وانقلب السحر على الساحر.. كيف تحول آغا الحرملك من خادم لصاحب نفوذ؟

فئة استغلت تواجدها في القصر العثماني وبالتحديد داخل جناح الحريم “الحرملك”، كتب عنهم الكثير من القصص والأساطير لما أُثير حولهم من غموض طوال تاريخ الدولة العثماني، موقعهم بالقرب من الحرملك حيث المكان الذي يجمع زوجات السلاطين والجواري المفضلات ومن جانب آخر قربهم من السلطان أعطاهم صلاحيات ليكونوا ذوي شأن في تاريخ تلك الدولة والسيطرة عليها.. إنهم آغاوات الحرملك.

آغوات الحرملك .. عبيد أصحاب نفوذ وسلطة

في البداية نحب أن نذكر، أن مسألة تشغيل آغاوات الحرملك لم تكن حكرًا على العثمانيين فقط، فقد كان آغاوات الحرملك موجودين في قصور روما وبيزنطة والصين ومصر وإيران.

من العبيد المولودين مخصيين أو من تم إخصاؤهم لاحقًا، حيث كانت بعض القبائل في إفريقيا تقوم بإخصاء ذكور أعدائها بعد هزيمتهم في الحرب كعلامة على النصر ولكي يقطعوا نسل أعدائهم، بعد ذلك يبيعونهم في أسواق العبيد، بعد وصولهم للقصر يتم تدريبهم وتهذيبهم على فنون عديدة منها الإدارة والخدمة.

كان بعضم على درجة عالية من العلم والثقافة لدرجة أن يقوموا بوظيفة الـ”لاله” للأمراء (لاله هو المعلم الذي يتولى تنشئة الأمير وتعليمه منذ طفولته) وبعض السلاطين كانوا أكثر ميلًا إلى أخذ النصيحة منهم أكثر من أخذها من الوزراء أو الوزير الأعظم. 

هم من أكثر الأمور المثيرة للاهتمام في حياة الشرق القديم، مسؤولين عن حفظ النظام والانضباط في الحرملك الذي كان دخوله محرمًا تمامًا على الذكور ولكن آغوات الحرملك ولإنهم تم إخصائهم فلا خوف عليهم، فكانوا حلقة وصل بين الحرملك والعالم الخارجي، ولهذا السبب أيضًا لم تحدث أي واقعة منافية للآداب والأخلاق في القصر العثماني على مدار 600 سنة.

متى انقلب السحر على الساحر؟

في البداية استخدمهم سلاطين العثمانيين جواسيس على النساء والجواري، حيث يقدر عددهن بالآلاف تجمعن من مختلف بلدان العالم، ومن ثم لم يأمن سلاطين العثمانيين على أنفسهم داخل الحرملك خشية الاغتيال على يد امرأة، فجندوا آغاوات الحرملك لمتابعة كل حركات النساء وسلوكهن. ولكن انقلب السحر على الساحر وفقًا لـ” أسرار الحرم في البلاط العثماني؛ مذكرات تاريخية – اجتماعية – أخلاقية” لخير الدين آغا. ولكن كيف انقلب السحر على الساحر؟

لإن تلك الفئة كانت تمارس أعمالها في أخطر مركز من مراكز صنع القرار في الدولة “الحرملك” فكانوا على علم بكل آسرار وخبايا الدولة، ووفقًا لكتاب “تاريخ الدولة العثمانية” لـروبير مانتران ترجمة بشير السباعي، إن منذ القرن السابع عشر وبسبب ضعف السلاطين وزيادة نفوذ الحريم، تعاظم نفوذ آغا حتى أخذ يتدخل في تعيين الصدور العظام وعزلهم “الأمراء والوزراء”، كما استطاع من خلال نفوذه الواسع التأثير في السلاطين أنفسهم.

الأمر الذي وصل بهم للاشتراك في المؤامرات مع سيدات الحرملك من أجل حصول النساء على رضا السلطان، ووصول تلك الجواري وأبنائهن للعرش، حيث نشأ صراع بين سيدات الحرملك من أجل كسب رضا الآغا وفي مقدمتهم “رئيس الخصيان في القصر”.

ما زاد من نفوذ آغاوات الحرملك أيضًا أن حركة ترقياتهم كانت في يد نساء الحرملك، مما دفعهم إلى التقرب من الجواري المفضلات للسلطان، وتنفيذ ما يردن من جرائم، وكانت النتيجة دائمًا مثمرة بعد أن سيطرت النساء على عقول سلاطين العثمانيين، وأصبحن المتحكمات في كل شيء، فكانت تجمعهم مصلحة مشتركة، حتى والدة السلطان كانت تعتبره بمثابة رئيسًا وزاريًا.

وسطر التاريخ واحدة من مؤامرات الآغا والحرملك، قيام واحد منهم بخنق السلطانة صفية والدة السلطان محمد الثالث أثناء نومها بتحريض من غريمتها في الحرملك، وحادثة اخرى روتها الكتب ما فعلته “بورتو سلطان” زوجة السلطان مراد الخامس التي استعانت ببهرام آغا لمقابلة عشيقها، وتطور الأمر إلى أن أصبح مؤامرة كبرى كادت أن تطيح بالسلطان العثماني مراد الخامس من على عرشه، وكان المتولي لكافة الأمور هو بهرام آغا وذلك وفقًا لدراسة بعنوان “الخصيان وأثرهم في الدولة العثمانية” لـ سنان صادق جواد.

وقد أكد المؤرخون أن تدخل نساء الحرملك بما فيهم أمهات وزوجات السلاطين بمساعدة الأغوات، كان من أهم عوامل التقهقر في الدولة العثمانية؛ إذ نتج عن تدخلهن وقائع وحوادث سيئة وأليمة في التاريخ العثماني، ضربت في نسيج الدولة.

“وهكذا تحول الخدم الذين يقومون في الحرملك لخدمة النساء إلى السادة بعد أن فوضهم بكل سلطاته فأصبحت تتلقى منهم الأوامر بدلًا من أن تصدرها لهم” من كتاب مأساة مدام فهمي لصلاح عيسى.

ومع إلغاء الخلافة ونفي أفراد العائلة الحاكمة تم إخراج الجواري وآغاوات الحرملك من القصر وانتهى عصر الآغا الذي تحول في صفحة من صفحات التاريخ لصاحب كلمة مسموعة.

آخر كلمة: ماتفوتوش قراءة: المشربية: جمعت ما بين الجمال والوظيفة على جدارن البيوت القديمة

تعليقات
Loading...