مارستان سيدي فرج: مصحة العلاج بالموسيقى التي تحولت لسوق شعبي
“مصحة يدرس فيها الطب وتعالج فيها الأمراض النفسية والعقلية حتى عام 1944” كلمات على ثلاثة ألواح رخامية معلقة على جدار المبنى، كتبت باللغات العربية والفرنسية والإنجليزية في مدينة فاس المغربية الملقبة بالعاصمة العلمية أو الروحية للمملكة، كلمات “مارستان سيدي فرج”.
والذي يرجع بناؤه إلى الدولة المرينية في عهد السلطان يوسف بن يعقوب، حيث أسسه خصيصًا لمعالجة الأمراض العقلية والنفسية لتكون أول نموذج لمستشفى الأمراض النفسية في العالم، حيث أوكل السلطان مهمة إعادة هيكلته وتطويره إلى الطبيب الأندلسي فرج الخزرجي.
وفي رواية أخرى أن طيور اللقلاق لها الفضل في بناءه ” لقلاقا حط ذات يوم، على حائط ضريح المولى إدريس، يحمل بمنقاره حلية ذهبية مرصعة بالأحجار الكريمة، تم بثمن بيعها تم تشييد مارستان سيدي فرج” فكان لها الفضل في البناء، ولكن ما كان أشد اختلافًا وإبهارًا هي تقنيات العلاج المستخدمة.
نوبات موسيقية في المساء والعشية
المارستان شيد بتصميم أندلسي شبيه بالدور المغربية التقليدية، فكان عبارة عن منازل بمساحات كبيرة تتكون من طابقين وتضم العديد من الغرف ذات الأبواب الضخمة، مع وجود فناء كبير، وكان الجزء الثاني منه عبارة عن ساحة بها أشجار حيث كانت تتجمع طيور اللقلاق وعلى أصواتها كانت تدق أجراس جلسات الموسيقى، لخلق جو من الهدوء والسكينة لمساعدة المرضى على الشفاء.
وكانت المعزوفات التي تقدمها فرق موسيقية تراعي المرضى وحالتهم العصبية والنفسية، وتلائم الفصول الأربعة وأوقات اليوم والليل، فقد كانت “النوبات الموسيقية الأندلسية” أو “المقاطع” التي تتحدث عن الخضر والأشجار والأزهار، تعرض في فصل الربيع، وهكذا وففًا للحكواتية كجزء مهم في العلاج.
ويقال أن أصبحت طيور اللقالق أيضَا جزء من العلاج حيث تتوافد للشرب من نافورة سيدي فرج، فيتم علاج المصاب منها، اعترافًا لها بجميلها في بناء هذا المارستان، بالإضافة لتخصيص جناح لعلاج اللقالق في المصحة.
من طيور اللقلاق لسجن ثم لسوق
مع مرور الزمن، تحولت بناية المارستان إلى مجرد سجن للمرضى النفسيين، وتحول الطابق العلوي منه في فترة قبل الحماية الفرنسية (الاستعمار) إلى سجن للنساء، وبعد ذلك أصبح المارستان سوقًا تقليدية، وتحولت غرف علاج المرضى إلى محلات تجارية لبيع الملابس النسائية والرجالية، وفي فناء المصحة، تحولت الغرف التي كانت مخصصة للمرضى وكذلك المكاتب الإدارية إلى دكاكين لبيع الملابس وأواني الفخار التقليدية.
وفي القسم الثاني من المارستان، والذي كان عبارة عن ساحة كبيرة محاطة بالأشجار، وكانت تقام فيه الجلسات الموسيقية، أصبح سوق للحناء التي تباع فيها جميع مواد التجميل التقليدية.
لتكتب نهاية مارستان سيدي فرج الذي كان يجد فيه المرضى فرجًا لأزماتهم النفسية، وانفراجًا لمعاناة أسرهم.