مركز رمسيس ويصا للفنون: عن تمكين الناس البسيطة والإيمان بالإبداع داخل الجميع
على بعد حوالي 25 دقيقة بالعربية من المعادي تقع قرية الحرانية، في الجيزة، ومن النظرة الأولى على مدخل القرية هتبان كإنها قرية عادية من قرى الجيزة، ولكن لما تقرب من مركز المهندس “رمسيس ويصا واصف للفنون” بتتغير رؤيتك للمكان بشكل كامل.
بدأت رحلة المركز سنة 1952، على إيد رمز مصري هو “رمسيس ويصا واصف”، ابن السياسي الكبير والنائب الوفدي المعروف ويصا واصف باشا اللي كان رئيس البرلمان المصرى.
درس واصف الهندسة المعمارية ودرس بعدها تاريخ الفن، واصبح رئيس قسم العمارة في كلية الفنون الجميلة، جامعة القاهرة، لحد وقت وفاته. بدأ مشروعه في قرية الحرانية بإيمان قوي إن الأطفال عندهم عقول حرة، لسه ماخضعتش لقيود الواقع، وبالتالي خيالهم الخصب قادر على إنتاج فن مميز، وانطلق برؤيته إننا نقدر نحول كل طفل لعبقري نشيط.
بيقول إكرام نصحي، مدير المركز النهارده، إن رؤية واصف انطلقت من إيمان إن كل طفل بيتولد بطاقة إبداعية، وإنه لو كل طفل اتسمح له يزاول فنًا ما، فالطاقة دي بتكبر معاه وممكن تصبح مصدر دخل يعيش منه، وتمنحه السعادة لإنه بيمارس إبداع بيحبه.
وبالفعل اشترى واصف حتة أرض في قرية الحرانية في الجيزة، لإنها مكان خام ومحاط بالطبيعة الجميلة من كل الزوايا، وبدأ على حتة الأرض دي مشروع هيكون له آثر عظيم على أهل القرية اللي بصوا لواصف في البداية نظرة شك وقلق، فبدأ يستقبل مجموعة من الأطفال سماهم “الجيل الأول” وطبق عليهم نظريته في الإمكانيات الفنية الكامنة داخل الطفل.
بيؤكد نصحي إن أول سبب في اختيار القرية دي بالذات هو إنها قرية زراعية فقط ومافهاش أي حرف يدوية تانية، وبالتالي يقدر واصف يثبت إن أي طاقة فنية هتطلع من الأطفال تكون منسوبة لإبداعهم الخاص مش بسبب مؤثر خارجي في القرية.
بدأ واصف رحلته بفتح باب المركز سنة 1952 لـ14 طفل فضوليين وأميين من أبناء القرية، وعلى مدار سنتين بدأ يتعرف عليهم لحد ما قربوا منه واصبحوا أصدقاء، من هنا بدأ يسألهم إذا كانوا حابين يعملوا حاجة جد، ولما لقى الأطفال مرحبين بالفكرة بدأ يعلمهم النسيج على النول، وبيؤكد نصحي إنه ماكانش في امتحان قدرات ولا أي حاجة، ومافيش اي انتقاد، وإن واصف اعتمد على ترك الاطفال يشتغلوا بخيالهم.
من خلال تعليمهم فن النسيج على النول وترك التجربة الفنية لإختيارات الطفل وامكانياته بدأ يبني في الطفل ثقته بنفسه، ويشجع كل طفل يُظهر شخصيته في أعماله الفنية.
ظهرت بوادر الروائع الفنية المنسوجة في وقت قصير على أطفال الجيل الأول من فنانين قرية الحرانية، واللي دخل بيها أول معرض فني للمركز سنة 1958، في سويسرا، ومن هنا بدأ إنتاج الأطفال “فنانين المركز” يعجب الكل ويتم الإحتفاء بيه بقدر ما بذله واصف من مجهود لإثبات نظريته.
توالت معارض المركز في مصر وفي دول العالم، وتوالت النجاحات، ومات واصف في 1974، علشان يستمر المركز بعده في مسيرة النجاحات على إيدين زوجته وأولاده.
بتشتغل الرسامة سوزان رمسيس، بنت مؤسس المركز في المرسم، وبيدير المركز النهارده زوجها الفنان إكرام نصحي، وبتقول سوزان إنها لما بدأت شغلها في المركز كانت مهمتها هي تدريب الجيل التاني من أطفال المركز، واللي بدأوا سنة 1972، واختارت بالفعل مجموعة أطفال من أبناء الجيل الأول وبدأت الشغل معاهم، وبتوضح إنها في البداية واجهت مشكلة في مهتمها.
كان أهل الأولاد (الجيل الأول) من الفنانين، بيتدخلوا في إبداع أولادهم، وبيحاولوا ينقلوا لهم خبرتهم زيّ ما هي من غير ما يسيبوا الأولاد يكتسبوا خبرتهم الشخصية زي ما الأهل نفسهم، الجيل الأول، أكتسبوها، وبتوضح إن ده يتعارض مع الهدف الأساسي من المركز.
بدأت سوزان مهمتها من الأول تاني سنة 1973 باستقبال جيل جديد من أطفال غير العاملين، وبالفعل قدرت على مدار سنين تشتغل معاهم وتمنحهم حرية خوض التجربة الفنية بنفسهم، وكانت النتيجة أعمال جديدة ومميزة، وزيّ ما بتوضح سوزان، قدرت منسوجات أطفال الجيل التاني تعجب طوائف مختلفة من الناس داخل مصر وخارجها.
إكرام نصحي، مدير المركز، فبيقول إن متحف الحضارة في باريس عنده 8 قطع مشغولات الفنانين المصريين، بدأ يقتنيها من سنة 2017، لحد سنة 2021، وبيوضح إن في أعمال تانية في أماكن كتير حول العالم، منهم قطعة في متحف الميتروبوليتان في فرنسا، وقطعتين في المتحف البريطاني، أما متحف الحضارة المصري فبيمتلك النهارده قطعتين منذ افتتاح قاعة النسجيات الحديثة في ابريل 2022.
بيأكد نصحي إن اهتمام المركز هو العمل الفني نفسه وقيمته الفنية وجودته، مش كمية الإنتاج، بالذات إن طبيعة العمل بتحتاج وقت طويل نسبيًا. وبيقول إن رمسيس واصف اختار النسيج رغم كونه مهندس، علشان ميزة بطء العملية، واللي بتمنح الطفل مساحة يقدر يشغل فيها خياله ويطبقه على الواقع.