حياة أبو الحسن بن نافع الموصلي: الفنان الذي أثرى الموسيقى الأندلسية بالآداب والتقاليد الاجتماعية
فن الإتيكيت، كنوع من أنواع الطقوس الاجتماعية، بتيجي في شكل قواعد مُتفق عليها بخصوص الملابس والأكل والشرب، ومختلف النشاطات اللي بنشارك فيها الآخرين حوالينا.
رغم إن الإتيكيت بدأ يتحول لنقاش عام من فترة، بسبب الجدل المُثار حوالين شخصية أمينة شلباية، اللي بتقدم برنامج لطيف على منصات التواصل الاجتماعي للتعريف بالفن ده، إلا إن الاتيكيت فن قديم جدًا.
عندنا مصادر تاريخية بتوصف رجل عربي كان له دور كبير جدًا في خلق الفن ده وتحديد قواعده ونقله من بغداد، خلال العصر العباسي، للأندلس في أوروبا.
هو أبو الحسن علي بن نافع الموصلي، المعروف باسم “زرياب”، اللي عاش في القرن التاسع الميلادي في مدينة بغداد، وكان من أهم موسيقيين عصره، جدد في الغناء، وأضاف الوتر الخامس للعود، وأنشأ مدارس الموسيقى.
اتعلم زرياب الموسيقى على إيد إسحاق الموصلي، اللي كان له مكانة كبيرة في بلاط الخليفة في بغداد، وبحكم صلة معلم زرياب بالبلاط، اتعلم الأخير أساليب الملوك في العادات الاجتماعية (الإتيكيت).
اتشهر زرياب في بغداد بسبب موهبته الفذة في الموسيقى والأدب والشعر، ولطافته وذوقه، رغم إنه كرجل أسود البشرة، كان مُعرض للتعامل كمواطن درجة تانية أو أدنى كمان.

اتهدد زرياب بالقتل بسبب شهرته وموهبته الفذة، وبيقول الدكتور الطاهر مكي في ترجمته لكتاب (الحضارة العربية في إسبانيا) للكاتب (ليفي بروفنسال): “في حضرة الخليفة الرشيد فاق الموسيقي الفتى كل ما يمكن أن يتوقع منه، حتى إن أستاذه غار منه وحسده، وتحركت في أعماقه نوازع الشر”.
وبيكمل: “..فطلب إليه أن يرحل بعيدًا عن بلاط الخلافة، وأن يمضي إلى الغرب يلتمس حظه هناك، وخشي الطالب على حياته من أستاذه إن واصل الإقامة في بغداد فعزم على الرحيل”.
الخلاف الفني المتطرف ده هو أقدم خلاف فني شرقي نعرفه النهارده، وبيقول المستشرق هنري فارمر في كتابه (تاريخ الموسيقى العربية) عن إسحاق الموصلي: “أنه يستطيع أن يخضع النظريات المتطاحنة في ممارسة الفن لنظام واضح”.
ماكانش إسحاق الموصلي شخصية هامشية أو مش مهمة، بالعكس ده كان واحد من أهم موسيقيين الشرق في التاريخ، وخوفه من زرياب دليل على موهبة عبقرية في النابغة ومرهف الذوق.
هجرة زرياب للغرب الأقصى
هاجر لكعبة الثقافة والحضارة وقتها، الأندلس، بعد ما بعتله الأمير الحكم بن هشام الربضي دعوة علشان يتعرف بنفسه على نابغة الموسيقى وصاحب الذوق المرهف الجميل، زرياب.
لكن للأسف، مات الأمير الحكم قبل ما يوصل زرياب الأندلس، ولكن الأمير الجديد عبد الرحمن الأوسط رحب به، وبقى له في البلاط الأندلسي مكانة كبيرة، ومساحة أكبر من الحرية في الإبداع، فأنشأ أول معهد لتعليم الموسيقى والغناء في العالم، واخترع العود ذا الخمس أوتار بعد ما كان العود بتلات أوتار بس.
في دراسة لـ (مركز الأندلس وحوار الحضارات) بتقول إن زرياب كان في بداية التلاتينات بس لما وصل الأندلس، وإنه اتحول لنجم وأيقونة اجتماعية في البلد الأوروبي الإسلامي، بسبب المستحدثات اللي بدأ يدخلها لهم، أو زي ما بنقول النهارده، الموضة.
كان زرياب خبير في شؤون الموضة، فعرف المجتمع الأندلسي على قصات شعر جديدة؛ منها الفرق في نص الرأس وربط الشعر في كعكة، بعد ما كانوا مايعرفوش غير الشعر السائب على الجبين والصدغين.
بتقول الدراسة إن زرياب لاحظ إن أهل الأندلس كانوا بيلبسوا نفس نوعية الملابس في كل فصول السنة، وهو اللي دخل موضة اختلاف نوعية الملابس باختلاف الفصول.
دخل مفهوم الهدوم الخفيفة اللي ألوانها فاتحة أو بيضا في الصيف، والهدوم التقيلة المصنوعة من الفرو والجلود في الشتاء، وقسم أنواع الملابس المختلفة لكل فصل من فصول السنة الأربعة.
اتنقل زرياب ما بين بيوت الأغنياء والأمراء في الأندلس، وبدأ يعلمهم فنون الطبخ وتقديم الأكل وتحضير السفرة، وعلمهم يشربوا في كؤوس من الزجاج بدل كؤوس الفضة والذهب، وغسل الأسنان بمادة تشبه المعجون اللي نعرفه النهارده، واستخدام مواد عطرية لإزالة العرق مش بتسيب بقع على الهدوم.
يرجع له اختراع الزلابية، واستخدام مناديل السفرة، فكان بيقسم المناديل على السفرة لمنديل للإيدين، ومنديل للشفتين، ومنديل للوش.
لكن مش كل المؤرخين بيتفقوا على شخصية زرياب كمجدد وصانع أمجاد فنية واجتماعية، بيقول البعض إن الهوس بالأناقة والموسيقى اللي أدخلهم زرياب على المجتمع الأندلسي المسلم، ساهموا في انتشار المجون والخلاعة.
وبيقول أحمد سيد حامد في كتاب (1000 معلومة عن الأندلس): “على الرغم من وفاة زرياب منذ أكثر من ألف ومائتي عام، إلا أن زرياب قد فاز بشهرة واسعة حتى يومنا هذا، فإذا سألت أهل الأندلس عن عبد الرحمن الداخل أو الأوسط أو الناصر.. لا يكادون يعلمون عنهم شيئًا، إلا أنهم يعرفون زريابا وسيرته وتفاصيل حياته، وتغنى موشحاته في تونس والمغرب والجزائر، وتدرس سيرته كرجل ممن قادة التنوير والنهضة وحربه ضد الجمود، وكفاحه من أجل الفن، ولا يعلمون أن زرياب هذا كان سرًا من أسرار سقوط بلاد الأندلس”.
بيدين العالم النهارده لأبو حسن بن نافع الموصلي، زرياب، بالفضل في تجديد الموسيقى والنظم الاجتماعية وحاجات تانية كتير ماكانتش هتكون موجودة لولا العبقري اللي عاش حياته بين أقصى الشرق وأقصى الغرب بهدف واحد، هو نقل جمال وزخرف بغداد لقرطبة ما استطاع لذلك سبيلًا.