أجيال ورا أجيال.. علامات فارقة شكلت الوعي بالقضية الفلسطينية
ربحنا جيل كنا نخشى عليه أن ينسى… ينسى القضية الفلسطينية، يكبر وينخرط في وسط دعوات التطبيع الثقافي والشعبي وغيره، ولكن ما شاهدناه في الأيام الأخيرة بعد طوفان الأقصى من فيديوهات لبعض الأطفال من مظاهرات في المدارس أو أسئلتهم عن القضية وبحثهم المتواصل ورفع الأعلام في كل مكان ووعيهم ورفضهم بمشاركة أي شيء يتعلق بالكيان الصهيوني.. “كبر قلبنا” مثلما تقال في الشام، وأصبح هناك جيل جديد على قدر من الوعي والمعرفة وقادر على التفرقة بين الحقيقي والمزيف وحفظ العدو والقضية عن ظهر قلب .. ذلك الجيل من أطفال المدارس أو المراهقين تشكل وعيه من طوفان الأقصى، فماذا عن الأجيال السابقة؟ كيف تشكل وعيهم بالقضية؟
المدرسة الداخلي كانت البداية
يحكي لنا عم أنور، من مواليد الأربعينات، عن بداية وعيه بالقضية فيقول إنه في آواخر الخمسينات بعد العدوان الثلاثي على مصر وبعد حرب فلسطين وبعد ثورة 23 يوليو والتي كانت واحدة من أسبابها صفقة الأسلحة الفاسدة التي تسببت في خسارة حرب فلسطين، فبدأ يتشكل وعيه من خلال المدرسة الداخلي الثانوي التي انتقل عليها من القصير في البحر الأحمر لأخرى في حلوان، حيث كانت تلك المدرسة تضم عدد من الطلبة في كل الدول العربية وعلى رأسهم طلاب من غزة ومن الضفة الغربية، طلاب فلسطينيين.
فكان يتذكر جيدًا في الإذاعة المدرسية عندما كانت تذاع الأخبار السياسية، بعض الطلاب الفلسطينين يهتفون لجمال عبد الناصر “كان بالنسبة لهم جمال هو أمل التحرير، كنا بنلف الشوارع بالمظاهرات ومن وقتها عرفت يعني إيه قضية ويعني إيه وحدة عربية، وعرفت منهم مين هي فلسطين ويعني إيه اسرائيل ويعني إيه كيان مغتصب”.
حرب السادس من أكتوبر
عبد المجيد من مواليد الستينات يحكي لنا “كان عندي 13سنة وقت حرب أكتوبر ،كنا بنسمع البيانات العسكرية من الراديو، وماكناش بنبقى فاهمين حاجة لإن وقتها مكانش في إعلام وإنترنت نفهم منه زي دلوقتي، وبعد الحرب والعبور بدأت اكتشف شوية بشوية، مين إسرائيل دي أصلًا وبدأنا نرسم في المدارس صور حقيقة من الحرب وبدأوا يعلمونا ويحكوا لنا الحكاية والتاريخ من أوله، قبل ما تنزل الحرب في المناهج، وعرفت عن النكسة وبسببها احتل الكيان قطاع غزة و شبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان في سوريا والضفة الغربية، وعرفت إن إسرائيل كيان مغتصب للحقوق وعرفت أن أرض أخواتنا محتلة من سنة 48 مش بس من 67”.
الدرة أيقونة الانتفاضة الفلسطينية
تقول سمر من مواليد التسعينات ” حادثة محمد الدرة في وقت انتفاضة فلسطين، كنت في ابتدائي مكنتش فاهمة يعني إيه طفل يموت كده عادي وهو في حضن أبوه، المشهد ده لف العالم كله وبقى أيقونة الانتفاضة، لسه فاكرة لحظة عرض الضرب على القناة الأولى، معرفتش ساعتها أنام بعدها كنت بسأل ماما “مين يقدر يعمل كده؟ مين يجي له قلب؟ وطلع عادي في ناس بيجي لها قلب! كانوا بيطلعونا مظاهرات في المدارس بعد الحادثة دي، ومن وقتها بدأ أقرأ على قد سني في القضية وماما كانت بتجيبلي قصص أفهم منها أكتر” .
الأعمال السينمائية والدرامية كانت المحرك
تقول أميرة من مواليد آواخر التسعينات والتي لم تعاصر حدث بعينه ولكن حضرت الأعمال الفنية والسينمائية التي نفذت دعمًا للقضية والتي كانت أغلبها في الألفينيات بعد الدرة والانتفاضة ” خلتني أشوف حاجات مكونتش بشوفها، لإني ماكونتش بتعرض لنشرة أخبار ولا غيره، من الأفلام والأغاني ومن لقطات كانت سيئة وبشعة فيلم زي “أصحاب ولا بيزنس” أو أغنية زي “الضمير العربي” أو مشهد زي حرق العلم في “صعيدي في الجامعة الأمريكية”، أو حتى من مشهد واحد زي فيلم “رحلة حب”، كانت بتخلينا نبكي ونتأثر من غير ما نبقى فاهمين في السياسة .. مشاعر حركتنا، وخلقت عداوة من وقتها عمرها ما انتهت”.
بيتنا كان الأساس
يحكي لنا حامد من مواليد الثمانينات أن الوعي الأساسي تشكل من الأسرة ،إذا كانت الأسرة سوية وملمة بأساليب التربية الصحيحة، لابد أن تبدأ بها من السنوات الأولى، ولا تنتظر حدث بعينه ” فاكر كويس لما كنت برجع من المدرسة بلاقي النشرة شغالة، والدي كان بيتعمد يوريني بيحصل إيه ويحكي لي، كان عنده الكوفيه الفلسطينية بيوريهالي ويحكي لي عن تاريخها ورموزها”.
بالنظر لتلك القصص، ستجد أن أغلبها أحداث هي التي جعلت الناس تبحث ورائها، عاشتها وعاصرتها أو تعلمتها وبالتالي شكلت وعيها.