آخر ليلة في مولد السيدة زينب: الحضرات بين الصوفية والمداحين
بعد ما وقفت الموالد في مصر، لمدة تلات سنين بسبب جائحة الكورونا، رجعت الاحتفالات مرة تانية السنة دي، وكان المريدين وعُشاق الأولياء وآل البيت من كل محافظات مصر ومن مختلف دول العالم، بيحتفلوا الأسبوع اللي فات بمولد حفيدة الرسول (عليه الصلاة والسلام)، السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب.
يوم التلات 14 فبراير كان الليلة الأخيرة من مولد أم هاشم، ورحنا نزور المقام ونشارك الناس اللي شدوا الرحال فرحتهم وحضراتهم، وناكل معاهم ونشاركهم أسمارهم وحكاويهم عند السيدة.
على بُعد دقايق من محطة مترو السيدة زينب، كانت أصوات المدح تملأ الفضاء العام، وبدأ الزحام يشتد في حلقة حوالين مسجد السيدة، ووسط الزحمة تشوف أشكال وألوان من الناس.
ناس في جلاليب جاية من الصعيد وعلى ضهرها شنط فيها بطاطين وهدوم علشان هيباتوا تحت أسوار مسجد السيدة، وناس في بدل، وناس سُمر وناس أجانب شُقر، وفي وسط الزحام تسمع شطحات: “مدد يا أم هاشم، مدد يا أم الحسن والحسين”.
وأطفال بتجري بتوزع نفحات السيدة على الزوار والمريدين، من حلويات وأرواح (ملبس)، وعلى طول الطريق بياعين على عربياتهم بيبيعوا فشار وفاكهة وحلويات وألعاب أطفال، وأطفال ملمومين حوالين مراجيح ومبسوطين في حضرة السيدة.
الحضرة: موجات من العشق الإلهي
يقول الفيلسوف الصوفي والشاعر محي الدين بن عربي:
أدين بدين الحب أنَّى توجهتْ ركائبه، فالحب ديني وإيماني
وفي الحواري اللي حوالين مسجد السيدة يشدو المداحين في جلسات موسيقية لها طابع روحاني، بيتقال عنها (الحضرة) بكلام جميل في آل البيت، أو زيّ ما بيقول عمي حسن، واحد من الجالسين في الحضرة: “كلام مليح في كل مليح من آل البيت، يشرح الصدر ويشفي العليل”.
أنوار ما بين الأصفر والأخضر، بعضها شديد وبعضها خافت يمنح الجو لمسة من أسرار الملكوت، ناس قاعدين بياكلوا أو بيشربوا الشاي، وناس متحلقين حوالين المداح وبشكل جماعي منغمسين في حركة جسدية واحدة، يميلوا لليمين ويميلوا للشمال، وهما مغمضين عينيهم، زيّ ما تكون موجة جماعية بتحركهم.
في نص الحلقة، راجلين ماسكين إيدين بعض وبيتحركوا يمين وشمال، ولكن في شيء غريب فيهم، زيّ ما يكون حواليهم هالة من هدوء وراحة، وكأن الموجة الجماعية اللي بتحرك الحلقة هي نبضات من طاقة نابعة منهم.
الروح والجسد في مولد السيدة زينب
يقول الشاعر الصوفي عمر بن أبي الحسن بن المرشد، المعروف بشرف الدين عمر بن الفارض:
زدّني بفرطِ الحبِّ فيكَ تحيُّرا وارحمْ حشى بلظى هواكَ تسعَّرا
وإذا سألتكَ أنْ أراكَ حقيقةً فاسمَحْ، ولا تجعلْ جوابي: لن تَرَى
إنّ الغَرامَ هوَ الحَياة، فَمُتْ بِهِ صَبّاً، فحقّكَ أن تَموتَ، وتُعذَرَا
يقول جوزيف، أمريكي بيزور مولد السيدة للمرة الأولى: “لما بزور بلد جديد بحب أختبر ثقافته الشعبية، وبالنسبة لي أبرز أشكال الثقافة الشعبية هي الشعائر الدينية”.
بيضيف جوزيف، الجالس وسط حلقة مدح: “تجربة موالد الأولياء في مصر مختلفة عن أي تجربة دينية اختبرتها، بتتشابه أكيد مع تجارب صوفية من أديان وبلاد تانية، ولكن تظل التجربة المصرية لها خصوصيتها”.
وعن الخصوصية دي سألنا كاثرين، صديقة جوزيف اللي كانت قاعدة على قهوة بلدي في نفس الحارة، وبتتابع الحضرة وهي حاطة طرحة سوداء على شعرها الأشقر: “الخصوصية هنا في التركيبة الثقافية المصرية، يعني أكيد مش هتلاقي أي تجربة تانية في العالم شبه التجربة الصوفية المصرية بالظبط”.
وبتضيف: “من أول طرق التواصل الروحاني باستخدام الشعر والموسيقى، للحركات الجسدية البطيئة والمتأنية”.
الساعة تلاتة الفجر، كنا خلصنا ومروحين.. الجو برد، وجعانين، والناس تحت أسوار مسجد سيدة الديوان، وفي الشوارع فارشين ومتغطيين ونايمين.
قعدنا في محل فول وطعمية وطلبنا فول وطعمية ومسقعة وجرجير، واسترجعنا اللي حصل في اليوم، وأد إيه كنا مبسوطين، واستغربنا ازاي معملناش كده قبل النهارده، وفضلنا ندور على الموالد اللي هتقام قريبًا في مصر، من مولد السيد البدوي في طنطا، لمولد المرسي أبو العباس في إسكندرية وغيرها.
وفي موالد مصر القادمة هنكون هناك وهنجيب لكم معانا حكايات جديدة.