من أمنا الغولة لأبو رجل مسلوخة: ازاي حكايات الطفولة كانت سلاح ثلاثي الأبعاد لكل أم وأب؟
“لو ماكلتش أكلك كله هجيب لك أبو رجل مسلوخة ياكل ودانك.. لو ماسمعتيش الكلام ونمتي على طول هجيب لك أمنا الغولة هي اللي تنيمك.. لو ماتغطتش وأنت نايم كويس السلعوة هتيجي تعضك من رجلك.. تيجي أحكيلك قصة العفريت في الجنينة؟”.
حكايات ماتعدهاش عن خرافات وأساطير مخيفة اتعود الأهالي والجدود يستخدموها في كلامهم، أو في حواديتهم اللي بيحكوها علشان الأطفال يسمعوا الكلام أو ينفذوا طلب معين هما عايزينه، وفي اعتقادهم إن الطريقة دي في التربية هتجيب نتيجة سريعة، وهي فعلًا في أغلب الأحيان كانت بتجيب نتيجة والأطفال بيعملوا المطلوب منهم قبل ما ييجي أبو رجل مسلوخة ياكل دراعهم.. ولكن هل الأسلوب ده في التربية على المدى الطويل ممكن يعدي كده من غير أي تأثيرات نفسية، ولا الموضوع له أبعاد تانية؟
ليه الأهالي بيلجؤوا للأسلوب ده في التربية؟
ممكن يكون بغرض السيطرة على الأطفال باستخدام أسلوب الترهيب، وعلشان يجبروهم على فعل سلوك معين أو منعهم من سلوك تاني، فالأهالي مابيلاقوش قدامهم غير الحكاية المرعبة علشان الطفل مايفكرش يقوم تاني من على السرير، ومايلاقيش قدامه غير مساحته الصغيرة الآمنة، وأمه أو جدته جنبه اللي بتحكي له الحكاية، وبرغم إن في الغالب الموضوع بيتم بشكل غير متعمد، بس ده بيخلينا نفكر إن في عادات وأفكار كتير موروثة غلط عن التربية.
رأي الطب النفسي
دكتور جاسم حاجية، الاستشاري النفسي للأطفال، اتكلم عن تأثير حواديت التخويف، وحمل الأمهات المسؤولية ورا ضياع قيم حواديت قبل النوم، وقال: “اللجوء للحواديت الللي بتبث الرعب في قلوب الأطفال، له آثار سلبية على نفسية الطفل وبيخليه عرضة للاضطرابات النفسية والقلق بجانب الكوابيس والأحلام المزعجة”.
بجانب تحذيرات الدكاترة، في تحذيرات من تقارير طبية، اللي بتعتبره من أشكال العنف غير المباشر اللي بيتم ممارسته على الطفل ويسبب عدم الثقة بالنفس، بجانب إنها بتأثر في شخصية الطفل وتخليه متعود على تربية الخوف اللي بتستمر لفترات طويلة، وده لإن الطفل بيتولد وعنده مستوى طبيعي من الخوف الانفعالي، ودي حالة خاصة بغريزة حب الذات، تتبع ردود فعله تجاه الأشياء والأحداث اللي بتكون عالمه ومش بيمثل أي خلل في سلوكه، طالما كان في إطاره المعقول والطبيعي، ولكن إذا زاد الخوف عن الحد الطبيعي، فهنا بتبقى المشكلة وبيتحول لخلل في السلوك.
وبتضيف على الكلام أميرة بدران، المستشارة الاجتماعية والأخصائية النفسية، إن الخوف الزايد عن الحد والناتج عن الحكايات المرعبة بيوصل للحد المرضي وبيخلي الأطفال غير قادرين على ممارسة حياتهم وأدوارهم الطبيعية المطلوبة منهم، وممكن يتسبب في أنواع من الفوبيات اللي بترتبط في ذهنهم، وبالتالي أسلوب التخويف أمر مرفوض لإنه يزعزع “الأمان” للطفل، ودي من أهم الاحتياجات النفسية له علشان ينمو نفسيًا بشكل صحيح.
والتربية الإيجابية بتحد من استخدام التخويف، لإنه على الجانب العقلي بيطور خيال الطفل تجاه الأشياء المزعجة، بدل ما ينمو ويتطور بالاكتشافات العلمية، وكإن الترهيب يؤذي إبداع الطفل ويحجمه.
الفلسفة رأيها إيه؟
في نظرية لسيغموند فرويد بتعكس كلام الدكاترة، وبتقول ممكن تكون حكاوي الرعب والأفلام اللي بيتفرجوا عليها بشكل عام مالهاش التأثير السلبي المبالغ فيه، وبتقول إن الأطفال بتحب الحكايات المرعبة، والإنسان بيتولد وجواه غرائز عدوانية ورغبة دائمة وبدائية في العنف، ممكن تكون اختفت بفعل المدنية اللي بقت تجرِّم العنف، ولكن دي نفس الرغبة اللي حفزت ظهور الرياضات العنيفة، اللي بتتلخص متعتها في الأذى الجسدي والعنف المتبادل بين اللاعبين لإنها بتشبع رغبات معينة عندهم.
وده بيفسر إن أوقات كتير الأطفال هما اللي بيطلبوا يسمعوا تاني الحكايات المرعبة عن الجن والعفاريت، كون إن الطفل لسه كإنه في حالته البدائية، فتلامس الحكايات المرعبة مع الجزء البدائي جواهم، بالإضافة إنها بتشبع فضولهم الطفولي عن الظواهر اللي ماعندهمش لها تفسير، وبيعتبروه “الخوف الآمن”.
لكن بعد ما قرينا وجهة نظر الطب والفلسفة، وحتى لو الأطفال عندهم رغبة وممكن يكونوا بينجذبوا لقصص الرعب أحيانًا، هل ده يمنع التأثير السلبي للموضوع؟
التربية الحديثة شايفة إن في أساليب كتير ممكن نعلم بها الأطفال غير الترهيب أو التخويف، أو إننا نعودهم على سماع قصص رعب، زيّ استخدام أساليب المدح والتشجيع بدل الترهيب، وإننا ندور في حواديت قبل النوم على القيم اللي ممكن نقدمها لهم، لإنها فرصة تساعد نمو العقل بشكل سليم وتنمي عنده ملكة الخيال، بجانب إن حواديت قبل النوم بتدي جرعة من الحميمية بين الأهل والطفل بعد ساعات طويلة بيفتقدوهم فيها طول النهار.