جولتنا في شارع المعز: حكاية مسجد سلطان وحمام شعبي خرج منه مثل “اللي اختشوا ماتوا”
شارع المعز واحد من الأماكن الأثرية المهمة في مصر، اللي بتحكي تاريخ وعبق الدولة المصرية القديمة، والشارع ده بالذات من الأماكن اللي كل ما تمشي خطوة فيه هتلاقي حاجة ينفع تتكتب في مقال لوحدها، لإنه لسه محتفظ بالعبق اللي فيه.
فقررت على فترات أنزل المكان وأكتشف كل جزء فيه وأختبر أحاسيس مختلفة على أرض الواقع، وأطلع بتجارب ماكنتش هكتشفها لو قعدت في بيتنا واكتفيت بالقراءة عن المكان، فقررت أروح مسجد السلطان الظاهر برقوق، المملوك اللي كان بيفرشوا له المصريين الأرض حرير ورمل لما موكبه يعدي في شوارع القاهرة.
قبل ما أدخل المكان، ولإني روحت الصبح بدري، معظم المحلات اللي بتبيع الإكسسورات والهدايا التذكارية كانت قافلة، وتخيلوا لفتت نظري حتى وهي مقفولة؟ اليفط لسه محتفظة بالشكل القديم بعيدًا عن الحداثة، وحتى الأبواب وطريقة القفل، وعلى طول الصف كلها كانت على نفس النمط واللون بشكل مريح للعين، بعدها مشيت شوية ووصلت عند المسجد.
الظاهر برقوق
واحد من أبرز المساجد التاريخية الأثرية في مصر وأول تحفة معمارية في عهد المماليك، مميز بزخارفه وتفاصيله وطرازه المعماري اللي بيجمع ما بين الفن الإسلامي والتركي، ولحد دلوقتي مهندسين العصر الحديث عجزوا إنهم يبنوا زيه تاني، بناه السلطان ظاهر برقوق أول من حكم مصر من المماليك، وكان بيفكر إنه يبقى مسجد وفي نفس الوقت مدرسة لتعليم مذاهب الفقه الأربعة.
أول ما دخلت المسجد، لقيت ممر ضيق وكإنه دهليز وصلني لساحة المسجد، وأول حاجة وقت عيني عليها (قبة ضريحية) مدفون فيها السلطان برقوق مع ابنه وسيدات من الأسرة، وبعدها طلعت المأذنة المصممة بزخارف هندسية من الرخام الأبيض مع الأسود، واللي لفت نظري السقف، لإنه معمول بتفاصيل صعب التدقيق فيها إلا لو قربت منها، ولكن من على مسافة هتلاقي لوحة فنية مطلية بنقوش مذهبة ومرسوم عليها كتابات قرآنية بخط النسخ، أما المحراب فلقيته معمول بفصوص من الصدف، والأرضية كانت رخام عليها رسومات، لقيت كمان وحدات للإضاءة الأثرية بجانب أبواب المسجد الداخلية، اللي كانت مليئة بزخارف نحاس مذهب.
المفترض إن الدور اللي فوق كان موجود فيه فصول للطلبة، لكن كل الأبواب اللي بتأدي له كانت مقفولة بالقفل، ولما سألت عن السبب اتقال إنها ماترممتش، خصوصًا السلم الحجري، وبالتالي خطر استخدامه.
اللي اختشوا ماتوا!
بعد ما خرجت من المسجد، ماكنتش مخططة أزور مكان تاني، لكن على بعد خطوات لفت نظري يافطة مكتوب عليها “حمام إينال” زيّ حمام التلات كده والحمامات الشعبية اللي اشتهرت في العصر العثماني، كان عندي فضول أشوف الأماكن اللي كانوا بيعملوا فيها ساونا وجاكوزي أيام زمان كانت ازاي.
كانت المفاجأة إني أول ما دخلت المسؤول قالي إن الحمام ده هو اللي طلع منه المثل الشعبي الأشهر “اللي اختشوا ماتوا” وقال: “في يوم، كان الدور على القسم الحريمي، لإن الحمام كان متقسم أيام حريمي ورجالي، حصل حريق كبير في المكان، وكان الستات قدامهم خيارين، إما يخرجوا من الحمام وهما “عرايا” وإما يفضلوا في الحمام ولا ينكشفوا على حد، ففضلوا إنهم يموتوا في الحريقة جوا ومن وقتها طلع مثل اللي اختشوا ماتوا”.
أما بالنسبة لوصف الحمام، فهو عمره أكتر من 700 سنة، مدخله الرئيسي بيأدي لطريق منكسر علشان اللي برا مايشوفش اللي جوا، في الأول هتقابل غرف لتغيير الملابس بتغير فيها هدومك، وبعدها بتسلمها وبتسلم مقتناياتك في الأمانات، وبتستلم معاها قبقاب وبشكير، وبعدها بتطلع على الغرف الدافئة للتدليك والمساج والغرف السخنة للاستحمام، والمياه كانت بتتيجي من خلال فتحات من سوق مجرى العيون.
وفي وصف المكان، كان في تلات بلاطات بالنظام التكعيبي أعلى من الأرضية، علشان أي حد جاي من أوضة لأوضة أول ما يضغط البلاطات تعمل صوت، والشخص اللي جوا ياخد احتياطاته، أو بالمعنى البلدي “يستر نفسه”، ولإن ماكانش فيه كهرباء، كان في فتحات للتهوية معمولة علشان تنور المكان، وفي نفس الوقت لما الشمس تدخل تقتل البكتيريا.
أشخاص قابلتها في شارع المعز
الحاجة سليمة
عاملة نظافة في الشارع، قابلتها بعد ما خرجت من مسجد السلطان ظاهر، كانت قاعدة على الأرض جنب السلم وسألتني بدون سابق إنذار “ها انبسطتي جوا؟” بصيت وضحكت لها قولتلها “آه الحمد لله” وبدأت تفتح معايا حوار وتسألني عندي كام سنة ودرست إيه ومرتبطة ولا لأ، وأول ما قولتلها “لأ لسه بدري” راحت فتحالي أسطوانة بسمعها من كل أم مصرية أصيلة “بدري من عمرك.. الحقي نفسك يا بنتي وماتضيعيش وقتك” وبدأت تحكي لي بكل تلقائية إنها عندها 6 عيال، وكل واحد منهم مخلف أربعة وخمسة ما عدا بنت واحدة لسه قاعدة معاها بعد ما قعدت تستنى حبيبها وسابها وراح لواحدة تانية، وبتقولي: “بتبكي بدل الدموع دم على عمرها اللي ضيعته معاه” وراحت بصالي كده وقالتي لي “ماتبقيش زيها” كنت عايزة أقولها والله يا طنط هو مفيش حد أصلًا علشان أضيع عمري معاه، المهم بعد كده كان عندي فضول أعرف هي بتصرف ازاي لإنها قالت مرتبها باليومية يعني في آخر الشهر بيوصل لـ 900 جنيه، وقولتلها “بيكفوكي؟ “قالت بصرف منهم 600 جنيه إيجار.. سكت للحظة كده وكنت عايزة أقولها طب “والأكل والشرب؟” بس لساني اتحبس ولقيتها هي سبقتني وقالت “ربك بيرزقها” بساطتها وقربها من القلب خلتها واحدة من الناس المميزة اللي قابلتها في حياتي.
الموظف المسؤول
بدون ذكر اسمه، ده كان موظف شرحلي واحدة من الأماكن اللي دخلتها، بس ماكانش هيشرح غير لما أطلب منه، ولما لقيته بيشرح لناس تانية قولتله إني دخلت قبلهم، قالي “مش هفرض نفسي عليكي” مافهمتش قصده بس بعد ما بدأ يحكي لي قصص عن ناس جت المكان فهمت إنه قصده “أكرمشله” فلوس، واستغربت إن المفروض دي شغلته وليه المفروض أدفع له فلوس؟
أنا ليه بحكي القصتين دول؟
لإني بعد ما قابلت الموظف والحاجة سليمة اختبرت إحساسين في وقت قصير، إحساس إنك عايز تساعد حد بجد برضا وقناعة من غير ما يقولك، وبين إحساس إنك اتجبرت على فعل ما تحت مسمى البقشيش أو زي ما اتكلمنا عنه قبل كده الاقتصاد غير المشروع.
الخلاصة: الشتا أفضل وقت للزيارة، تذكرة الشارع اللي هتدخلك كل الأماكن السياحية ما عدا بيت السحيمي بـ 20 جنيه للمصري ولو طالب هتبقى بـ 15، لما تدخل مكان وتقرر تصور، خلي بالك لإن بعض الأماكن بترفض تصوير الفيديوهات، لإن ده هيدخل تحت بند التصوير التجاري.
شارع المعز كنز حقيقي ومكان غني جدًا.. محتاج تقعد سنة كاملة علشان تروحه وتكتشف قصصه وتاريخه الأثري.