قانون الزواج الجديد في المغرب: تعديلات مقترحة على مدونة الأسرة لتعزيز حقوق المرأة
قبل عشرين عامًا، أقرَّت مدونة الأسرة المغربية كإطار قانوني يهدف إلى تنظيم العلاقات الأسرية وضمان حقوق أفرادها.
واليوم، بعد عقدين من الزمن، تُطِل المدونة في حلَّة جديدة مع تعديلات جريئة تضمنت نحو 100 مقترح، يتوقع أن تحدث نقلة نوعية في تنظيم الزواج والطلاق والنفقة والحضانة، ما جعلها محور حديث الشارع المغربي.
إصلاحات أم تغييرات مثيرة للجدل؟
في خطوة وصفها البعض بالإصلاحية، قدِّمت التعديلات الجديدة أمام الملك محمد السادس خلال ورشة عمل رسمية، حيث شددت على تحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات داخل الأسرة.
لكن التعديلات لم تمر دون إثارة جدل واسع بين مختلف شرائح المجتمع.
من جهة، أشاد البعض بالتعديلات التي وصفوها بالمنصفة للأسرة المغربية، مشيرين إلى أنها تعكس تطورًا في فهم العلاقات الأسرية الحديثة.
ومن جهة أخرى، رأى آخرون أن بعض البنود تقترب من تحويل الزواج إلى “مفهوم الشركة”، متسائلين عن جدوى التفكير في الزواج إذا كان الطلاق يتصدر الأفق منذ البداية.
ما الجديد في هذه التعديلات؟
التعديلات الجديدة ركزت على جوانب رئيسية مثل تحديد معايير واضحة للطلاق، تعزيز حقوق المرأة في الحضانة والنفقة، وإعادة النظر في مفهوم الزواج بصفته شراكة قائمة على المساواة والاحترام المتبادل.
في هذا السياق، تكمن أهمية هذه التعديلات في كونها ليست مجرد نصوص قانونية، بل خطوات جريئة نحو تطوير المجتمع وضمان العدالة داخل الأسرة.
ومع تصاعد النقاشات حول مضامينها، يبقى السؤال المطروح: هل ستسهم هذه التعديلات في تحقيق الاستقرار الأسري، أم ستفتح الباب أمام تحديات جديدة؟
لا تفوّت قراءة: التحرش في مصر: حوادث هزت المجتمع في 2024 وآخرها قضية “طالبة الشروق”
أبرز مقترحات مدونة الأسرة في المغرب
هذه المبادرة الإصلاحية لمدونة الأسرة تستهدف ضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية للأسرة، والنظر إلى مضامين المراجعة في تكامليتها، وأنها لا تنتصر لفئة دون أخرى، بل تهُم الأسرة المغربية التي تشكل الخلية الأساسية للمجتمع
ملك المغرب محمد السادس
تقييد تعدد الزوجات: خطوة نحو حماية حقوق الزوجة الأولى
ضمن التعديلات المقترحة على مدونة الأسرة، برزت تغييرات جوهرية تتعلق بتعدد الزوجات، في خطوة تهدف إلى تحقيق التوازن بين الشريعة وحقوق المرأة.
أحد أبرز هذه التعديلات يتمثل في إلزام الزوج بأخذ رأي الزوجة الأولى قبل توثيق عقد زواج جديد.
شروط صارمة لضمان العدالة
التعديل ينص على ضرورة تضمين شرط في عقد الزواج يوضح موقف الزوجة الأولى من التعدد.
إذا اشترطت الزوجة عدم الزواج عليها، يصبح التعدد ممنوعًا بشكل قاطع.
أما في حال غياب هذا الشرط، فإن القانون يقصر التعدد على حالات استثنائية حددها وزير العدل عبد اللطيف وهبي، مثل إصابة الزوجة الأولى بالعقم، أو معاناتها من مرض يمنع المعاشرة الزوجية.
دور القضاء في ضبط الاستثناءات
الحالات التي يسمح فيها بالتعدد ستخضع لتقدير القاضي، لضمان أن القرار يستند إلى أسباب موضوعية ومبررة، ما يعزز الدور الرقابي للقضاء في منع إساءة استخدام الحق في التعدد.
هذه التعديلات تمثل خطوة مهمة نحو حماية حقوق الزوجة الأولى وضمان الشفافية في العلاقات الزوجية، لكنها تفتح بابًا للنقاش حول مدى قدرتها على التوفيق بين المتطلبات الدينية والحقوق الفردية.
عمل الزوجة المنزلي: مساهمة معترف بها في التنمية الأسرية
ضمن التعديلات المقترحة على مدونة الأسرة، برز اعتراف واضح بدور الزوجة في تنمية الأسرة، سواء من خلال العمل خارج المنزل أو داخله.
أصبح عمل الزوجة المنزلي يعتبر مساهمة فعلية في تنمية الأموال المكتسبة أثناء العلاقة الزوجية، ما يعكس تحولًا هامًا في نظرة القانون إلى أدوار الزوجين.
ملكية مشتركة للأموال المكتسبة
وفقًا للتعديلات، فإن ما يكسبه الزوج أو الزوجة أثناء فترة الزواج يُعد ملكًا مشتركًا، حتى لو كانت الزوجة ربة منزل.
هذا التغيير يسهم في تحقيق العدالة، حيث يُعترف بالجهود التي تبذلها الزوجة داخل المنزل كجزء لا يتجزأ من بناء الأسرة وتنميتها الاقتصادية.
النفقة وبيت الزوجية
التعديلات شددت أيضًا على وجوب النفقة على الزوج بمجرد إتمام عقد الزواج، بغض النظر عن الظروف.
كما تضمنت حماية إضافية للأسرة من خلال إيقاف بيت الزوجية عن الدخول في التركة، مما يضمن استمرارية استقرار الأسرة بعد وفاة الزوج.
هذه التعديلات تعكس تطورًا كبيرًا في إدراك قيمة الأدوار المختلفة داخل الأسرة، وتعزز مبدأ الشراكة الحقيقية بين الزوجين، مما يضع إطارًا قانونيًا جديدًا يُسهم في حماية الحقوق وضمان الاستقرار الأسري.
زواج القاصرين: تضييق المساحة وتكريس الحماية القانونية
في إطار التعديلات المقترحة على مدونة الأسرة المغربية، جرى تسليط الضوء على زواج القاصرين، حيث أكدت التعديلات تحديد السن القانونية للزواج بـ18 عامًا للجنسين.
ومع ذلك، أبقت على إمكانية الاستثناء، لكن بشروط صارمة تهدف إلى حماية القاصرين وضمان حقوقهم.
شروط استثنائية تحت رقابة مشددة
التعديل ينص على السماح بالزواج في سن 17 عامًا كحد أدنى، شريطة استيفاء شروط مشددة تتطلب موافقة القاضي.
هذه الشروط تهدف إلى تقييم مدى أهلية الأطراف نفسيًا واجتماعيًا، وضمان عدم استغلال هذا الاستثناء في الإضرار بالقاصرين.
الحالة الراهنة: بين النصوص والواقع
القانون الحالي يسمح للذكور والإناث بالزواج عند بلوغ 18 عامًا، لكنه يتضمن استثناءً للإناث ما بين 15 و18 عامًا بشرط الحصول على إذن قضائي.
هذا الوضع أثار جدلًا واسعًا في المجتمع المغربي، حيث يرى البعض أن التعديلات خطوة نحو تقليص هذه الممارسات، بينما يعتقد آخرون أن بقاء الاستثناء قد يبقي الباب مفتوحًا أمام بعض التجاوزات.
تظهر هذه التعديلات تطلعًا نحو تعزيز حماية القاصرين وتقليص الفجوة بين النصوص القانونية والواقع، مما يجعلها محورًا للنقاش حول مدى قدرتها على ضمان مصلحة الأطراف الضعيفة في المجتمع.
لاتفوّت قراءة: غزة 2024: أبطال حملوا الأمل رغم الألم وكتبوا حكايات لا تُنسى
الحضانة: حق مشترك يعزز مصلحة الطفل والأسرة
ضمن التعديلات المقترحة على مدونة الأسرة المغربية، أعيد النظر في مفهوم الحضانة لتصبح حقًا مشتركًا بين الزوجين أثناء الزواج، مع إمكانية استمرار هذا الترتيب بعد الطلاق بشرط اتفاق الطرفين.
هذه التعديلات تسلط الضوء على أهمية التعاون بين الوالدين لضمان مصلحة الطفل في مختلف المراحل.
تعزيز حقوق الأم المطلقة
التعديلات تضمنت منح الأم المطلقة الحق في حضانة أطفالها، حتى في حالة زواجها مجددًا، وهو ما يمثل تحولًا كبيرًا عن النصوص السابقة.
كما جرى التأكيد على ضمان حقها في السكن الخاص بالمحضون، مما يضمن بيئة مستقرة وآمنة للأطفال بعد الانفصال.
توازن بين الحقوق والمسؤوليات
باعتبار الحضانة حقًا مشتركًا، فإن التعديلات تعكس رغبة في تحقيق التوازن بين حقوق الوالدين ومسؤولياتهما تجاه الأطفال.
هذا التوجه يسعى إلى تقليل النزاعات المتعلقة بالحضانة بعد الطلاق، وتشجيع الأطراف على التعاون بما يحقق الاستقرار النفسي والاجتماعي للأطفال.
التعديلات المقترحة تجسد رؤية متقدمة نحو تعزيز العدالة الأسرية، وجعل مصلحة الطفل في صلب القرارات القانونية، ما يفتح المجال لنقاش مجتمعي حول الأثر الإيجابي لهذه التغييرات على الأسر المغربية.
الزواج والطلاق: تسهيلات جديدة ومعالجة أسرع للنزاعات
تسمح التعديلات للمغاربة المقيمين بالخارج بإتمام عقد الزواج دون حضور شاهدين مسلمين في حالات التعذر مراعاةً لظروفهم.
أما في قضايا الطلاق، فقد جرى اقتراح تقليص مدة البت فيها إلى ستة أشهر كحد أقصى.
هذا التعديل يهدف إلى تسريع الإجراءات وتقليل المعاناة النفسية والمادية الناتجة عن طول أمد النزاعات بين الطرفين.
الإرث: مرونة مع مراعاة الحقوق
فيما يخص قضايا الإرث، اعتمدت التعديلات مقترحات المجلس العلمي الأعلى التي تمنح مرونة أكبر في التصرف بالأموال.
فقد أصبح بإمكان الورثة الإناث الحصول على هبة الأموال أثناء حياة المُوَرِّث، مع الاعتراف بالحيازة الحكمية كافية لتوثيق الملكية.
التعديلات تسمح بالوصية والهبة بين الزوجين ذوي الديانات المختلفة، مما يعكس انفتاحًا يتماشى مع متطلبات العصر.
رؤية شاملة نحو تحديث المدونة
التعديلات المتعلقة بالزواج والطلاق والإرث تهدف لتحقيق العدالة الاجتماعية مع الحفاظ على القيم الأساسية للعلاقات الأسرية.
هذه التوجهات الجديدة ستُثير نقاشًا مجتمعيًا حول قدرتها على تحقيق التوازن بين التراث الفقهي ومتطلبات الواقع المعاصر.
رفض اختبار الحمض النووي لإثبات النسب: جدل شرعي واجتماعي
يثير رفض اعتماد اختبار الحمض النووي لإثبات نسب الأبناء خارج الزواج جدلاً واسعاً ضمن تعديلات مدونة الأسرة المغربية المقترحة.
أكد وزير الأوقاف أحمد التوفيق أن رفض اختبار الحمض النووي يخالف الشريعة الإسلامية حسب لجنة الإفتاء بالمجلس العلمي.
حلول بديلة لتحقيق العدالة دون إثبات النسب
اللجنة قدّمت حلولًا بديلة تهدف إلى تحقيق التوازن بين حفظ حقوق الطفل وحماية مؤسسة الأسرة.
ومن بين هذه الحلول تحميل الأب المسؤولية المادية والاجتماعية عن حاجيات الطفل تمامًا كالأم، دون إثبات النسب قانونيًا.
يهدف الإجراء لحماية الطفل من التشرد مع الحفاظ على المنظومة الشرعية التي تحظر الاعتراف بالنسب خارج إطار الزواج.
الأبعاد الشرعية والدستورية
أكد الوزير أن إثبات النسب خارج الزواج مخالف للشريعة والدستور المغربي، ويهدد هدم مؤسسة الأسرة التقليدية.
مستقبل التعديلات: مرحلة الحسم لم تُحدد بعد
حتى الآن، لم تُحدد الحكومة موعدًا لتقديم هذه التعديلات إلى البرلمان من أجل المناقشة والتصويت.
إذا تمت المصادقة على التعديلات، ستدخل حيز التنفيذ، لكن النقاش مستمر حول التوجه المستقبلي للمدونة.