دَكَرْ وِنْتَايَةْ، بربع جني” النداءات باب من أبواب المأثورات الشعبية والأدب الشعبي زي القصص والسير الشعبية والأساطير والأراجوز وخيال الظل والنكت والأمثال والنوادر.
لما تبص على الشعارات وتحللها هتلاقي صور فنية وسجع وبلاغة، كل دول طلعوا بطريقة عفوية، وفي الغالب البائع وقتها ماكنش درس بلاغة ولا صور جمالية ولا حتى نحو، بس كان بيبذل مجهود في خلق شعارات بصور جمالية بشكل يفوق المجهود في بيع السلعة نفسها والموضوع كان بسرعة بديهة غير معهودة.
لدرجة إن كبار الشعراء والملحنين والمطربين زي سيد درويش من كتر حلاوة الكلام اللي بيسمعه كان بيمشي وراهم في كل شارع وزقاق ويسجل كل كلمة واللحن اللي كان بيغني بيه البائع، وترنيمته اتطبعت في دماغه وأضاف فيها فنه هو وعمل منها أشهر أغانيه عن البياعيين.
وكان لاحظ الكاتب يحيى حقي إن الأجانب والأغراب خصوصًا من حملة نابليون، هما اللي اهتموا بتسجيل نداءات الباعة لفظًا ولحنًا، وكان طالب بعدها بإن النداءات تتسجل ويتبص لها باهتمام من القائمين على الكونسرفاتوار ومعهد الموسيقى والإذاعة لإنها ألحان وكلمات مجانية.
وبما إن البيائعين عرفوا يسوقوا لنفسهم عند الملحنين والفنانين وكان بيتاخد من كلامهم أغاني ومنولوجات، هما برضه بشعاراتهم دي نجحوا في التسويق لمنتجاتهم.. ازاي؟
ازاي كانوا سابقين عصرهم في التسويق؟
النداءات ماكانتش مجرد سد خانة أو تسلية، بالعكس كانت أداة أساسية من أدوات ترويج البائع لبضاعته، لو جينا بصينا على كل شعار استخدمه البياع، هنلاقي إنه استخدم فيه أدوات وتكنيكات التسويق من قبل ما يظهر لها كتب ولا مصطلحات ولا يتعمل لها محاضرات بآلاف الجنيهات زي النهارده.
عندك مثلًا لما كان بيقول “ولا تين ولا عنب زيك يا جميز، يا بتاع العلبة يا عسل” وده لإن الجميز كان له سطوة قبل ما يختفي وكان فاكهة شعبية رخيصة ومفيدة، يعني عمل دراسة على المنتج قبل ما يطلع بالشعار، وعرف الفرق بين كل فاكهة السوق وفوائده وعارف مين كان كاسح السوق ومين لأ. ودي زي الأبحاث الموجودة دلوقتي.
وماكانش بينادي على فاكهة لسه ماجاش أوانها ويعمل للجمهور ذبذبة، لما يطلع المشمش علشان يعرف الناس إنه جيه كان يعمل له حفل استقبال، ولو موسم العنب خلص كان يحب يودعه “والله سلامات م الغيبة يا عنب زي بيض اليمام وأبيض يا عنب” وده نوع من ربط وخلق صورة ذهنية عند الجمهور.
ومش بس كان بيستخدم أساليب للترويج والجذب واستغل المزيج الترويجي، لأ ده كان شاطر في جزئية “كوبي رايتينج” “المؤلف” أو”كاتب إعلانات” وهدفه الأساسي بيع أو يجذب الزبون على اتخاذ قرار شرائي معين مع مهارة استخدام الكلمات في مكانها الصحيح، وعمل وخليط بين السجع والنثر ينفع يتحول لأغنية هدفها بيعي وهنا برضه استخدم من غير ما يحس أداة تسويقية تانية وهي الإعلان ..
ناهيك عن الغنا نفسه ونبرة الصوت وازاي كان بيراهن على اللغة واسلوب الجذب وتشويق الجمهور وعمل محتوى اعلاني ببلاش.
البائع لا كان محتاج لطباعة أوراق اعلانات ولا يروج للفاكهة في الصحف والمجالات، البائع اشتغل بالفطرة وباللي طلع لقى أجداده عليه واستغل الموروث الغنائي الشعبي واستثمره في جذب الزبون وترويج سلعتهم بشكل يجبر الزبون إجبار جميل إنهم يقفوا على عربيته ويشتروا.