عمارة الإيموبيليا: سكنتها الأشباح وعاش فيها نص نجوم مصر

اتفقنا كل أسبوع إني هاخدكم جولة في معلم من معالم مصر المحروسة، هحكي لكم عن اللي شوفته واللي لاقيته كإننا بندردش. والنهارده هكلمكم على واحدة من أضخم وأشهر العمارات في تاريخ مصر الحديث، سموها هرم مصر الرابع لضخامة حجمها ولعدد المشاهير الكبير اللي عاشوا فيها؛ عمارة الإيموبيليا.

في الحقيقة أنا ماكونتش مخططة إني أروح المكان ده خالص، كنت ناوية أروح صيدلية ستيفنسون أقدم وأعرق صيدلية في مصر من أيام الاحتلال الإنجليزي بس المعاد اتأجل لأجل غير مسمى.. بس مش بيقولوا ربّ ضارّة نافعة؟ عندنا حكاية برضه جايين نحكيها.

الإيموبيليا.. عمارة لنجوم مصر

مشيت من شارع شريف وقبل ما أدخل عمارة الإيموبيليا، اللي قعدت ساعة أدور على دخلتها من كتر ما كانت كبيرة وواخدة نواصي كتير، شوفت قبلها على طول عملية ترميم واجهات عمارات وسط البلد علشان ترجع القاهرة الخيديوية بتاعة زمان، ولما سألت واحد من المهندسين اللي هناك قال إن مشروع تجديد القاهرة الخيديوية بقاله سنتين ولسه مكمل.. وفي الحقيقة كنت فخورة جدًا وأنا شايفة محاولات علشان نحافظ على تاريخ مصر.

المهم نرجع لموضوعنا .. بعد ما الحمدلله لقيت مدخل العمارة، أتخضيت من ضخامتها ودماغي أتلوحت وأنا بحاول أجيب بعيني أخر دور فيها، والعمارة واخدة ناصيتين شارع شريف وشارع قصر النيل. العمارة كإنها على شكل حرف U، برجين؛ واحد بحري والتاني قبلي وفيهم أكتر من 370 شقة، مساحة كل شقة بمقام دورين من عماراتنا دلوقتي، و27 أسانسير كانوا متقسمين زمان تلات فئات؛ فئة للسكان، وفئة لمساعدين البيوت، والقسم التالت علشان يطلعوا منها العفش.. وطبعًا أكيد أنا ماطلعتش أعد في الشقق والأسانسيرات، بس واحد قابلته هناك هو اللي قالي التفاصيل دي.

العمارة مليانة لوح للمكاتب اللي كانت مفتوحة في العمارة، لوحة لشركة إنتاج الفنان محمد فوزي باسم أفلام محمد فوزي، وشركة نيو سينشري، وكان فيها مكتب نقيب المحاميين أحمد الخواجة من 1966، وغيرها من أسماء الشركات اللي كانت معروفة زمان واختفت دلوقتي.

ولما سألنا أستاذ رمضان، واحد من المترددين على العمارة، قال “الدور التامن كان بيسكنه أنور وجدي وليلى مراد وجنبها شقة الفنانة كاميليا اللي كان بيحبها الملك فاروق، ونجوم كتير زيّ محمد عبد الوهاب ونجيب الريحاني وماجدة والملحن كمال الطويل وأسمهان، وشخصيات سياسية كتيرة زيّ إسماعيل باشا وابن عم الملك فاروق ورئيس وزراء مصر وقتها” .. كل النجوم دي كانت بتنام وتصحى تحت سقف عمارة واحدةشن متخيلين؟

حال العمارة دلوقتي

عم رمضان كمل كلامه وقال “كانت سكنية زمان لكن الأغلبية فيها دلوقتي شركات زيّ شركة الشمس وزيّ ما نقول كده احتكرتها، ونادرًا دلوقتي تلاقي فيها عائلات ساكنة، العمارة كانت معمولة لبشوات مصر وصفوة القوم من كتر إيجارها ما كان عالي زمان، وكانوا بينزلوا إعلانات في الجرائد علشان الناس تسكن فيها”.

قبل ما أروح العمارة كنت عارفة شوية معلومات عنها زيّ إن حصل فيها جريمة قتل قبل كده في شقة خمسة في 1996، وعلى أساس ده السكان قالوا إن سكنها أشباح وعفاريت وكانوا بيسمعوا أصوات غريبة طالعة من الشقة اللي حصلت فيها الجريمة، لدرجة إن المخرج خالد الحجر عمل فيلم مقتبس عن الجريمة الحقيقة اسمه “جريمة الإيموبيليا”. بس لما سألت أكتر من حد هناك، ومنهم أستاذ رمضان، قالوا مافيش الكلام ده وعمرنا ما سمعنا عن حاجة زيّ كده.. وفي الحقيقة استغربت جدًا لإن دي كانت قصة معروفة أوي.

قصص وحكاوي وسط البلد

المكافح

بعد ما خرجت من العمارة قعدت ألف شوية، لقيت راجل قاعد على كرسي وقدامه ترابيزة صغيرة عليها علبة واحدة بيبيع فيها بسكوت، ويكاد يكون هي دي البضاعة كلها اللي بيحتكم عليها ومعلق يافطة ” ادعولي بالشفاء .. مريض بمعهد الأورام”. لما أتكلمت معاه عرفت إن اسمه أحمد وبيتعالج في الدمرداش وتكلفتة علاجه 700 جنيه شهريًا، وكان بيشتغل في مطعم فول وطعمية ومشي منه لإنه مابقاش قادر يشتغل.. وقعد هنا علشان يقدر يجمع أي فلوس تساعده يجيب العلاج من غير ما يتحوج لحد.

قصة مالهاش لزمة

وأنا مكملة في طريقي ومش عارفة أنا رايحة فين، لقيت راجل عجوز بسيط أوي لابس عمته وجلابيته وكل شوية يمشي خطوتين ويقف ويسند على حاجة، فركزت معاه لإنه كان ماشي معايا على نفس الصف، فحبيت أعمل فيها الابنة البارة وسألته هو حضرتك تعبان؟ قالي بصوت واطي كده ورأسه كانت في الأرض من كتر التعب “السكر بس عالي عليا وتاعبني يا بنتي” .

فقولت له “طب حضرتك محتاج أي مساعدة، أنا ممكن أوصلك في أي حتة، حضرتك رايح الشغل طيب أوصلك؟” .. وفجأة وبدون أي سابق إنذار سمعت صوته العالي وراح مشوح لي كده وقالي “شغل إيه أنتي كمان.. هو أنا قادر أشتغل!!” وراح سايبني وماشي، ومش عارفة الحقيقة سؤالي هو اللي كان غبي ولا الراجل اللي كان خلقه ضيق.. هي قصة مالهاش لازمة بس أثرت فيا وحبيت أحكيها.

بطل فيلم الأرض

المهم ده ماهزنيش خالص وفضلت مكملة عادي، وعلى رصيف نفس الشارع لقيت راجل بيمسح أحذية وأستغربت لإن كان بقالي كتير أوي ماشوفتش حد بيمسح جزم، أخر مرة كانت في فيلم “بطل من ورق” لما راجل المخابرات كان بيمسح جزمة ممدوح عبد العليم تمويه للمجرم.

ما علينا، المهم إن الراجل الطيب اللي قابلته ده قالي إنه بقاله ٥٠ سنة في المكان كان بيروح وبييجي من الصعيد لوسط البلد وده كان باين جدًا من لهجته الصعيدية، وسألته على عمارة الإيموبيليا قال إنه يعرفها ويعرف كمان مكتب فريد شوقي واللي بيديره حاليًا أسرته وراح واصف لي مكانه.. وابنه اللي كان معاه قالي “تعرفي إن أبويا كان بيمثل؟” “قولت له بجد؟ طب فين؟” قالي “في فيلم الأرض، كان بيطلع مع مجموعة الفلاحين اللي بيضربوا بالفأس في الأرض”.. راح الراجل شاخط في ابنه وقال بلهجته الصعيدي “ده بتاع حكاوي يا أستاذة ماتصدجهوش”.

عمارة الإيموبيليا تاريخ وتراث عمره 100 سنة لازم تروحوا وتكتشفوه بنفسكم، هيجريكم لحكاوي كتير تانية في وسط البلد، هتشوف مصر كلها مش هتلاقي حد شبه التاني هناك، كل واحد عنده حكايته، وشوش كتيرة هتقابلها، اللي بيضحك واللي تايه ومش عارف رايح فين، واللي بيجري ورا لقمة عيشه.

أخر كلمة: ماتفوتوش قراءة: رحلة نوستالجيا في قلب مصر القديمة.. يوم في سوق الغورية

تعليقات
Loading...