هل حشو نجوم الصف الأول في الترويج للأعمال الفنية بيضر الصناعة؟
نجوم الصف الأول في الوطن العربي بيتم استخدامهم بشكل كبير في الدعاية الأساسية للأعمال الفنية سواء مسلسلات أو أفلام، ومؤخرًا بدأ نجوم الصف الأول يظهروا بشكل أكبر في الإعلانات الدعائية لمؤسسات أو منتجات كبيرة ومشهورة. ظهور النجوم الكُبار دول بدأ يتحول من احتياج إنتاجي بيحقق غرض درامي أو فائدة فنية لمجرد حشو لدفع شكل من أشكال التسويق بس.
مبدأ حشو نجوم الصف الأول لمجرد التسويق مش ظاهرة جديدة
والحقيقة إن استخدام اسماء نجوم الصف الأول في غير أماكنها لمجرد التسويق هو مش حاجة جديدة على الأعمال الفنية المصرية والعربية عمومًا. مسلسل “حديث الصباح والمساء” اللي تم إنتاجه سنة 2001، أظهر فنانة الصف الأول، ليلى علوي، في التتر على إنها بطلة العمل رغم إن دورها في المسلسل لو ماكانش أصغر من أدوار ممثلين تانيين، فهو مش أكبر بأي شكل من الأشكال، وحتى التأثير الدرامي للدور والشخصية ماكانش بقوة دور عبلة كامل في دور “جليلة الطرابيشي” أو دلال عبد العزيز في دور ن”نعمة عطا المراكيبي” أو سوسن بدر في دور “فرجة”. بالرغم من كده اسم ليلى علوي ومشاهدها فضلوا متصدرين التتر بعد أسماء المخرج والمؤلف، كإن العمل الدرامي، اللي قام على تعاون عبقري ما بين مجموعة فذة من النجوم، بتاع ليلى علوي لوحدها.
اتكلمنا مع أحمد القاضي، الخبير التسويقي، وقال لنا إن تصدير نجوم الصف الأول كأبطال للأعمال الفنية بيكون غرضه جذب المشاهد للمسلسل، ولكن في جزء كبير من الموضوع بيكون بضغط من النجم نفسه، اللي بيرفض يشتغل على المسلسل لو اسمه مايتحطش في الواجهة.
زق نجوم الصف الأول بالعافية
العمل الدرامي أو السينمائي مايقدرش يحقق نجاح جماهيري من غير بنية درامية قوية وتعاون ناجح ما بين فنانين موهوبين، ولكن يظل مبدأ حشو نجوم الصف الأول قائم في جزء كبير من الأعمال الفنية في الوطن العربي، فبنشوف مسلسلات عندها بنية درامية كويسة وفيها فنانين موهوبين، لكن بيتم إسناد البطولة “بالاسم فقط” لنجم أو نجمة كبيرة، فبتلاقي العمل الفني مسنود بقوة على أسماء نجوم صاعدين ويفضل اسم نجم الصف الأول هو المتصدر على إن العمل بتاعه لوحده.
وفي أمثلة كتير في الأعمال الدرامية المصرية بتاعة رمضان السنة دي تقدر تطبق عليها المثال اللي فوق ده، فتلاقي نجوم صف أول ظاهرين في أعمال مسنودة بالكامل على نجوم صغيرين ماحدش بيتكلم عنهم في حين النجم الكبير متصدر الواجهة.
وبيقول القاضي إن الإنتاج بيعمل كده علشان يشجع القنوات إنها تشتري الأعمال الفنية، وإنه للأسف فلسفة نجم الصف الأول بتيجي بالأساس من القنوات اللي بتحاول تحقق مبدأ “الالتصاق Stickiness”، فيصدروا نجم كبير في المسلسل علشان يخلوا الناس يشوفوا المسلسل في أول كام يوم في رمضان. وبيضيف القاضي إن المبدأ ده مش بينفع لما المسلسل يكون وحش، لإن الناس ممكن تفكس مسلسل النجم الكبير وتروح للمسلسل الحلو حتى لو ماكانش فيه نجوم، بس مبدأ الـ stickiness بيفضل فعال بشكل كبير برضه.
تطبيق نفس المبدأ في الإعلانات
في الفيديو ده بيعمل هادي بسيوني دراسة عن الإعلانات المصرية من الستينات لحد النهارده، وهتلاحظ إنه مبدأ حشو نجوم الصف الأول في الإعلانات بدأ في الألفينات، ولكن بدأ يسيطر بقوة على صناعة الإعلانات في الوطن العربي مؤخرًا.
ورغم إن قبل كده كان في غرض فني بيبرر وجود النجوم دول، إلا إننا بدأنا نشوف إعلانات مؤسسات غير ربحية أو مؤسسات خدمات عامة بتوظف نجم كبير جدًا ومعروف إنه الأعلى أجرًا علشان يظهر في الإعلان، ومش بيظهر الإعلان حاجة من خدمات أو مميزات المنتج. ده غير إعلانات شبكات الاتصالات اللي بتحشد عدد كبير من نجوم الصف الأول في إعلان واحد وبتلعب على فكرة النوستالجيا اللي اتهرست من غير أي محتوى حقيقي أو إبداع.
ومثال ده هو إعلان البريد المصري اللي جايب عمرو دياب علشان يسوق للبريد المصري من غير إشارة واحدة لخدمات البريد المصري، أو ازاي الناس تقدر تستفيد منه، وكمان حملة السوشيال ميديا بتاعة البريد المصري اللي بتطلب من الناس تبعت هدايا لعمرو دياب من خلال البريد المصري، واللي خليت الناس على السوشيال ميديا بدأت تشارك ميمز تتريق على الإعلان، لإن رغم الإنتاج الضخم والنجم الكبير جدًا، إلا إن الإعلان ماحققش القيمة الفنية اللي تعلق مع الجمهور ولا تنفع المنتج.
الجدل اللي أثاره الإعلان على السوشيال ميديا بدأ بتذمر الناس من عدم جودة الإعلان ومن استخدام فنان سعره مرتفع جدًا في حملة إعلانية لمؤسسة خدمات عامة، وفعًلا التذمر الجماهيري ده وصل للنائب العام وقاعات مجلس الشعب في طلب لمحاسبة المسؤولين عن الإعلان.
بيقول القاضي: “مشكلة الإعلان ده هو الاستراتيجية، فاستخدام نجم ضخم زيّ عمرو دياب مناسب في التعريف بمنتج جديد علشان يجذب الناس ويخليهم يسألوا إيه ده وبيعمل إيه، إنما البريد المصري فهو خدمة عامة وموجودة وماحدش مايعرفهاش، واللي محتاجه هو إقناع الناس باستخدامه؛ وبالتالي كان الإعلان محتاج يركز الإنتاج الضخم ده على تعريف الناس بمزايا الخدمة، والاستثمار في حلول للمشاكل اللي بتصرف الناس عن استخدام البريد المصري”.
هل حشو نجوم الصف الأول في الترويج للأعمال الفنية بيضر الصناعة؟
حشو أي نجم في عمل فني على إنه البطولة المطلقة وتصدره للعمل، رغم محدودية دوره، بيخلينا كجمهور عالقين مع نفس الفنانين مرارًا وتكرارًا، وده بيحرم الفنانين الصاعدين من فرص الظهور، إلا كسند لنجم كبير بدأ يفقد بريقه. وبيخلينا كمشاهدين نزهق وننصرف عن الأعمال الفنية العربية.
كمان استخدام نجوم كُبار من أجل التريند فقط بيرهق ميزانية العمل الفني لإن الناس دي بتاخد أرقام خزعبلية ممكن توصل لنص ميزانية الإنتاج، في حين كان ممكن نجيب فنان مناسب أكتر للدور وبمبلغ معقول وننتج عمل أجمل بكتير، ده غير إن الأرقام المهولة اللي بنسمعها كأجور لفنانين الصف الأول بتنتقص من أجور باقي فريق العمل.
الاعتماد على فنانين الصف الأول أحيانًا كتير بيكون اعتماد على الاسم أكتر من الموهبة أو القدرة الفنية، وبالتالي بيُصيب صانعي العمل بالكسل والتراخي في بناء حاجة درامية وفنية صلبة تحقق للعمل الاحترام الجماهيري، وفي الآخر بنلاقي أعمال أقل من المتوسطة متصدر تتراتها نجوم نعرفهم من عشرات السنين، وبيطلعوا يعملوا نفس الحاجات من عشرات السنين.
وفي السياق ده بيقول القاضي إنه في هوليود مثلًا بيتناسب سعر النجم طرديًا مع ميزانية العمل الفني، فلو ميزانيتنا كبيرة وهتغطي باقي احتياجات العمل، يبقى نجيب نجم كبير، لكن لو ميزانيتنا قليلة ومش هتغطي، يبقى ماينفعش نجيب نجم سعره ياكل نص الميزانية زيّ ما بيحصل في مصر.
ازاي منصات المشاهد المدفوعة بدأت تغير فلسفة صناعة الفن في الوطن العربي
بيقول لنا القاضي إن اللي بيحرك دفة صناعة الفن هما القنوات اللي بتعرض والمعلنين اللي بيدفعوا فلوس علشان يعرضوا منتجاتهم في فواصل العمل الفني، ولحد النهارده وبالذات في الموسم الرمضاني، لسه أصحاب القنوات والمعلنين عندهم نفس فلسفة نجم الصف الأول واللي بيستغلوها علشان يجذبوا أكبر عدد من المشاهدين وبييجوا على جودة العمل وذكاء الإنتاج.
بدأت تظهر منصات المشاهدة المدفوعة زيّ “نتفليكس” و”أو إس إن” و”شاهد” و”واتش إت” وغيرهم، واللي مابقاش في معلنين يقدروا يتحكموا في العمل الفني اللي بيتعرض عليها، لإن اللي بيدفع للعمل الفني هو المشاهد اللي عايز يشوفه؛ وبالتالي رجع المشاهد هو العنصر الأهم في حسبة صناعة الفن، ولو ماكانش العمل الفني معمول كويس يقدر المشاهد بكل بساطة يعمل ديسلايك ويشوف عمل غيره، أو يغير المنصة خالص ويروح لمنصة تانية.
موت فلسفة صاحب القناة والمعلن وتصدير نجوم الصف الأول هو بداية رجوع صناعة الفن لقوتها وإنتاج أعمال فنية قوية مرتبطة بالناس في الشارع ومشاكلهم، والحاجات اللي بتشغلهم وبتحركهم، واحنا متفائلين جدًا بالواقع ده النهارده.