هنا القدس.. حكاية إذاعة فلسطينية انتهت قبل أن تبدأ

” هذه القدس تتكلم، يفتتح فخامة المندوب السامي البريطاني إذاعة القدس في رام الله وسيلقى فيها الكلمة الإفتتاحية وسيتكلم فيها واحد من العرب وواحد من اليهود” هكذا كان الإعلان الأول عن تأسيس إذاعة ناطقة باللغة العربية وهي دار الإذاعة الفلسطينية “هنا القدس” في جريدة مرآة الشرق سنة 1936، حيث تعد تاني إذاعة عربية بعد محطة الإذاعة المصرية بالقاهرة.

ماذا عن الأجواء؟

افتتاح دار الإذاعة الفلسطينية كان بدعوة من حكومة الاحتلال البريطاني في فلسطين، وقد حضر الحفل عدد كبير من وجهاء وأعيان القدس وباقي المدن الفلسطينية، وعدد من كبار الفنانين والموسيقين العرب وعدد من كبار الموظفين البريطانيين، وكان أول صوت عربي يرج في هذه الإذاعة على الأثير هو صوت شاعر فلسطين الأول إبراهيم طوقان والفنان المصري الشيخ أمين حسنين وفرقته حين قدم بعض المونولوجات وبعض المقطوعات الموسيقية بأنامل الموسيقي السوري محمد عبد الكريم.

أما عن محتوى الإذاعة في العموم، فكان كالآتي من مذكرات القدس الاحتلالية للمذكرات الجوهرية للموسيقار واصف حسب موقع رمان، يشير إلى أن الموسيقار يحيى اللبابيدي، هو أول من ترأس القسم الفني العربي، والأديب المصري عباس محمود العقاد، من الذين حاضروا في الإذاعة.

ومن الفنانين السوريين الذين  ترددوا على القدس وإذاعتها، كانت أسمهان، ومن قبل شقيقها فريد الأطرش، الذي يعتبر إذاعة هنا القدس هي انطلاقته وبدايته الحقيقية، بعد أن سجل أغنية “ياريتني طير” للمرة الأولى هناك.

كما أن البرامج العربية كانت متنوعة وغزيرة، ففي ساعات الصباح مثلاً كانت تتلى آيات مختارة من القرآن الكريم من خلال مقرئ من المسجد الأقصى، ومن ثم نشرة الأخبار، ثم تبدأ برامجها المتنوعة، ومن أشهر البرامج الثقافية التي كانت تذاع برنامج “الأحاديث الأدبية” الذي كان يقدمه إبراهيم طوقان، وبرنامج روايات تمثيلية الذي كان يشرف عليه الفنان الراحل نصري الجوزي، وكانت تترواح الأغاني بين فلكورية ومصرية من المعروفين من نجوم الغناء من مصر وحلب.

لماذا “هنا القدس”؟

المحطة كانت تبث بثلاث لغات، هي: العربية والإنكليزية والعبرية، ويذكر الفنان الفلسطيني نصري الجوزي في كتابه “تاريخ الإذاعة الفلسطينية” أن “أهم الأهداف التي دعت حكومة الاحتلال البريطاني في فلسطين إلى تأسيس دار الإذاعة الفلسطينية، هو شعورها بكره العرب الفلسطينيين لها، فأرادت عبرها استمالتهم إليها لصرف الجماهير الفلسطينية الثائرة عن المطالبة بإيقاف بيع الأراضي، ومنع الهجرة اليهودية، وإظهار اليهود كشعب متحضر”

ولذلك لم تكن محطة “الإذاعة الفلسطينية” لمصلحة الفلسطينيين بشكل خاص، بحسب الكثير من الدراسات بل كانت لمصلحة اليهود والإنجليز، حيث استقال عدد من الموظفين من “الإذاعة الفلسطينية” بسبب ما كان يطلق عليه المذيع  باللغة العبرية “أرض إسرائيل” بدلًا من فلسطين وكلمة “أورشليم” بدلًا من القدس.

نهاية مأساوية للإذاعة

تعرضت دار “الإذاعة الفلسطينية” إلى سلسلة من الاعتداءات اليهودية المسلحة منذ إنشائها وحتى انتقالها من القدس إلى رام الله عام 1948، ومع إعلان قيام الدولة العبرية، قامت القوات الإسرائيلية باحتلال مبنى الإذاعة كاملًا، وواصلت البث بالعبرية على إحدى موجتي “إذاعة القدس” تحت مسمى “صوت إسرائيل”.

أما الأردن فواصلت البث بالعربية على الموجة الأخرى باسم “هنا القدس إذاعة المملكة الأردنية الهاشمية” ” ويذكر توفيق محمود الشاهد في كتابه “رحلتي مع المايكروفون”، أن عصمت النشاشيبي حمل على ظهره أجهزة الإذاعة من مقرها في القدس إلى مدينة رام الله بعد أن احتل مباني الإذاعة في القدس.

وفي عام 1967 كانت النهاية، انتهى بث “إذاعة القدس العربية” عندما احتل الجيش الإسرائيلي مقر الإذاعة ضمن حرب 1967… وكانت حكاية قصيرة انتهت قبل أن تبدأ.

آخر كلمة: ماتفوتوش قراءة: كيف تحولت “ياولاد حارتنا” من هتاف للأطفال لأغنية نضالية؟

تعليقات
Loading...