ليه القنوات الإقليمية والأعمال القديمة بتقدم لنا حالة من الأمان بدون تبرير؟
فئة ما مش قليلة ممكن تكون مستخبية وماتعرفش عنها حاجة، بتفضّل نوع معين من التسلية بيحسسها بشيء من الأمان التام غير المفهوم وغير المبرر، أمان معاه صوت بيقول “الدنيا لسه بخير”.
مواصفاتهم بتتلخص ببساطة إنهم بيميلوا للفرجة على شاشات التلفزيون، وبيبعدوا عن المنصات الإلكترونية، ومش أي تليفزيون كمان، ماينفعش يبقى “سمارت” ومليان بالإمكانيات، تليفزيون عتيق بزراير، الأهل جابوه من نقطة الفرح وبييجي عند الساعة 12بليل يشطب والشاشة تبقى كلها خطوط.
ولما يقرروا يتفرجوا مش هيختاروا فيلم أو مسلسل من الجداد الطالعين تريند، لأ، هيختاروا أقدم وأغرب المسلسلات، وفي الغالب بتبقى مجهولة الهوية ماحدش يعرف عنها حاجة غير الفئة دي بينها وبين بعض، ولما يختاروا القنوات عمرهم ما هيروحوا للقنوات الفضائية ولا للقنوات الكاسحة للسوق وعليها مئات الإعلانات لأكبر المنتجات والماركات وبتستخدم أحدث التقنيات، لأ هيروحوا للقنوات البسيطة زي القنوات الإقليمية والأرضية اللي بدأ بيها التلفزيون أصلًا ..
هما ليه بيعملوا كل ده؟ عايزين نفسر سبب اختيارهم لنوع معين من التسلية بيرجع للنوستالجيا يمكن نوصل لإجابة.
عايزين الزمن يقف؟
في أوقات كده بنبقى بنتمنى لو في إيدينا ريموت يوقف كل حاجة حوالينا لإن بيبقى جوانا صوت طول الوقت بيقول “استنى شوية يا عم الحاج مش عارف اخد نفسي” من كتر السرعة المتمكنة من كل حاجة حوالينا، كل حاجة بتحصل بسرعة البرق وأنت مابقتش ملاحق توصل لها، فالقنوات ونوعية المسلسلات دي بالذات ممكن تكون بتدي لك صوت “احنا زيك ماتخافش” وكإن الزمن واقف عندها هي بس، وقف عند حصة الألعاب يوم الخميس في مدرستك.
سقف التوقعات بيقل
في الغالب لو قعدت تتفرج على القنوات الاقليمية والأرضية هتلاقي فيها غلطات ممكن تكون ساذجة في الإخراج أو التقديم أو حتى الصوت، زي الغلطات اللي كانت بتطلع أول ما التليفزيون ظهر وهي هي نفس الغلطات، لو قيسناها على مستوى حياتنا دلوقتي مانعرفش نغلطها أو بمعنى أصح ممنوع نغلطها، سواء في حياتنا اليومية أو في الشغل، فبتخليك تحس بشئ من الأمان وتدي لك فرصة وصوت يقول لك “أه عادي ممكن نغلط” مفيش كمال لكل حاجة.
ضد الذكاء الاصطناعي
التلفزيون العتيق أبو زراير والسهرات الدرامية المظبوطة على معاد 10 بالليل، والبرامج اللي لسه بتقدم الحلقة وفي خلفية الديكور بتلاقي مناظر طبيعية، أو برامج من فئة “مايطلبه المستمعون” ولسه ناس بتكلمهم وتطلب منهم “عايزة أسمع أغنية مشيت على الأشواك” وكإن ماعداش عليهم اليوتيوب ولا تطبيق أنغامي أو سبوتيفاي.
كل المواصفات الخاصة دي، العقل والمنطق بيعتبرها ضد الذكاء الاصطناعي، من ناس مش متقبلة التكنولوجيا أو مش عايزة تواكبها، وده الشعور المتمكن من ناس كتير دلوقتي بعد اكتساح الذكاء الاصطناعي ومشاركته في أدق تفاصيل حياتنا وشغلنا، والمخاوف المسيطرة على العالم كله، وإنه ممكن يقضي على مهن ويحل محل البني آدميين كمان، بقى سريع وقادر على الاختراق لدرجة تخوف، وزي ما احنا خايفين منه ليقضي على البشرية، فرجتنا على قنواتنا بتقول لنا اطمنوا احنا عايشين عادي من غيره وزي الفل.
هتحسسك إن مفيش فومو
(الفومو) أو الـ(فير أوف ميسينج أوت) وده مصطلح ظهر مع السوشيال ميديا، بينقلك شعور إن دايمًا فيه حاجة فايتاك، وبيتخلق الإحساس عندك لما تشوف مين اتجوز ومين مصاحب ومين نجح ومين اترقى ومين سافر ومين زار المكان الفلاني من خلال منشورات على السوشيال ميديا، ناهيك عن انتشار الأخبار بسرعة البرق، لكن فرجتنا على قنواتنا وتليفزيوننا الجميل هيقضي على الشعور ده تمامًا لإن الآية هتتعكس والفومو هيبقى عنده مش عندك.
كإنك معزول في قرية ريفية
كتير مننا حابب يبعد عن دوشة وزحمة العاصمة ويرجع للبساطة في كل شيء، مين مننا ماجتش عليه لحظة وزهق من سقف التوقعات العالي طول الوقت في الحياة والمظاهر؟ ونفسه يقعد بالجلابية؟ يبعد عن التكنولوجيا والحفلات والسهرات والإنترنت، الفرجة على القنوات القديمة ومعاها المسلسلات وتبص معاها على الإمكانيات البسيطة لكل حاجة والبعيدة عن البهرجة، كإنها بتقولك عادي لو اختارت تبعد عن كل ده وماتهلكش نفسك في مظاهر ممكن ماتكونش قدها.
جرّب كده مرة تجيب قناة قديمة عفى عليها الزمن وتشوف مسلسل أو فيلم بقاله 40 سنة وتقعد على السرير وتهدي الإضاءة وتاكل أكلة من الأكلات المصنفة تحت بند “البريئة” وتتفرج، ولما تيجي الساعة 12 تلاقي التلفزيون شطب وتطفيه وتنام .. هتحس بعدها إن الدنيا لسه تمام.