بعد ظاهرة المستريحين: تقنيات استخدمها أشهر النصابين من الشرق الأوسط
شغلت قضية “مستريح أسوان” الرأي العام في مصر والشرق الأوسط، نظرًا لخطورة القضية اللي قدر فيها سواق توك توك مسجل خطر ينصب على مئات الناس وياخد منهم ملايين الجنيهات ويهرب بها. مصيبة حلت على أهالي محافظة أسوان المساكين، واللي لسه بيعيشوا آثارها الخطيرة لحد لحظة كتابة المقال.
قضية نصب معقدة وحيثياتها بتٌثير أسئلة كتير عن ازاي مسجل خطر قدر ينصب على محافظة كاملة في مبلغ بالحجم ده. أسئلة إجاباتها بترسم الخطوط العريضة لفن النصب con art، وهو فن قديم قدم الإنسانية نفسها، والنصابين con artists بيكونوا أشخاص موهوبين وعندهم مهارات تأهلهم لإحتراف الصنعة المشبوهة دي، وبيستخدموا تقنيات مختلفة علشان يكسبوا ثقة الضحية.
النصابين فنانين في اكتساب ثقة الضحية
فرانك أباغنيل هو أشهر نصاب في الولايات المتحدة، وكتب مذكراته في كتاب بعنوان Catch Me If You Can، واللي أتعمل فيلم بنفس العنوان بطولة ليوناردو ديكابريو وإخراج ستيفين سبيلبرغ، بيقول أباغنيل في كتابه: “اللي بيسرق بنك بيخطط للعملية علشان ينجح فيها ولكن في النهاية بيكون سلاحه هو المسدس اللي بيستخدمه علشان يحقق السرقة، أما الفنان المخادع فسلاحه الوحيد هو عقله”.
وعلشان كده النصاب بيبدأ العملية بحبكة ذكية تخليك تصدقه وتثق فيه، حتى لو كل الأدلة اللي حواليك بتقول عكس كده، وده اللي عمله مستريح أسوان “مصطفى بنك”؛ بدأ بوعد إنه يرجع للناس فلوسها مضاعفة خلال 21 يوم، وبدأت تظهر عليه علامات الثراء من أصول وأموال، وبعدين أقنع الناس إنه هيتنازل وبدل ما ياخد الفلوس كاش هياخد منهم أصول وبيوت ومواشي ودهب، وعلشان يكسب ثقتهم أكتر، استخدم الخطاب الديني علشان يقنعهم إنه من أولياء الله الصالحين واستخدم الخطاب الصوفي اللي بيأثر في أهل أسوان نظرًا لطبيعة المجتمع الصوفية، وأقنعهم إنه مفوض من السيدة زينب، وده اللي أكدت عليه أسماء صوفية معروفة في المحافظة زيّ ما قال أحمد الخطيب، رئيس التحرير التنفيذي لجريدة الوطن لبرنامج بتوقيت مصر على شاشة البي بي سي.
النصابين بيخلوك تكسب في أول مرة
أسهل طريقة علشان يكسب النصاب ثقة الضحية هي إنه يديها جايزة تطمعها في الأول؛ يديها مكسب واضح يوهمها بالأمان، وعلشان كده النصابين بيوفروا دايمًا مكسب في الأول سواء كان ماديات أو مشاعر حب أو حتى قبول اجتماعي.
وده نفس اللي عمله مصطفى بنك مع ضحاياه في أسوان، فوعد الناس بمضاعفة المبالغ اللي يستلمها منهم خلال 21 يوم، وأوفى بوعده فعلًا في أول مرة ورجع الفلوس مضاعفة، وده اللي أقنع الضحايا وطمعهم وخلاهم ينشروا اسمه وشلانته ما بين أهل المحافظة بالكلام الكويس عنه.
المكسب الأول ده وصّل مصطفى بنك إنه يكسب ثقة الناس ويعمل إعلانات سريعة ومضمونة ما بين الأهالي باستخدام الكلمة word of mouth، وكبر مشروع النصب بتاعه جدًا وأتحول لواحد من أهم نصابين القرن في مصر.
انتهت قضية مصطفى البنك بالقبض عليه بعد مطاردة أتسببت في مقتل عناصر من الشرطة، ولكن تظل قدرته على اكتساب ثقة الناس وإقناعهم من مختلف أنحاء أسوان إنهم يسيبوا له أموالهم وأصولهم ومواشيهم وغيره تثير التعجب وتسلط الضوء على موهبته الفذة في اكتساب ثقة الناس وإقناعهم بالتخلي عن كل اللي بيملكوه في سبيل وهم خداع.
النصابين بيخلوك تتكلم كتير وبيسمعوا علشان يفهموك
أهم سؤال بيدور في دماغ النصاب هو إيه الحاجة اللي يقدر يوعدك بيها فتخليك تثق فيه عمياني وتتجاهل المنطق. هو بيدور على أعمق وأكتر رغباتك ضعفًا وتعقيدًا وعلشان يعرفها يعمل إيه؟ ببساطة هيسأل.
وزيّ ما كتب نصاب سرق ملايين من الناس في الولايات المتحدة من خلال التليفون بس: “الضحايا مش بيسألو كتير، الضحايا بيجاوبوا أسئلة كتير”.
وبيضيف: “الضحايا مش بيشغلهم مصداقية العرض قد ما بيشغلهم العرض بتاعك هيجيبلهم قد إيه مكاسب، بيكونوا عايزينك تخليهم يحسوا إحساس أحسن ناحية نفسهم”. وبيوضح: “النصاب مش لازم يكون ممثل كويس بس لازم يكون مستمع جامد”.
التكتيك ده في النصب كان واحد من أهم تقنيات النصاب الإسرائيلي، شيمون يهودا حيوت، واللي كان بيستخدم في عمليات النصب اسم سيمون لفيف. وشيمون هو ابن حاخام يهودي وأتولد في عيلة أرثوذكسية محافظة في واحدة من المستوطنات الإسرائيلية على أرض فلسطين المحتلة اسمها مستوطنة بني براك.
استخدم شيمون تطبيق المواعدة الإلكترونية tinder علشان يتعرف على ضحاياه، ونشر صوره مع مليارديرات إسرائيليين، وكمان صوره في أغلى الأماكن في العالم علشان يقنع أي ضحية تستخدم جوجل إنه ملياردير حقيقي. في أول مقابلة date، كان بياخد الضحية في طيارة خاصة ويوديها أغلى المطاعم في العالم، ولكن أهم تكتيك استخدمه شيمون هو قدرته على الاستماع وحث الضحية على الكلام.
من خلال حث الضحية على الكلام والاستماع ليها كان بيعرف نقاط ضعفها واحتياجها وأحسن طريقة يدخلها بها علشان يقنعها تبعتله آلاف الدولارات، وده التكتيك اللي سمح له يستخدم ضعف الضحايا في البحث عن الحب علشان يستغلهم ويخليهم يبعتوا له كل فلوسهم في موقف درامي بيدعي فيه إن “أعدائه” بيطاردوه وقفلوا حسابات البنوك بتاعته ومحتاج فلوس ضروري، وفي النهاية نجح في النصب على عدد ضخم من الستات وياخد منهم ملايين الدورلات.
عملت نتفليكس مسلسل وثائقي بيحكي القصة الكاملة لعلميات النصب اللي كان بيعملها شيمون حيوت باسم The Tinder Swindler، وبيستضيف الوثائقي تلات سيدات نصب عليهم وساعدوا قوات الإنتربول في القبض عليه.
النصاب بيستهدف نقاط ضعفك
لو أتعرضت للنصب قبل كده (ومعظمنا أتعرض للنصب بطريقة أو بأخرى) فمش معنى كده إنك غبي، ولكن معناه إنك كنت في لحظة ضعف والنصاب بيستغل ده وبيلعب على العواطف مش على الأفكار والذكاء. بيهاجم النصابين ضحاياهم في أضعف لحظات حياتهم، واللي بيكون فيها توازن الحياة والمنطق مهزوز؛ وبالتالي بيكونوا فرصة للنصابين إنهم يكتسبوا ثقتهم ويلعبوا على نقط الضعف اللي بيشوفوها فيهم.
وده اللي بتأكد عليه الكاتبة الروسية-الأمريكية والحاصلة على دكتوراه في علم النفس، ماريا كونيكوفا، في كتابها “The Confidence Game: Why We Fall For it.. Every Time”، والكتاب هو عبارة عن تحقيق متوسع في عقلية ودوافع وأساليب النصابين وضحاياهم.
بيبدأ النصاب بكسب ثقة الضحية، وبعدين بيشجعها على الكلام علشان يكشف عن نقاط ضعفها، وبعد كده يستعمل نقاط الضعف دي علشان يعمل شبكة من الأفكار المزيفة تسجن الضحية في حلقة من أفكار النصب المسمومة. وده بالظبط اللي عمله المشعوذ الكاميروني، اللي اكتشف تقرير صحفي تونسي عن استغلاله لأكتر من 900 سيدة جنسيًا وماديًا.
كان بلقاسم بيستغل ضعف الستات دول في البحث عن علاج لمشاكلهم الصحية أو الاجتماعية ويعرض عليهم أمل مصنوع من الوهم ووعد بحل المشاكل اللي مأزمة حياتهم دي، وبالتالي قدر يستغلهم جنسيًا من خلال إقناعهم إن ممارسة الجنس معاه هتكون حل سحري لكل مشاكلهم.
النصاب بيديك أنصاف الحقائق بس
التلاعب بالحقائق وتغيير معانيها سواء بمنح أنصاف الحقائق أو خلطها ببعض هو من التقنيات اللي بيستخدمها النصابين علشان يقنعوا الضحايا ويكسبوا ثقتهم ويحققوا غرضهم الخبيث منهم.
أو ممكن يستخدم النصاب طريقة “الطعم”، فيديك مفاتيح أولية تستخدمها في بحثك، علشان توصل لحقائق مغلوطة أو مرتبطة بالواقع اللي بيحاول يعيشك فيه، وبكده تبقى وصلت للحقائق دي بنفسك وهو ماكدبش عليك.
واحد من النصابين المشهورين اللي استخدموا التقنية دي هو أحمد أبو النصر المعروف باسم طبيب الكركمين، واللي استخدم قناة فضاءية وقناة على اليوتيوب علشان ينتحل صفة طبيب معالج ويقنع ضحاياه بالقدرات الخارقة للعلاجات العشبية اللي بيحضرها، ويقنعهم كمان بقدرة الأعشاب دي على علاج أمراض مزمنة، بما يفوق قدرات الأدوية الكيميائية اللي بيكتبها الدكاترة.
أتكلمنا مع الصيدلي، علي عبدالصبور، وقالنا إنه للأعشاب وخاصًة الطبية قدرات علاجية قوية، وبدأت الصيدلة والطب في العالم من خلال استخدام مواد طبيعية وعشبية لتحضير العلاجات، ولكن مع الوقت والتطور العلمي والطبي بقى عندنا أدوية مصنعة آمنة أكتر وقادرة أكتر إنها تحارب الأمراض.
وقال عبدالصبور إن استخدام الأعشاب بس لعلاج الأمراض ممكن يكون ناجح في علاج الحالات البسيطة للمتوسطة زيّ الزكام والكحة، ولكن الأمراض المزمنة اللي زيّ السكر واضطرابا ضغط الدم وغيرها، ماينفعش نعتمد على الأعشاب بس في علاجها. وأضاف إنه تعتبر جريمة جنائية من الدرجة الأولى إن شخص يروج لمرضى الأمراض المزمنة أدوية عشبية ويحرضهم على ترك أدويتهم اللي بيعتمدوا عليها، ونقدر نعتبر الشخص ده شريك في جريمة قتل لو المريض حصل له حاجة.
ووضح عبدالصبور إن طبيب الكركمين استخدم خطاب علمي وطبي مزيف علشان يقنع الناس بأنصاف حقائق بخصوص القدرات العلاجية للأعشاب، ويعتبر مجرم بسبب المشاكل الصحية الخطيرة اللي سببها لمرضى أمراض مزمنة كتير في كل أنحاء مصر.
ازاي نكتشف النصاب؟
بيقول المحامي المصري محمد حازم سراج: “النصاب بيبيع هواء وفراغ، حاجة نقدر نسميها “الأمل السهل”، فلو جالك حد وعرض عليك حل خزعبلي خارق للطبيعة لمشكلة كبيرة في حياتك، لازم تفكر ألف مرة قبل ما تثق في الشخص ده، لإن الحلول السهلة غالبًا بتكون نصب”.
ووضح سراج: “لازم نعرف إن لكل شئ مقابل مساوي له، ف لو حد عرض عليك حاجة بمقابل أقل بكتير من قيمة المعروض، يبقى بالتأكيد في نصباية في الموضوع”.