جرائم الشرف في العراق: قتل وسط قبول مجتمعي وتسهيل قانوني
حادثتان متتاليتان في شهر واحد في العراق، حادثة فيروز آزاد التي يتابعها عشرات الآلاف على تيك توك، وحادثة اليوتيوبر طيبة العلي التي عادت للعراق في زيارة سريعة لعائلتها.
الأولى قتلت برصاص والدها وأخوها غير الشقيق إلى جانب عدد من الأشخاص الآخرين بما فيهم أعمامها وعماتها في سيارتين وأطلقوا نحو 7 رصاصات أصاب بعضها القتيلة، بعد نشر معلومات مغلوطة عنها من “مغتصبيها” وصلت لمسامع والدها، والثانية “طيبة العلي” قُتلت على يد والدها وهي نائمة بدافع الشرف بسبب فيديوهاتها إلا أن القتل لم يعتبر “قتل مع سبق الإصرار” وحُكم على والدها بالسجن ستة أشهر فقط.
حادثتان أشعل مقتلهم احتجاجات في أنحاء العراق لتسليط الضوء من جديد على كيفية معاملة النساء في بلد لا تزال الأعراف المحافظة هي السائدة فيه، ليصبح مصيرهم في تلال المخطئات.
تلال المخطئات: مدافن سرية لبعض النساء في جنوب العراق
قبل الحديث عن القانون العراقي ووضع الدول العربية فيما يخص جرائم الشرف، وقع أمامنا بالصدفة معلومات عن المكان الذي يلقى فيه بعض النساء مصيرهم النهائي ومثواهم الأخير في جنوب العراق ممكن قتلوا تحت مظلة “جرائم الشرف”، وهو “تلال المخطئات”
منذ الوهلة الأولى تظنها على أنها مواقع أثرية فقط، تتباعد بمسافة ليست بالقليلة، وعادة ما يقطن بالقرب منها بعض سكان القرى، مكان عالي محاط بالماء، أو التلال الأثرية، ونادرًا ما تمر عبرها بعثات تنقيب لتكتشفها.
استخدمها السكان لدفن الأطفال حديثي الولادة، لكنها لاحقًا وبمرور الوقت أصبحت مدافن سرية وغير معلنة للنساء ممن يُقتلن غسلا للعار أو ما تعرف بجريمة الشرف، وذلك لأن هذه الأماكن شبه مهملة وبعيدة عن الأنظار يجري الدفن فيها، وبحسب اعتقادهم فإن المرأة المقتولة لا تستحق الدفن في المقابر الأخرى، حيث اعتاد سكان جنوبي العراق الدفن فيها.
ماذا يقول القانون العراقي
وفقًا لتحليل وزارة الداخلية العراقية إذا يسمح قانون العقوبات العراقي بالقتل تحت مسمى بـ” جرائم الشرف” كوسيلة مخففة لجرائم العنف المرتكبة ضد أفراد الأسرة، و يسمح القانون بعقوبات مخففة على جرائم “القتل دفاعًا عن الشرف” بسبب الاستفزاز أو إذا كانت لدى المتهم “دوافع متعلقة بالشرف”.
فعلى سبيل المثال، في المادة 41 من قانون العقوبات العراقي، تعد “معاقبة الزوجة من قبل زوجها” و”تأديب الوالدين للأطفال الخاضعين لسلطتهم في حدود معينة” حقوقًا قانونية.
بينما تنص المادة 409 على أن “من فوجىء بزوجته متلبسة بممارسة الزنا أو وجد إحدى محارمه في حالة تلبس بالزنا أو وجدها في فراش واحد مع شريكها فقتلها في الحال أو قتل إحداهما أو اعتدى عليهما أو على إحدهما اعتداء أفضي إلى الموت أو عاهة مستديمة، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات”.
ماذا عن الدول العربية
التمييز والأعذار المخففة والثغرات في القوانين العربية تشجع أحيانًا على استمرار ارتكاب جرائم قتل بدعوى الدفاع عن “الشرف”، فمثلًا بالنسبة لدولة مثل الأردن وبحسب جمعية “معهد تضامن النساء الأردني” الحقوقية، سُجلت تسع جرائم قتل أسرية بحق النساء في الأردن منذ بداية عام 2020 ، كما رصدت 21 جريمة من النوع نفسه خلال عام 2019 و 60% من هذه الجرائم وقعت بحق شابات تتراوح أعمارهن بين الـ 18 و 37 عامًا.
أما عن سوريا فسجلت “سوريون” بالتعاون مع منظمتي “مساواة” و “سارا” لمناهضة العنف شمال شرقي سوريا، خلال فترة زمنية حتى 2022 ما لا يقل عن185 جريمة قتل راح ضحيتها نساء وفتيات بذريعة “الدفاع عن الشرف”، وفي مصر رصد معهد “دفتر أحوال” البحثي المستقل وقوع 371 حالة قتل أو إصابة. بدعوى “الشرف” خلال الفترة الممتدة ما بين 1 يناير 2015، حتى 31 ديسمبر 2019.
فترتكب عشرات الجرائم وتُدفن الجثث، وأحيانًا تستقر رصاصة طائشة من سلاح أحد أفراد العائلة في صدر إحدى فتياتها “دون قصد” ولا أحد يعرف عن الجريمة شيئًا، الأمر الذي يجعل أمر إحصاء الظاهرة وأعدادها في بعض الدول شبه مستحيلًا وخاصة مع ثغرات القوانين ومباركات بعض العائلات على غسل العار.