حكاية خناقة تاريخية بين محمد عبد الوهاب ومصطفى النحاس

التاريخ مليان قصص وحكاوي مستخبية، تحب تشوفها وتسمع عنها، زي حكاوي ألف ليلة وليلة، لما بتسمعها بتعرف عن اختلاف الثقافات وقد إيه كل حاجة اتغيرت من حوالينا، ومن المواقف الطريفة التي كتب عنها الأستاذ مصطفى أمين في أخبار اليوم في سبتمبر 1982، كانت خناقة دارت بين الزعيم مصطفى النحاس والموسيقار محمد عبد الوهاب، بس قبل ما نحكي عنا هنحكي لكم الأول عن علاقتهم ببعض.

موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب كان صديق حميم لمصطفى النحاس باشا، وكان عبد الوهاب هو الصوت المحبب له لدرجة إنه اختاره للغناء بمناسبة زفافه على زينب هانم الوكيل سنة ١٩٤٣، واختاره للغناء بمناسبة توقيع معاهدة ١٩٣٦.

خناقة بسبب مقطع أغنية

أما عن الخناقة، دارت بينهم في ليلة كان الموسيقار عبد الوهاب عامل حفلة غنائية في كازينو (سان استيفانو) في الإسكندرية، ووقتها حضرها النحاس باشا ومعاه عدد من أعضاء الوفد.

ولما بدأت الحفلة، غنى عبد الوهاب ثلاث وصلات غنائية، وفجأة لاحظ الحضور إن النحاس باشا ساب الحفلة وماكملهاش وقت ما عبد الوهاب كان بيغني الوصلة الثالثة، وفي ناس وقتها افتكرت إنه تعب مثلًا أو وراه مشاغل لازم تخلص، ولكن السبب الحقيقي ماكانش كده، لإن في اليوم اللي بعده كان النحاس باشا بيتمشى في فناء الكازينو ولما جيه عبد الوهاب علشان يسلم عليه النحاس بشياكة بعده بإيده عنه.

طبعًا موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب اتفاجئ من التصرف ده وقال له في ذهول: “ماذا حدث يا باشا!” فرد النحاس باشا: “لا يمكن أن أبوسك أبدًا، ألا تعرف ماذا غنيت أمس؟” قال عبد الوهاب: “غنيت قصيدة مريت على بيت الحبايب ويا جارة الوادي” فسأله: “وبعدها في الوصلة الثالثة قلت إيه؟” قال عبد الوهاب: “غنيت موال مسكين وحالي عدم من كتر هجرانك”.

فراح قايل له النحاس: “أكمل الموال” فقال: “يا اللي تركت الوطن والأهل عشانك” فمسك النحاس في الجملة دي وقال: “لا.. لا.. أنا لا أسمح لأحد أن يترك الوطن عشان واحدة ست دا كلام فارغ دي خيانة”.

وفي رواية تانية عن الحوار اللي دار بينهم بعد سماع الأغنية، قال النحاس: “أنا لا أسلم على مائعين يا أفندم” كانت صدمة موسيقار الأجيال قاسية فرد بسرعة: “ليه يا باشا؟” فرد الباشا بصوت عالي: “ما هذه الميوعة يا أفندي؟ يعنى إيه مسكين وحالى عدم من كثر هجرانك يا اللى تركت الوطن والأهل علشانك، وطن إيه يا أفندي اللى تتركه وتهجره علشان امرأة؟ الموال ده ممنوع من الإذاعة بقرار مني شخصيًا”.

واتقال بعدها إن تم منع الموال من الإذاعة، وماتذاعش إلا بعد خروج النحاس من الوزارة، وإنها ماكانتش المرة الوحيدة اللي اعترض النحاس فيها على أغنيات لعبد الوهاب سبق وقبل كده اعترض على أغنية “ماقدرش أنساك ماقدرشي” سنة ١٩٥١، وقال عليها إنها أغنية خليعة.

ازاي اتغيرت أزواقنا من زمان لدلوقتي؟

في الحقيقة، بعد ما قريت القصة دي، افتكرت كلام الكاتب الصحفي فكري أباظة سنة 1932، اللي انتشر على مواقع التواصل لما كان بيتكلم عن المعاكسات وبيوصفها في الوقت ده وبيقول: “إن الشباب خاصة الصفيق منهم كان يتعمد الوقوف بالقرب من محطة الترام في المكان المخصص لركوب السيدات، وعندما يجد سيدة تقف بمفردها يقترب منها بكل بجاحة، ويقول لها “بنسوار يا هانم”.

تخيلوا كلمة “بنسوار يا هانم” كانت زمان بيعتبروها شكل من أشكال التعدي والتحرش والمعاكسات؟ وبعدها بصيت على قواميس المعاكسات والتحرش والكلام بشكل عام اللي بقى له كتالوج لوحده محتاج مترجم دلوقتي، وعرفت إن ده التطور الطبيعي للمجتمعات وكل وقت وله أذانه أو ذوقه، زي ما بيقولوا، وممكن اللي نستغربه زمان نلاقيه عادي دلوقتي.

آخر كلمة: ماتفوتوش قراءة: الحيادية في الإعلام: بين الأكذوبة والضمير المهني

تعليقات
Loading...