بين السحر والجمال: الرمز والمعنى في الوشوم الشعبية عند جداتنا
كشخص اتولد واتربى في قرية من قرى الصعيد، كان كتير من جداتي وبعض الشابات كمان، وشوشهم وأيديهم ورجليهم مرسومة بوشوم من أشكال هندسية وصور حيوانات وطيور وعلامات مختلفة.
ماسألتش أبدًا عن معاني الوشوم دي، لإني اعتبرت وجودها على أجساد الستات طبيعة الحياة، والطبيعة مش محتاجة سؤال.
عرفت بعدين من جدتي إن السهمين المتوازيين على الوش، دليل على الشجاعة، أما رسم خط من الشفايف لحد الدقن تحت ونقط زرقاء أو خضراء على جنبين الخط، فهو إشارة من البنت لإنها كبرت ومستعدة تتجوز، وده أكده إدوار وليم لين، الرحالة الإنجليزي الذي كتب عن عادات وأسلوب حياة المصريين.
لو مات واحد من أولاد الست وهو صغير، فالست بتدق وشم للطفل اللي ييجي بعده، على شكل نقطة زرقاء أو خضراء في وشه لو كان ولد، وفي كعب رجلها أو على الجبهة لو كانت بنت، ووحيد أبوه وأمه بيتدق وشم على شفته، وبتترسم دايرة جنب المناخير علشان تحميه من الحسد.
ولكل مرض وشم معين علشان يعالجه؛ آلام الأسنان يتدق لها وشم ناحية المناخير، وضعف النظر تدق له تلات خطوط صغيرة متوازية جنب الجبهة، أما اللي عنده بُهاق، فبيتدق له تلات نقط على صباع الإبهام في واحدة من إيديه، والوشم كمان حماية من الحسد.
وبتقول ثناء اللي عندها 80 سنة، من المنيا: “احنا بنرسم الكف أو الخمسة علامة لآل البيت النبوي، يعني لما نعمل خمسة في وش حد يبقى كأننا بنقول له افتكر آل البيت وصلي ع النبي ومتحسدش”.
أما الأقباط، فكانوا بيرجعوا من الحج في القدس، بوشوم من الفن القبطي، اختلفت ما بين رسم الصليب، وأيقونة ميلاد المسيح، والسيدة العذراء، والحمل المقدس، وصورة الملاك ميخائيل وهو يصارع الشيطان، وصورة القديس مار جرجس وهو بيقتل التنين، وده اللي أكده جون كارسول، في كتابه (وحدات الوشم عند الأقباط) سنة 1958.
بيأكد الكاتب حسيني علي محمد في كتابه (رموز الوشم الشعبي) الصادر سنة 2013، إن الوشم عادة بدأت في الدولة الوسطى في مصر القديمة من بداية الأسرة الـ 18 والـ 19، ولكن في 2018، اكتُشفت مومياء ترجع لفترة ما قبل الأسرة الأولى في مصر القديمة، وكان على الجزء العلوي من دراع المومياء وشم، وده بيأكد إن ثقافة الوشم بتمتد لما قبل التاريخ في مصر.
بيقول الناس في الصعيد على الوشم لفظة تانية هي “الدق”، وهي كلمة معناها الرسم، سواء كفعل أو اسم، وبيستخدموا في الدق إبر لحقن الصبغة تحت الجلد.
أما الصبغة، فبتتصنع من مادة “الهباب”، وهي المادة اللي بتطلع من حرق الخشب وخلطه مع الزيوت.
وفي بعض الأماكن، بتتخلط المادة دي مع لبن ست مُرضِعة، وبعد أسبوع بيتدلك مكان الوشم بأوراق نبات البنجر الأبيض، علشان يتحول لون الوشم لأخضر فاتح.
عادة “دق الوشم” استمرت في ثقافتنا المصرية من أكتر من خمس آلاف سنة، ومع الوقت انحصرت في الأرياف، والنهارده تكاد تنقرض، ومش بنشوف آثارها إلا في تجاعيد وشوش ستات عواجيز، بتحكي حكايات عن زمن فات.