في ذكرى صوت القضية الفلسطينية: ريم بنا وأناشيد الحب والحرب والمقاومة
ريم بنا هي مطربة وملحنة فلسطينية، اتشهرت في العالم العربي وأوروبا بأغانيها الوطنية، وبنشاطها الحقوقي ومشاركتها في الاحتفالات اللي بتدعم حقوق الإنسان.
اتولدت في مدينة الناصرة الفلسطينية سنة 1966، وسافرت لموسكو لدراسة الموسيقي في المعهد العالي للموسيقى، واتخرجت منه في سنة 1991، بعد ست سنين من الدراسة.
في موسكو، قابلت زميلها الأوكراني يونيد أليكسيانكو، اللي بقى زوجها وأبو أولادها التلاتة، ولكن انفصلت عنه ورجعت تعيش في الناصرة مع أولادها.
مسيرة البنا الغنائية ركزت على تقديم التراث الفلسطيني للعالم، واتشهرت بسبب أغانيها الوطنية، وفي 2009 اتشخصت بمرض السرطان، وقدرت تنتصر عليه، ولكن في سنة 2015 رجع لها المرض مرة تانية وأصاب أحبالها الصوتية.
كتبت سنة 2016 على حسابها على الفيسبوك: “إن صوتي الذي كنتم تعرفونه توقف الآن عن الغناء الآن أحبتي وربما سيكون ذلك إلى الأبد” في إعلان عن توقفها عن الغناء.
حاربت ريم المرض بشجاعة للمرة التانية، وكان عندها أمل، وفي مارس 2018 كتبت لأولادها على حسابها في موقع فيسبوك رسالة مؤثرة قالت فيها: “سأجري كغزالة إلى بيتي، سأرتب البيت وأشعل الشموع، وأنتظر عودتكم في الشرفة كالعادة، أجلس مع فنجان الميرمية، أرقب مرج ابن عامر، وأقول.. هذه الحياة جميلة”.

في صباح يوم 24 مارس 2018، ماتت ريم بعد صراع مع سرطان الثدي، في برلين، وفي نفس اليوم كتبت والدتها على حسابها الشخصي على فيسبوك: “رحلت غزالتي البيضاء، خلعت عنها ثوب السقام، ورحلت، لكنها تركت لنا ابتسامتها، تضيء وجهها الجميل، تبدد حلكة الفراق”.
أغاني ريم بنا: هذا الكلام بلا فمٍ
تنوعت أغاني ريم بنا ما بين الشعر العربي الصوفي، والتراث الفلسطيني، والأغاني الوطنية اللي بتناقش القضية الفلسطينية، وضافت لكلمات الأغاني القوية صوتها الملائكي، وأسلوبها اللي بيجمع بين القوة والوضوح والنعومة.
ولحنت كل أغانيها بألحان امتازت بالهدوء والرقة أحيانًا، والصخب الغاضب في أحيان تانية، وتنقلت ما بين أنواع مختلفة من الموسيقى العالمية، ولكن اتفقت كل ألحانها في قوة التعبير والتناسق التام مع الأسلوب الغنائي والكلمات اللي بتغنيها.
غنت من الشعر الصوفي الكلاسيكي، قصيدة الشاعر المصري الصوفي شرف الدين بن الفارض، زدني بفرط الحب فيك تحيرًا، وقدمتها بأسلوب بديع قدرت تنقل من خلاله تجليات العشق الإلهي في كلمات بن الفارض، مع ألحان بسيطة ولكن فيها طبقات موسيقية متعددة، زيّ ما تكون تراتيل صلاة.
غنت قصيدة الغائب من كلمات شاعر المقاومة الفلسطيني راشد حسين، اللي كرس شعره لمقاومة الاحتلال الاسرائيلي وحكمه العسكري.
وبيقول حسين في مطلع قصيدته:
الله أصبح لاجئاً يا سيّدي
صادر إذن حتّى بساط المسجد
وبع الكنيسة فهي من أملاكه
وبع المؤذّن في المزاد الأسود
واطفئ ذبالات النجوم فإنّها
ستضيء درب التائه المتشرّد
حتّى يتامانا أبوهم غائب
صادر يتامانا إذن يا سيّدي
غنت ريم القصيدة بأسلوب غاضب مستكين، بيعبر عن كلمات القصيدة المشحونة بالغضب قليل الحيلة، زيّ ما بتقول الكلمات: “هذا الكلام بلا فمٍ.. هذا الكلام بلا يدِ”.
وجت ألحانها بتعبر عن آلم خسارة الوطن والشعور بالقمع، ولكن في طبقة منها هتحس بالأمل المصحوب بقوة صوت ريم وهي بتصرخ: “حتى يتامانا أبوهم غائبُ، صادر يتامانا إذن يا سيدي”.
وفي طبقة من السخرية الحزينة من قوة المُحتل وضعف المستعبد، بتظهر في صوت ريم ودقة الطبول في الخلفية وهي بتقول: “لا تعتذر! مَن قال أنّك ظالم، لا تنفعل! مَن قال أنّك معتدي”.
من التراث الفلسطيني غنت ريم “يا طالعين عالجبل”، وفي الفيديو ده بتظهر فلسطين من لقطة علوية، على صوت ريم بتغني من غير موسيقى، وبيظهر أداءها الفلكلوري المبهج، مع صوتها الجميل صاحب الطبقات الواسعة، واللي بيضيف الموسيقى على الكلمات من غير ما تحتاج لآلات موسيقية.
وتقدر تحس في أدائها بالرابط القومي القوي اللي بيجمعها مع تراثها الوطني في شغف الغناء وحيوية الأداء النابض بالحياة، ووصف جمال الطبيعة الفلسطينية.
انتقلت ريم بنا لمملكة السماء، بابتسامة مقاومة وقلب عاشقة، وبرسائل عن الأمل والحب والصمود، وسابت وراها عشاق في كل أرض الله، وموسيقى هي تراتيل سماوية وابتهالات علوية، وأناشيد في الحب والحرب، ونفير للدفاع عن الوطن ضد المحتل ودولته العسكرية، ولو من خلال كلمات بتسبب له ذعر، رغم إنها “بلا يدِ”.