عُد من حيث جئت.. ماذا لو كتب أطفال غزة رسالة لبابا نويل؟

تنطلق الأعياد والأفراح في العالم كله وسط الألعاب النارية والزينة والألوان المبهجة، يستعدون الأطفال على وجه الخصوص لاستقباله، لاستقبال بابا نويل ذاك الرجل العجوز السعيد دائمًا، من يوزع بهجة وهدايا على الأطفال مع حلول العام الجديد، يكتبون له الرسائل والأحلام والأمنيات وهداياهم المنتظرة معها.

هذا حال الأطفال هناك وفي أي بقعة في العالم، أما عن حال الطفل الغزاوي في تلك الأيام فالكلام يتلعثم، فتخيل إذا أراد أن يكتب له رسالة ماذا سيقول فيها؟ما طبيعة الكلمات والمشاعر التي ستخرج منه؟

ماذا لو كتبوا أطفال غزة رسالة لبابا نويل؟

يا من طالما حلمت بقدومه، عزيزي سانتا، لا داعي لذكر أسمي لإنه ربما أتحول في الساعات القليلة لرقم من أرقام الضحايا والشهداء، وحتى ولم أكن رقمًا عند أهلي وأحبائي ولكن تحولت لخبر على شريط الأخبار، فلا مفر من ذلك، أعيش في غزة التي تقع في فلسطين بالقرب من المكان الذي ولد فيه السيد المسيح ولذلك تسمى بلدنا هذه بالأرض المقدسة، فهل تعرف غزة؟ ربما تكون سمعت عنها في قناة إخبارية أو في صفحات الحوادث فاسمها دائمًا مقرون بالمصائب.

للأسف ومنذ أشهر طويلة ونحن نعيش تحت الحصار بدون ماء ولا كهرباء ولا دواء ولا بيوت، قاطنين نازحين في الشوارع من خيمة لخيمة .. خسرت كل ألعابي أبحث عنها دائمًا وسط الركام لم أعد بمقدروي شراء أخرى لإننا لم نملك المال مثل أشياء كثيرة لم نعد نملكها بعد الآن ..

أصبحنا ننام جنبًا لجنب حتى إذا قصفنا نموت أنا وأهلي جميعًا ولا يبقى بعدنا أحد يتعذب لفراق الآخر، نحن كبرنا وشخنا كان طموحنا في الحياة هو اللعب، حرمونا منها، أتمنى أرجع أحضر طابور الصبح في المدرسة، أشتقت لأصحابي ومعلم الرياضيات والحلوى التي كان يهاديني بيها في كل مرة بعد حصولي على الدرجة النهائية، اشتقت لرائحة خبز الطابون، وهو يخبز في الفرن المقابل لمدرستي، اشتقت لزعيق وصراخ أمي علي كل يوم لسهري في الشارع وأنا ألعب بالكورة لأكبر وأصبح عالمي مثل محمد صلاح ..

ولكن ماذا يفعل بنا الاشتياق بعد أن تحولت الشوارع والبيوت والمدارس لركام؟ وبعد أن تحول صراخ أمي لهدوء وحزن وسرحان طويل قد يمتد لساعات لا يقطعه إلا أصوات القصف.

الأطفال هنا كبرت فوق عمرها عمرين، أتعرف ما معنى أن أبحث عن أشلاء بدلًا من أبحث عن ألعاب؟ لم نكبر سنًا لأننا نموت قبل مرحلة الشباب، بل نكبر همًا، الأطفال أصبحوا بدلًا من أن يكتبوا أمنياتهم ليرموها في البحر أو يقدموها لك، يكتبوا وصيتهم، بنلقن الشهادة لبعضنا بدلًا من حفظ الدروس، أصبحنا نشيل أشلاء أهالينا في الحقيبة المدرسية بدلًا من الكتب، وتلاجات الأيس كريم أصبحت مأوى لنا بعد أن نرحل لأن لم يعد هناك مكان في غزة للدفن.

كلمتي الآخيرة لعزيزي سانتا

 أتعرف يا صانع البهجة، كم تمنيت لو زرتنا مرة واحدة لتجلب لأطفال غزة الألعاب وتدخل السرور إلى قلوبهم ولكن عوضًا عن ذلك جلبت لنا إسرائيل الدمار والصواريخ والقنابل، ربما لو اتيت إلى غزة لهربت الطائرات والدبابات والصواريخ خوفًا منك، ولكن أثناء رحلتك لكل بقاع العالم أرجوك أخبر أي طفل كيف سيأتي العيد علينا؟ وكيف سنستقبل أصوات الصواريخ بدلًا من الألعاب النارية وكيف نعيش في برد الشتاء والهدوم تجف علينا لإننا لا نملك غيرها.

وإذا استطعت المجيء إلينا على الرغم من إنني أشك في هذا، هل تسطيع أن تحضر بدلًا من الهدايا البطاطين والمياه النظيفة والأدوية والطعام وفوق كل هذا أحلامي ولعبي وأهلي وبيتي وذكرياتي.. مطالب تبدو مشروعة ولكن هل تقدر عليها؟

أتمنى عند وصولك إذا وصلت أن تجدني وأن يتبقى هناك اطفال في غزة! لإنه في معظم الأحياء لم يعد هناك بيوت لتطرقها وأطفال لتهاديها لأن الاحتلال قتل الطفولة.. وحينها ستعود من حيث جئت، فأطفال غزة ولدوا ليستشهدوا.

آخر كلمة: ماتفوتوش قراءة: الطفلة لمى جاموس .. أصغر ناقلة خبر في غزة

تعليقات
Loading...