“أنت في عينهم مجرد “بت”: قصص تروي عنف الولادة المسكوت عنه
“أصلًا وجودك كبنت ما هو إلا لعنة والله العظيم.. أنتي مجرد أداة، واللي شوفته إن مهما البنت وصلت لمراكز وتعليم تظل في عينهم مجرد “بت” وبت دي بحذف النون للتحقير ” كانت تلك الكلمات مجرد محاولة لوصف ما تعانيه الفتاة الصعيدية شمس.
عنف الولادة أو العنف الطبي للمرأة الحامل داخل عيادة الطبيب من أشكال العنف المسكوت عنه، سواء من الإجراءات المتبعة -التي تتم أحيانًا بدون موافقة المريضة- أو من أسلوب تعامل الأطباء نفسه مع المرضى، أو عدم إعطاء المعلومات الكافية للمريض.
ولكونه حالة متكررة وظاهرة عالمية، فقد عرفت منظمة الصحة العالمية ذلك النوع من العنف بأنه “الاستيلاء على جسد المرأة من قبل العاملين الصحيين، في شكل علاج غير إنساني، وإضفاء الطابع الطبي التعسفي، وكذلك إضفاء الطابع المرضي على العمليات الطبيعية، بما في ذلك فقدان المرأة الاستقلال والقدرة على اتخاذ قراراتها بحرية بشأن جسدها وحياتها الجنسية، مما له عواقب سلبية على نوعية حياة المرأة”.
ولإنها ظاهرة متكررة فضلنا أن نسلط الضوء عليها من خلال قصص لسيدات خضن تجربة العنف داخل الولادة أو العنف الطبي أثناء الحمل، لكونهن صاحبات الصوت المسموع ولا صوت يعلو فوق صوت صاحب القصة والمعاناة، وفي الحقيقة كان هناك صعوبة في الوصول للمصادر، وعند الوصول للمصادر كانت هناك صعوبة أكتر حتى يتستعيدوا تلك اللحظات ويتذكروا ما عانوا منه.
ملحوظة: جميع الأسماء مستعارة
أنتي في عينهم مجرد “بت”
شمس خاضت تجربة الولادة مرتين بإحساسين متناقضين، سنسردها لكم : “الأولى ولدت قيصري كان دكتور عجوز
حط إيده على رأسي وقالي ماتخافيش، وهو بيديني الإبرة قبل الولادة كان بيشرحلي هحس بإيه وإن فيه كهربا هتحصل في رجلي، كلامه وأسلوبه حسسوني بالامتنان”.
شمس قررت أن تخوض في ولادتها التانية تجربة الولادة الطبيعي بعد ولادة القيصرية، والتي لجأت لها بعد ضغط من الدكاترة والأهل بحجة إن الولادة الطبيعية “توسع فتحة المهبل”.
قرار الولادة الطبيعية كان بمثابة لعنة عليها برغم إن كافة مؤشرات الجنين كانت جيدة وتخبر بنجاح عملية الولادة، فتقول “يوم الولادة الدكتور قعد يكرر لي نصًا “أنت هتموتي” من الساعة 2 الظهر لـ6 بليل، وأنا خلاص فيا الطلق، هو وزمايله بهدلوني نفسيًا “أنت هتموتي أنت والبيبي” وبرغم إني مضيت كل الإقرارات الممكنة، رفضوا يولدوني طبيعي وكنت بترجاهم وناقص أبوس إيديهم، وطلبت امشي من المستشفى قفلوا الباب وقالوا مش هنخرجك، والدكتور قالي “عايزة تولدي طبيعي جيتي عندي ليه؟” .. وبعد معاناة وصلوا إنهم فتحوا بطني وولدت قيصري في الآخر، ولما دخلت أوضة العمليات كنت منهارة وبعيط بقهر وتعب، والدكتور جيه قالي بمنتهى البرود “مش مستحملة تاخدي حقنة كنتي عايزة تولدي طبيعي ازاي؟ … الستات دوول.. ”
كان هذا نوع من أشكال العنف فيما يخص إجبار السيدات على الولادة القيصرية لأسباب كثيرة منها المادية وسهولة إجرائها على الطبيب برغم تبعاتها النفسية والجسدية التي تعاني منها المرأة، ولكن نهى واجهت نوع آخر من العنف وبدأ من لحظة معرفتها بالحمل.
“يلا يا ماما اخلصي.. بطلي دلع”
“كنت مبسوطة علشان الوقت ده المفروض كنت أسمع فيه نبض الجنين والفرحة ماكنتش سايعاني، كان أول طفل ليا، أول ما كشف الدكتور قالي كلمة قتلتني وفضلت معلمة فيا لحد دلوقتي “الحمل ده حقير، بايظ مش نافع لازم تنزليه”، وفضل مكمل في أسلوبه “الحمل ده لازم ينزل وكده كده هينزل”
قررت نهى أن تذهب لطبيب آخر بعد ما انهارت نفسيًا ولكن كانت التجربة أصعب.. “دكتورة ماعندهاش أي آدمية مايتقالش عليها دكتورة، طبيعي لما تروحي تكشفي ولو هتعملي سونار مهبلي فلازم تبقي متغطية .. الدكتورة عرتني ولما جيت أحط الملاية عليا الدكتورة اتشنجت واتعصبت عليا “إيه يا ماما اخلصي بطلي دلع” وكل ده قدامها وقدام أمي والممرضة وأنا مكشوفة كلي، ماحترمتنيش نهائي والممرضة هي اللي غطتني”.
نهى بعد ما أكدت لها الطبيبة ضرورة الإجهاض، فلا جدوى من إبقاء الجنين، ولما سألتها عن السبب رددت بكل برود “والله معرفش”
“هو أنتي تبقي حلوة مع جوزك وتيجي هنا تصدعينا؟”
واحدة من الشهادات التي حصلت عليها من سيدة رأت ما حدث لصديقتها في إحدى القرى “واحدة صاحبتي فضلت تنزف يوم كامل وجوزها مارضاش يوديها علشان كان عايزها تولد في البيت، وبعد ما لقى إنها خلاص بتتصفى، وداها الوحدة الصحية بتاعت القرية والدكتور أول ما وصلت وبرغم إنه كان شايفها كده!! ضربها علشان بتصوت… وقال لها هو أنت تبقي حلوة مع جوزك وتيجي هنا تصدعينا؟” أنا شوفت ده بعيني لإن باب العمليات كان مفتوح والناس بتدخل وتخرج عادي، ماكانش فيه أي خصوصيًة وفضل برضه يضربها بحجة “مش عارف أركز.. صدعتيني!!”.
بنتي طارت من كتر الضرب
ابتهال بجانب العنف الجسدي واجهت نوع أخر وهو عنف في عدم إعطاء المعلومات الكافية لها وعدم حصولها على أي وسيلة لتسكين الألم ” في الأول أدوني حقنة مش عارفة هي حقنة إيه ولا حتى استأذنوني إنهم يدوهالي، كتفوني علشان أخدها كنت فاكراها مسكن، هي دوختني شوية بس ماسكنتش حاجة كنت حاسة بالألم كله، الدكتورة ماكنتش عارفة تولدني في الأول وجابت مساعدين من برا، وبعد ما غلبت جابت دكتور تاني خالص وهو بيولدني ضربني على بطني أكتر من مرة بقوة لدرجة إن بنتي طارت وكانت هتقع على الأرض، وفوق كل ده كانت فيه واحدة شبه قاعدة على صدري مكتفاني وأنا حاسة بكل ده، وبعد ما خلصت وجيت علشان ألبس هدومي وأنا مروحة ماصبروش عليا علشان أهدى لبسوني البنطلون بالعافية، وقفل على الجرح وفيه غرز اتفكت بسبب القفلة دي، وسمعت الدكتور كان بيقول “هي خلصت ولا لا علشان تمشي”.
ما أنا عايز اتبسط!
العمليات التي تتم بدون موافقة المريضة وتحدث أثناء غرفة الولادة، تقع أيضًا تحت إطار ومسمى العنف الطبي، وهذا ما عرفناه من إحدى ضحايا عمليات “تضييق فتحة المهبل” بعد الولادة الطبيعية والتي تكون لإرضاء رغبات الزوج في العلاقة الحميمية وبالاتفاق مع الدكتور المسؤول، فتحكي لنا حنان “جوزي كان عرض عليا الموضوع وأنا رفضت فاستغل وقت الولادة واتفق مع دكتور نساء يبقى جوز أخته، وعملي العملية وأنا في البنج، بعد ما فوقت بدأت تظهر عليا أعراض التعب، ماكنتش عارفة أنام ولا أقعد ولا أمشي، فقررت أروح لدكتورة أكشف”.
بمشوارها للطبيبة اكتشفت ما فعله بها الطبيب بالاتفاق مع زوجها وأكتشفت أيضًا إن حدث لها عدوى وعندما قررت تواجه زوجها كان رده ببساطة “الموضوع ماكنش هيبقى مريح بالنسبة لي لإنك ولدتي طبيعي” .
حالات الولادة من المفترض أن تكون للسيدات ذكرى سعيدة رغم من صعوبتها ومشقتها، تحولت عند بعض السيدات لأزمات نفسية تتذكرها وتؤلمها مهما مر الزمن، فلم أنسى واحدة من الشهادات وهي تروي لي ما حدث لوالدتها “والدتي بتبكي من القهر كل ما تفتكر يوم ولادتي” ناهيك أن أحيانًا العنف لا ينتهي على باب غرفة الولادة، فيستمر وكإن حدث الولادة في حد ذاته شيء مثير للإشمئزاز مثلما ما حدث مع أحدهم “جوزي كان بيقرف ياكل من إيدي بعد الولادة، علشان ولدت وكان فيه دم في الموضوع”.
أحيانًا عندما كنت اسأل باستغراب من ما يحدث من قبل الدكاترة أو طاقم التمريض وأحيانًا بمشاركة الأهل، كانت ردود السيدات ” جالهم برود من كتر الحالات اللي بيشوفوها ” وهنا السؤال هل بمرور السنين ومع كثرة الحالات والأزمات طبيعي أن يفقد الطبيب أو الممرض آدميته؟ وإذا فقد آدميته ومشاعره بمرور الوقت بواقع الحالات، هل سيفقد ضميره وأخلاقه المهنية بالتبعية؟