في حب الجوابات القديمة: تخيل لو بنكتب جوابات دلوقتي؟
“عزيزي.. اشتقت كثيرًا لمحادثاتنا عن الفن والجمال، أدرك مدى انشغالك في هذه الفترة، ذهبت في نزهة بالترام وحدي اليوم وأفتقدك كثيرًا”. وأنت بتقرأ الجواب ده تحس إنه أخدنا معاه لسبعين سنة بماكوك فضائي ودخلك في مود وحالة من النوستالجيا كده غريبة، ودماغك تبدأ تتخيل وتسرح مع زمان وتلاقي نفسك بشكل تلقائي دماغك بتشغل أغنية “ياروايح الزمن الجميل هفهفي وخودينا للماضي وسحره الخفي.”
الجوابات كانت الوسيلة الوحيدة علشان تعبر بيها عن حبك واشتياقك، وممكن كانت تبقى جوابات هجر وعتاب وفراق. الجوابات كانت هي لغة الحوار بين الحبيبة والحبيب، وكانوا بيستنوا بالساعات على الشباك علشان ساعي البريد ينادي على اسمهم ويقولهم لو في جواب جيه باسمهم من فولان الفولاني.
كان في إتيكيت كده لكتابة الجواب وحالة ومود لازم تخش فيها قبل ما تكتب الكلام؛ مبدأيًا ماكانش بيتكتب على الواقف، لازم تقعد على المكتب وتولع الأباجورة جنبك على نور خفيف وتمسك القلم أبو ريشة وجنبك إزازة الحبر، وتقعد تحكي فيها وتفضفض بمشاعرك وتحكي اللي حصلك طول الفترة اللي فاتت. وبعد ما كنت بتخلص كنت بتحط الطوابع وتختم بالشمع على الظرف من برا علشان ماحدش يفتحه، وعليك وعلى صندوق البريد.
ده في حالة لو كان الشخص اللي عليه العين والنية والمراد به الجواب بعيد عنك، بس لو كان قريب، يعني جيران مثلًا، كنت تقدر تبعت الجواب للبنت مع أخوها الصغير في وسط كشكول المحاضرات، أو ترميه تحت عتبة الباب، أو لو كان عندها دادة بتساعدهم في البيت تخليها تحط لها الجواب في صينية الأكل في الخباثة كده.
ومن الحاجات اللي كنت بستغربها إنهم دايمًا بيقولوا إن الجوابات لها ريحة، مش عارفة دي بتبقى ريحة الورق ولا اللي بيكتب الجواب مشاعره كانت بتطلع وبيحس بيها اللي بيقرأ، ولا هما كانوا بيحطوا برفان عليها واحنا مانعرفش، بس حتى لو كده، مسكة الورق نفسها وأنت بتقرأ الجواب فيها متعة غريبة غير لما تكتب مثلًا رسالة بالكيبورد؛ تحس الموضوع كان في مجهود ومتعوب فيه، وبتقعد تستنى الجواب لما ييجي فبيعلمك الصبر، كنت بتحس بكل حرف وكل كلمة وهي طالعة من قلبك على الورق عدل، واللي بتقرأ الجواب كانت بتحس إنها هانم وبرنسيسة زيّ سعاد حسني ولا هند رستم.
اللغة نفسها اللي في الجوابات كانت بتعكس لك ثقافة الناس وشكلهم كان عامل ازاي، يعني تقدر تخمن من جملة “هقابلك في الترام” الراجل ده كانت بيلبس إيه.
وكل عيلة لازم تلاقي عندها صندوق كده للذكريات مخبينه في الدرج أو الدولاب، ومخبين معاها جوابتهم وذكرياتهم أيام المدرسة والحب القديم لسنين وسنين، أه صحيح الورق بيدبل وبيقدم، بس لسه روحه فيه وتقدر بعد عمر طويل تفتح الجواب وتحس نفس الأحاسيس وقلبك يرفرف بعدها وتحس بقشعريرة بعدها.
تخيل لو الجوابات رجعت تاني؟
لو لغوا الواتساب والماسنجر ورجعنا تاني للجوابات، هيبقى شكلها عامل ازاي؟ طب كل جواب كان هياخد له قد إيه علشان يوصل؟ طب يا ترى كان هيتكتب بنفس الطريقة بتاعت زمان ولا هياخد طابع كلامنا دلوقتي؟ ممكن يبقى الورق ملون أحمر وأخضر وألوان الطيف كلها وكشكشة من الجنب وكرانيش وإستيكرات بقى، وبدل ما كان يقولها هستناكي في الترام كان هيقولها تعالي في أوبر، ومش بعيد كمان يحطوا إيموجي “تعبيرات الوش” جنب كل كلمة. وفي الغالب، كمان الناس هيبقى خلقها ضيق والجوابات مش هتبقى صفحة كاملة، وكلمتين شقلب وأقلب، ومش بعيد كمان الدخلة الأولى بدل عزيزتي تبقى “الشق”، و”أم العيال”، و”يا بت أنتي مراتي”.
بس في هنا حاجة محتاجين نقف عندها، حلاوة الجوابات ومدى تمسكنا بيها كانت بتشبه أيام زمان، وأعتقد لو رجعت تاني وشكلها أتغير عن زمان معناها وقيمتها بالنسبة لنا هيختلف، بس في محاولات كتير دلوقتي إن الناس ترجّع العادة دي، وبقى في براندات تطلع علشان يتشبهوا بأيام زمان.