نساء وأطفال السودان: الضحايا الصامتون في صراع الجنرالات

Women who make up the gardening association of Korsi refugee camp in Birao pose for a photo on August 10, 2024. Refugees have organized themselves into various groups to try and support themselves while also healing from the trauma they lived during the war in Darfur. - The fighting in Sudan, which has killed tens of thousands and displaced a fifth of the population, has continued unabated despite the ongoing mediation efforts. Both forces have been accused of war crimes, including targeting civilians, indiscriminately shelling residential areas and looting or obstructing aid. (Photo by Amaury Falt-Brown / AFP)

خلال العقود الأخيرة، شهد السودان حروبا عديدة وتحولات سياسية واجتماعية عميقة، تركت أثرًا واضحًا على أوضاع النساء والأطفال، الذين يواجهون تحديات جسيمة.

تعاني شريحة واسعة من النساء والأطفال من مشكلات متشابكة تشمل العنف المنزلي والجسدي، وارتفاع معدلات الفقر، ونقص شديد في الرعاية الصحية والخدمات التعليمية الأساسية، خاصة في مناطق النزاعات المسلحة.

ورغم هذه التحديات، تعمل منظمات محلية ودولية إلى جانب الحكومة السودانية على إطلاق مبادرات تهدف لتحسين ظروفهم، من خلال برامج دعم التعليم، وتوفير الخدمات الصحية، وتمكين النساء اقتصاديًا واجتماعيًا.

لكن هذه الجهود تواجه صعوبات كبيرة نتيجة تزايد النزاعات، وضعف البنية التحتية، وانعدام الاستقرار السياسي.

ماذا فعلت الحرب بالنساء والأطفال بالسودان؟

خلفت الحرب التي اندلعت في 15 أبريل 2023 بين الجيش السوداني و الدعم السريع أزمة إنسانية هي الأكبر عالميًا وفقًا لتقارير الأمم المتحدة.

التقرير يشير إلى أن أكثر من 8 مليون نازح نتيجة الحرب، يشكل 88% منهم من النساء والأطفال.

كما يواجه أكثر من 4 مليون سيدة وطفلة خطر الاعتداءات الجنسية، وهناك تقارير مقلقة عن وجود أسواق لبيع النساء في السودان.

الوضع في السودان يتفاقم بشكل غير مسبوق، ويحتاج إلى تدخل عاجل من المجتمع الدولي لحماية النساء والأطفال.

نزاعات دارفور، وجنوب كردفان، والنيل الأزرق ساهمت بشكل كبير في تدهور وضع النساء والأطفال، حيث تعرضوا لمخاطر القتل، والاغتصاب، والتهجير القسري.

تُظهر التقارير أن النساء والأطفال في هذه المناطق هم الأكثر تضررًا من آثار النزاع، بما في ذلك فقدان الأمان، وتعطيل التعليم، ونقص الرعاية الصحية، مما يزيد من معاناتهم في ظل غياب الأمن والاستقرار.

الوضع الصحي للأطفال في السودان

يعاني القطاع الصحي في السودان من تدهور كبير حيث توقفت 80% من المرافق الصحية في مناطق النزاع، في ظل نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية.

تظل الأمراض المعدية وسوء التغذية من أبرز أسباب الوفيات بين الأطفال، مع انتشار أمراض مثل الكوليرا، والملاريا، وحمى الضنك، والحصبة بنوعيها.

تشير تقديرات المنظمات الدولية إلى أن حوالي 3.4 مليون طفل دون سن الخامسة معرضون بشكل كبير لخطر الإصابة بالأمراض الوبائية.

الوضع الصحي للنساء

يعاني القطاع الصحي من نقص حاد في الموارد والبنية التحتية، مما يفاقم المخاطر الصحية للنساء، لا سيما في حالات الحمل والولادة.

تشير الإحصائيات إلى معدلات مرتفعة لوفيات الأمهات في السودان، حيث تصل إلى حوالي 270 وفاة لكل 100 ألف ولادة حية.

وهو رقم يفوق بكثير المعدل المسجل في دول مثل الولايات المتحدة، الذي يبلغ 21 وفاة فقط لكل 100 ألف ولادة حية.

اعتداء جنسي أمام أسر الضحايا

العنف ضد النساء يمثل إحدى القضايا الملحة في السودان، حيث تعاني العديد منهن من العنف الجسدي والجنسي داخل المنازل وفي المجتمع.

بحسب تقارير لجنة الأطباء، وصلت شهادات النساء اللاتي تعرضن لاعتداءات جنسية في السودان إلى 417 حالة.

وتشير التقارير إلى أن 70% من الانتهاكات تحدث بشكل جماعي وأمام أسر الضحايا كنوع ممنهج من الإذلال.

ورغم وجود قوانين تجرّم العنف ضد النساء، فإن تطبيقها يواجه عقبات كبيرة بسبب الثقافة المجتمعية والعادات الراسخة التي تقلل من فرص النساء في الحصول على العدالة.

وباء عنف جنسي

أطلق وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، توم فليتشر، تحذيرًا قويًا خلال زيارته الأخيرة إلى السودان.

وصف فليتشر الوضع بأنه “وباء عنف جنسي” يطال النساء في البلد الذي يعاني من ويلات الحرب.

وأشار إلى أن نطاق هذه الاعتداءات وصل إلى مستوى “غير مقبول”.

وأعرب عن شعوره بالخجل لعدم قدرة المجتمع الدولي على حماية النساء، قائلاً: “أشعر بالخجل من أمثالي الرجال بسبب ما فعلوه”.

السودان: أسوأ أزمة تعليمية في العالم

يُعتبر التعليم من أبرز التحديات التي تواجه النساء والأطفال في السودان.

تُظهر التقارير نسبًا مرتفعة لعدم التحاق الفتيات بالمدارس نتيجة الفقر والأعراف الاجتماعية التي تُفضل تعليم الذكور، إلى جانب نقص المدارس في المناطق الريفية.

أما الأطفال في المناطق المتأثرة بالنزاع، فيواجهون تحديات إضافية بسبب الهجمات على المدارس والنزوح الجماعي الذي تسبب في تعطيل العملية التعليمية.

فقد 90% من الأطفال في البلاد عامًا دراسيًا كاملاً، مما أثر على 19 مليون طفل في سن الدراسة.

تخبرنا الأرقام أن 17 مليونًا خارج المدارس حاليًا، و7 ملايين طفل منهم كانوا خارج النظام التعليمي حتى قبل بداية الحرب.

وبذلك، أصبحت السودان تعاني من أسوأ أزمة تعليمية في العالم، حسب تقديرات منظمة يونيسيف.

تهميش النساء: لا مشاركة اقتصادية أو سياسية

تواجه النساء في السودان تحديات كبيرة لدخول سوق العمل والحصول على فرص لائقة.

الأعراف الاجتماعية والتقاليد الثقافية تُقيد مشاركتهن في الاقتصاد الرسمي، حيث يقتصر دورهن غالبًا على العمل المنزلي أو الزراعي غير المأجور.

المفارقة المؤلمة تكمن في أن النساء السودانيات اللاتي كُن في الصفوف الأولى خلال ثورة ديسمبر 2018 التي أسقطت حكومة عمر البشير في 11 يناير 2019، وجدن أنفسهن مهمشات ومستبعدات من مراكز صنع القرار في الحكومة الانتقالية، رغم مساهماتهن وتضحياتهن.

الوعود بتخصيص نسبة 40% للتمثيل النسائي في العملية السياسية ظلت حبرًا على ورق، حيث كانت النسب أقل بكثير مما وعدن به، مما يعكس إخفاقًا في تلبية تطلعات النساء السودانيات.

ورغم أن النساء يشكّلن جزءًا كبيرًا من القوة العاملة الزراعية، إلا أنهن يعانين من صعوبة الوصول إلى وظائف بأجر في المدن أو القطاعات الرسمية، مما يعمّق فجوة الفرص بين الجنسين.

بارقة أمل: ماذا بعد الحرب؟

على الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه النساء والأطفال في السودان، إلا أن هناك بارقة أمل في المستقبل بعد القضاء على قوات الدعم السريع.

بعد الإطاحة بنظام البشير في عام 2019، بدأت الحكومة الجديدة في اتخاذ خطوات نحو تحسين أوضاع النساء.

ألغت الحكومة السودانية قوانين كانت تميز ضدهن، مثل قانون “الحشمة” الذي كان يفرض على النساء ارتداء ملابس معينة.

كما بدأت بعض المنظمات الدولية والمحلية في تقديم الدعم للنساء من خلال برامج تمكين اقتصادي، وبرامج تعليمية، والمساعدة في الوصول إلى الخدمات الصحية.

ولكن يبقى سؤالًا معلقًا: هل تشهد النساء والأطفال في السودان أي تغيير بعد الحروب الداخلية؟

آخر كلمة ماتفوتوش قراءة: غضب عربي متصاعد: كيف رد العرب على المجازر الإسرائيلية في غزة؟

تعليقات
Loading...