مطالعة الأخبار السيئة.. بين الرغبة الملحة والتعود على المأساة

مقتل 14 شخصًا ،استشهاد عشرون طفلًا، انفجار مستشفى بها آلاف المرضى، زلزال يضرب العاصمة ويخلف معه خسائر وأرواح بشرية.. حرق قاعة زفاف وموت أكتر من 100 شخص من أهالي العروسين … إطلاق صواريخ.. اجتياح بري.. عمليات عسكرية، أطفال يصرخون من الجوع، لا ماء ولا كهرباء .. إنها أشلاء ليست أجساد ..

كل هذه العناوين للأخبار، ومعها فيديوهات توثق الأحداث تقشعر لها الأبدان، أصوات أصحابها تطاردك في منامك وأنت تمارس حياتك الطبيعية، لتصل إلى حد تشعر بعدها أن لاشيء على ما يرام، حتى وأنت لست طرفًا مباشرًا في الخبر، وقد تصاب بعدها بما يسمى “اضطراب القلق العام”، فإذا كنت تنغمس في مطالعة الأخبار السلبية كل يوم على الإنترنت، فسيخلف ذلك تأثيرًا على عقلك وحالتك النفسية حسب خبراء صحة نفسية.

سر الرغبة الملحة في مطالعة الأخبار السيئة

لو نظرنا لمطالعة الأخبار السيئة سنجد الرغبة زادت تجاهها بشكل كبير في آخر عشر سنوات منذ جائحة كورونا، ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت الأخبار متاحة بكثرة، فبضغطة زر ترى ما يحدث في آخر بلاد العالم، وقتها أصبح أمر روتيني أن تفتح عينيك على بيان من وزارة الصحة التابع لها بلد، لتخبرك بعدد الإصابات وعدد الوفيات، ويلاحقها أخبار تحت عنوان ” لا يوجد أماكن للمرضى للمستشفيات” “بعض الجثث في الخارج تم حرقها حتى لا ينتشر الفيروس” ناهيك عن قصص وداع الأهل بدون حتى أن يلقوا عليهم النظرة الأخيرة.

ومن وقتها خلقت لدينا الرغبة الجامحة في مطالعة الأخبار لأسباب نفكر معًا بصوت عالي بها، فربما من بينها شعور الأمان الذي تبعثه المعرفة في النفوس، خاصة في الأوقات العصيبة، علاوة بالطبع على الغريزة البشرية، التي تدفع الإنسان إلى الاهتمام الشديد بما يحيط به، حتى لو كان سيئًا، وأحيانًا تكون حاجة ملحة وقاهرة، يشعر بها المرء وهو خائف، وتدفعه لمحاولة الحصول على إجابات. فالأمر يشبه عجزك عن توجيه النظر بعيدًا عندما ترى حادث سيارة.

ولكن بغض النظر عن الأسباب، فبجانب التأثير النفسي أحيانًا يحدث تأثير مزدوج، أو ربما يحدث معك العكس تمامًا، بمرور الوقت ومع كثرة المشاهدة وسماع قصص الأشخاص وحياتهم ومن مات وما احترق، يتحول الأمر بالنسبة لبعض المتابعين لأرقام في شريط الأخبار، بشكل يكسبه نوع من الاعتياد على السيء، بأن الموت والحزن أصبح أمر عادي في عالمنا، ويصبح أقصى طموحه عند مطالعة الأخبار والتي يشعر براحة بعدها، عندما يصبح هناك 5 قتلى مثلًا بدلًا من 15 بالأمس، وتنكسر معه هيبة اللحظة التي يسمع فيها عن خبر سيء يفجع القلوب.

بين الإفراط والتفريط

على كل حال، كثرة الإطلاع على الأخبار السيئة ليست دائمًا الخيار الأمثل، ولكن لم نقل لك اعتزل عن المطالعة ولا ترى ما يحدث حولك، وإن كان بعضًا من الأشخاص قرروا ذلك فعلًا منذ جائحة كورونا، ولكن بعض المهن تتطلب أحيانًا الإطلاع والإطلاع الجيد أيضًا.

فيمكنك أن تصنع التوازن الغير مخل، من خلال إعادة ضبط ذهنك بالسماح لنفسك بإيقاف الأخبار لمدة يوم أو يومين لفصل الطاقة، والتركيز على أشياء أخرى، قد تشعر بالذنب لاستخدام الإلهاء والإنكار في الظروف الصعبة، ولكنها يمكن أن تكون آليات تكيف صحية لا مفر منها، للمساعدة على إعادة الشحن والاستمرار في المشاركة على المدى الطويل.

وحاول أن تتجنب الإفراط في المتابعة، من خلال التوازن بين بقائنا على علم بما يدور حولنا من ناحية، والاعتناء بأنفسنا عقليًا وعاطفيًا من ناحية أخرى.. وآخيرًا لا تحاول إنكار مشاعرك السلبية لإن إنكارها يمكن أن يسبب ضغطًا أكبر من مواجهتها مباشرة.

وتذكر أننا لا نريد أن يصل بنا الحال أن نتابع الأخبار ونمر على الأرقام مرور الكرام، فتذكر أن كل رقم، كان له قصة وحياة وأحلام وعائلة، وأن ليس هدفنا من متابعة الأخبار السيئة أن نعتاد على السيء لأنه لم يكن ولن يكون أبدا عاديا!

آخر كلمة: ماتفوتوش قراءة: لا تعود الحياة بعدها كما كانت: لحظات فاصلة في حياة أصحابها

تعليقات
Loading...