ميدوسا: بداية التريند وقراءة في أسطورة أول ضحايا الاغتصاب في الذاكرة الإنسانية

انتشر مؤخرًا تريند على السوشيال ميديا بدأ بفيديوهات قصيرة على التيك توك بهاشتاج #ميدوسا، وانتشر بعدها على مختلف منصات السوشيال ميديا، وبيربط التريند بين صورة الغرغونة (الوحش) اليونانية “ميدوسا” وبين قصص يشيب لها الرأس، بيحكيها ضحايا الاعتداءات الجنسية.

صورة الغرغونة اليونانية (ميدوسا) اللي رافقت تريند حكايات الإعتداءات الجنسية، عن: masrawy

التريند العربي هو ترجمة للتريند الأمريكي اللي نشرت النيويورك تايمز مقال عنه في 2020، واللي كان بيشجع الضحايا على قص حكاياتهم من خلال هاشتاج #metoo، وزيّ التريند العربي بالظبط كان التريند الأمريكي بيربط حكايات الضحايا كانعكاس لقصة ميدوسا اللي كانت من أول ضحايا العنف الذكوري في الذاكرة الإنسانية.

اتقابل التريند العربي بجدل كبير، ممكن يكون السبب هو الصدمة اللي سببتها قسوة الحكايات اللي اتحكت فيه، وكون جزء كبير من المعتدين في الحكايات دي كان من أقرب أقارب الضحايا، وبالتالي كان في هجوم من فئة كبيرة من الناس على الضحايا ومطالبتهم بالصمت بحجة “استروا على نفسكم”، واتقابل في نفس الوقت بتشجيع كبير من فئة تانية اتعاطفت مع الضحايا.

بداية التريند: نحات أرجنتيني وتمثال أنصف ميدوسا

ماكانش النحات الأرجنتيني، لوسيانوا جارباتي، حاطط في دماغه أي توجهات نسوية لما نحت تمثال بالحجم الطبيعي لميدوسا وهي شايلة راس البطل الإغريقي بيرسيوس مقطوعة في إيدها اليمين، وشايلة سيف في إيدها الشمال، وهو شكل مخالف للتمثال اليوناني البرونزي اللي بيصور بيرسيوس يحمل رأس ميدوسا.

تمثال بيرسيوس يحمل رأس ميدوسا المقطوع، عن: visittuscany

ولقيت النسويات في تمثال جارباتي تحقيق عدالة السماء في حكاية اغتصاب الضحية “ميدوسا” واللي فضلت قضيتها عالقة لآلاف السنين، ولإن العقاب والتشهير اللي قابلته ميدوسا هو نفس اللي بتقابله ضحايا العنف الجنسي النهارده، كانت حركة #أنا_كمان لتشجيع الضحايا على اتخاذ ميدوسا مثال على اللي اتعرضوا له.

مين هي ميدوسا أول ضحايا العنف الذكوري في ذاكرة الإنسانية؟

للإجابة على السؤال ده، هنعتمد على اتنين من أهم الملحمات القديمة اللي كتبت تاريخ الأساطير اليونانية؛ ملحمة “فن الهوى” وملحمة “مسخ الكائنات”، والاتنين لنفس الشاعر اليوناني “أوفيد”، وترجمهم للغة العربية الأستاذ ثروت عكاشة، وزير الثقافة المصري السابق.

على حسب الديانة اليونانية القديمة في تفسير خلق الكون، لإن الكون في البداية في حالة فوضى شديدة تحت حكم عملاقة اسمهم الجبابرة titans، وكان لهم ابناء اسمهم الآلهة gods، منهم بوسيدون وزيوس. في عهد الجبابرة كان للبحر إله هو “فوركيس” وإلهة هي زوجته “كيتو”، وهم من الآلهة اللي بتقول عليهم الميثولوجيا اليونانية “آلهة بدئية” يعني كانت موجودة في البداية.

كان لفوركيس وزوجته كيتو تلات بنات، منهم اتنين خالدات “آلهات” وواحدة فانية “إنسانة”، والأخيرة دي كانت عذراء شديدة الجمال اسمها “ميدوسا”، وبعد ثورة زيوس وأخوه بوسيدون على الجبابرة وسجنهم تحت الأرض وسيطرتهم على مقاليد الحكم في جبال الأوليمب، تم نفي فوركيس وزجته كيتو من بلاط الآلهة وأصبح بوسيدون هو إله البحر اليوناني.

فضلت ميدوسا مخلصة لبلاط الآلهة الجدد في جبال الأوليمب، وفي يوم كانت بتصلي للربة الجديدة “أثينا” في معبدها “معبد مينيرفا”، لما ظهر إله البحر الجديد “بوسيدون” وافتتن بالعذراء الجميلة “ميدوسا” الخاشعة في صلاتها، واغتصب ميدوسا.

وعقابًا ليها، تم مسخ ميدوسا لوحش قبيح (غورغونة) وتم تحويل شعرها الجميل لثعابين مرعبة، ومنحها نظرة تحول أي شخص يبص ليها لحجر، وفضلت ميدوسا منعزلة عن الوجود بأكمله في كهف بعيد، لحد ما تجرأ البطل الأغريقي بيرسيوس ودخل كهفها وباستخدام حذائه المجنح وخوذة هادس (إله العالم السفلي) ودرع أثينا اللامع قدر يراقب حركات ميدوسا من غير ما يبص لها بشكل مباشر لحد ما قدر يقطع راسها.

رغم إن الحكاية في شكلها ده هي انعكاس صريح لذاكرة الإنسانية وموقفها من فجر التاريخ في التعامل مع ضحايا العنف الجنسي الذكوري من النساء، إلا إن بعض القرائات النسوية المعاصرة بتقدم ترجمة مثيرة جدًا للقصة.

النسويات الجدد وقراءة معاصرة لأسطورة ميدوسا

بتقرأ بعض النسويات المعاصرات أسطورة ميدوسا بطريقةمختلفة، ولو كنا ماشفنهوش قبل القراءات دي، فتبدأ قراءاتهم بترجمة لفظة “ميدوسا” من اليونانية القديمة، واللي معناها الحرفي هو الحارسة أو الحامية؛ وبالتالي بيعتبروا إنها كانت امرأة قوية ذات نفوذ وكانت بتمثل واحدة من الآلهة البدئية (قبل عهد زيوس وأرباب الأوليمب الجدد)، وإلا ماكانش هيكون اسمها مشتق من الحماية.

درع أثينا، عن: twimg

وبتضيف القراءة الجديدة دي للأسطورة إن ممكن مايكونش تم معاقبة ميدوسا، لإن العقاب لا يشمل منح قوة خارقة (النظرة اللي بتحجر كل من تقع عليه)، وبكده ممكن يكون تم منح ضحية بوسيدون أسلحة للدفاع عن نفسه. وأخيرًا بتأكد القراءة دي إن مقتل ميدوسا على إيد بيرسيوس هو انعكاس لنهاية عهد الربات البدئيات القويات وسيطرة الذكور على الطريقة اللي بيتم بيها قص حكايات النساء، بالذات ضحايا العنف الجنسي الذكوري.

وده اللي يرجعنا لفكرة التريند اللي شوفناه الأيام اللي فاتت في مصر لما قررت البنات والستات المصريات تستغل القصة دي في التعبير عن الجانب الخفي الموجود في بيوت كتير واللي بتتعرض فيه البنات والستات للتحرش أو الاغتصاب من شخص قريب منهم، وبتخاف الضحايا يتكلموا لإنه ممكن يتم لومهم زيّ ميدوسا. وشوفنا ده في القصص المختلفة اللي انتشرت مع التريند، واللي في كتير منها ماكشتفتش البنات عن هويتها.

حكت واحدة من الضحايا عن تعرضها للعنف الجنسي من زوج مامتها وقالت “جوز الست اللي ولدتني، وهي عارفة ولسه بتحبه ورمتني وأنا طفلة 12 سنة واختارته، حاليًا أنا عندي 36 سنة، ولسه بتكرهني وبتحبه، تعبت قوي من حياتي لحد ما أدمنت المخدرات، وحاولت انتحر بكل الأشكال، وحاليًا مدمنة متعافية، بس مش عارفة أنسى اللي حصلي.. ادعولي”، وبنت تانية قالت “جدي وأنا عندي 10 سنين، ولما حكيت اتزعقلي واتقالي إني قليلة الأدب”.

أخر كلمة: ماتفوتوش قراءة: أمل دنقل: الشاعر القناوي اللي كتب عن أوزوريس وسيزيف وزرقاء اليمامة

تعليقات
Loading...