في تجربة الأفلام المرممة: “الاختيار” والرحلة اللي في نهايتها هتقابل نفسك
في نوع من أنواع التحدي المتحاوط بفكرة “99% مش هفهم الفيلم” وأصوات بتقول “بقى أنت يا مفعوصة اللي هتفهمي فيلم ليوسف شاهين اللي احنا نفسنا مابنفهمش حاجة من أفلامه؟” والجملة دي سمعتها من أي حد يعرف إني هتفرج على فيلم ليوسف شاهين، لكن التجربة كانت مختلفة، لإن كمان فيلم “الاختيار” من الأفلام المرممة اللي اتعرضت في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.
حبيت أخوض التجربة دي، وأشوف هل هتكون أحلى من الأبيض والأسود والجودة القديمة اللي بتحسسك بالزمن اللي بيتصور فيه فعلًا؟ ولا هتكون أي كلام ومش هفهم الفيلم وهتروح عليا فرصة الترميم ومش هتفرق من عدمها؟
وبالمناسبة، ده تحذير بحرق أحداث الفيلم. لكن إن جيت للحق، الفيلم بقاله 52 سنة يعني وموجود في كل حتة واتذاع كتير.
الترميم وإحياء الفيلم
مبدئيًا، التجربة نجحت نجاح باهر منقطع النظير زي ما الكتب بتقول، كنت شايفة الفيلم بجودة كإنه متصور من كام سنة فاتوا، شايفة ملامح فنانين قدامي وشايفة بوضوح تعبيرات وشهم، اللي حسيت إننا فعلًا فقدناهم وافتقدناهم، ملامح محمود المليجي اللي طول عمري بشوفها بالأبيض والأسود، والفكرة مش بس إني شايفة كل ده بالألوان، الجودة نفسها تفرق كتير عن الأفلام اللي اتصورت بالألوان في السبعينيات.
شوفت سعاد حسني في عز شبابها بالألوان المظبوطة! شايفة تعبيرات وشها وعينيها اللي بتقدر بسحر تغيّر من إحساسها حسب المشهد، وعزت العلايلي اللي -بالنسبة لي- ده كان أهم وأحلى دور شوفته فيه، وحسيت بالصراع اللي كان عايش فيه بين شخصيتين، ومش قادرة أحدد هو مين فيهم، لإنه بيجسد كل شخصية بمنتهى الدقة حتى لو هما نقيضين.
الترميم أعاد الحياة للفيلم، مع إنه مش متصور بالأبيض والأسود، ده غير إن عرضه على الشاشة الكبيرة في السينما كان له وقع خاص على العين. فكرة إنك بتتفرج على فيلم عمره أكتر من 50 سنة على شاشة السينما، فكرة غريبة وتعتبر مش منتشرة، موجودة آه لكن مش معروفة، لكنها جميلة وتستحق التجربة.
أسماء الأبطال
ملاحظة صغيرة كده لاحظتها في نص الفيلم، واتأكدت منها كمان لما سمعت آراء الناس بعد عرض الفيلم وهما بيشاركوا نفس الملاحظة.
أسامي الأبطال بتعكس شخصياتهم بشكل ما، مش تقليدي وعميق بالمعنى السخيف.
سيد، اللي بيفني حياته علشان يحقق الاسم ويبقى على مسمى.. محمود، اللي عمره ما كان “محمود” من المجتمع ودايمًا مذموم.. وشريفة، اللي المجتمع كان له رأي تاني في ده.. و”بهية”.
الخير والشر.. من حُكم مين؟
أي فيلم أو عمل فيه الخير والشر، لكن في “الاختيار” نجيب محفوظ ويوسف شاهين بيخلّوك تعيد حساباتك، في الحكم المسبق أو الحكم الظاهري على الأشياء والأشخاص، الحلو الكويس الناجح ده في نظر مين؟ والمهمل الفقدان اللي مستقبله مالوش ملامح، ده في نظر مين برضه؟
الفيلم بيهدم الصنم ده، وبيخليك تفكر تاني في النظرة المسبقة اللي متعود ترميها على أبطال العمل -وعلى الناس في حياتك- وبيخليك تشوف جوانب تانية من الشخصيات تفهم منها مين اللي ممكن يبقى عنده وجهة نظر تستاهل نبص منها.
التوأم اللي فيهم أخ نموذج للشخص الصالح، كاتب كبير بيسعى علشان يطلع سلم المجد، ومن صغره مناخيره في الكتب زي ما هو نفسه قال، وعايز يوصل لمكانة كبيرة في المجتمع، والأخ التاني اللي يعتبر نقيض له، الفقدان اللي عايش كده وعلى طول يعتبر عار على أخوه الناجح، ماشي في الدنيا بفلسفته -اللي فيها كتير صح- وبالسنبة للناس هو مجنون، بسيط وأفكاره منطلقة.
من الحدوتة، مين اللي صح ومين اللي غلط؟ مين الشرير ومين الطيب؟ لأ ماتجاوبش.. شوف اللي ورا كل شخصية فيهم الأول وهتعرف.
لقطة أبيض وأسود
لما تندمج مع الفيلم وقت طويل، هتحس إن عينك أخدت على الجودة الكويسة والألوان المظبوطة، لكن حبوا يرجعوك في لقطة فك لغز الفيلم، ويعرضوها بالأبيض والأسود زي ما اتعرضت في النسخة الأصلية للفيلم، مع إن الفيلم نفسه كان بالألوان وقتها، فتحس فجأة بالنعمة اللي أنت فيها بقالك ساعتين وأخدت عليها، لكن تحس كمان بعمق اللقطة بالأبيض وأسود وأنت بتشوف الأخ بيقتل أخوه، شعور متضارب لكن كان لابد منه.
في نهاية الرحلة.. هتقابل نفسك
الجملة اتقالت على لسان البطلين، أو بمعنى أصح البطل اللي حب ينتحل شخصية زيادة على شخصيته وحب يكتنز كل حاجة في الدنيا، وكان عارف إنه في نهاية رحلته، هيقابل نفسه، مهما كدب على اللي حواليه وصدق الكدبة، هيروح رحلة طويلة وفي آخرها هيقابل نفسه مش حد تاني.
وأخيرًا، الفيلم جميل ومفهوم. يوسف شاهين مش هيتوّهك فيه زي ما معروف عنه، هتغرق في الأحداث شوية ممكن وفي الرتم نفسه، لكن هتفهم خيوط الأحداث كلها وحتى النهاية مفهومة، وهتلاقي إن اسم الفيلم أنسب حاجة للي جواه.