جولتنا في حارة اليهود وما تبقى من آثار الجالية اليهودية
اتعودنا كل فترة ناخدكم جولة في شوارع مصر المحروسة، والمرة دي كانت وجهتنا لـ “حارة اليهود” كان عندنا فضول نشوف الحارة بقت عاملة ازاي، وإيه اللي تبقى من آثار جالية عاشت سنين وسنين وسط الشعب المصري.
قبل ما نطلع على حارة اليهود قررنا ندخلها من شارع المعز، أول ما تدخل هتسمع صوت الأذان بتاع الجوامع، وناس بتوقفك وتقولك “صورة يا هانم، صورة يا بيه” واحنا في الطريق اتفاجئنا بأكتر من فوج سياحي في نفس الوقت، واللي فرحنا أكتر إننا لقينا بنتين من كلية فنون جميلة كانوا نازلين علشان يرسموا البيوت القديمة، ووقفوا يتكلموا مع الأفواج، أو بمعنى أصح الفوج هو اللي شافهم وهما بيرسموا فقرر إنه يتكلم معاهم، استنينا بعد ما مشي ووقفنا مع البنات، وبالمناسبة الاتنين اسمهم مريم وقالوا لنا: “كلية فنون جميلة بتبعتنا علشان نشوف المباني ونرسمها، لإنها حاجات مميزة مش موجودة في أي مكان، كل طوبة لها معنى وتفصيلة مش هنلاقيها لو قاعدين بنرسم في الكلية”.
وكملوا كلامهم” الأجانب هما اللي عرضوا يتكلموا معانا، وقعدوا يسألونا أسئلة عن حياتنا كمصريين أكتر من اللوحة اللي كنا بنرسمها، زيّ أنتي لابسة الحجاب ده على طول ولا بتقلعيه؟ عندك صديق؟ بتنزلي من بيتكم بعد الساعة 12 ولا لأ؟ بتشربي حاجة ولا لأ؟” وكإنهم لقوا فرصة إنهم يتكلموا مع حد في السن ده علشان يعرفوا طريقة حياتنا عاملة ازاي”.
اتكلمنا مع طالبة تانية -لإن الشارع كله كان كلية فنون جميلة- وبصدفة من بتوع الأفلام برضه كان اسمها “مريم” وقالت لنا: “الجامعة بتطلعنا علشان مادة اسمها رسم خارجي، وبنركز على كل حاجة في المبنى ونبين تفاصيله وملمسه، وأول مرة أرسم في الشارع وسط الناس، والمفروض ننزل أماكن تانية زيّ الحطابة”.
حارة اليهود: ما تبقى من آثار الجالية اليهودية
بعد ما خلصنا الكلام مع الـ “المريمات التلاتة” وعلى بعد أمتار قليلة من شارع المعز، وصلنا حارة اليهود، ممر ضيق بيتفرع منه حواري وأزقة صغيرة، وبالنسبة للجو هتلاقيه دايمًا مختلف في الشوارع الضيقة، هتحس إن في نسمة هوا زي نسمة العصاري كده كإن البيوت بتدفي بعضها، وهتسمع أصوات لبتاع الروبابيكيا وعربيات النقل اللي بتنقل بضايع، وصبي القهوة وهو بيقولك “أيوة جاي”.
بس اتفاجئنا إن مافيش أي حاجة في الحارة بتعبر عن وقت ما اليهود كانوا عايشين فيها، مافيش غير محلات دهب ويفط حديثة، سألنا شخص هناك بقاله خمسين سنة في المكان، قال: “كل البيوت اتهدت واتبنى بدالها عماير، وبقت كلها ورش للدهب، كل الناس هنا جديدة، مافيش غير المعابد اليهودية” ووصفلنا مكان معبد في الحارة اسمه “معبد موسى بن ميمون” أو “طبيب صلاح الدين الأيوبي”.
جولة داخل معبد طبيب صلاح الدين الأيوبي
علشان تدخل المعبد، لازم تقطع تذكرة من شارع المعز، احنا وصلنا واتكلمنا مع المسؤول اللي هناك ووصف لنا المكان قبل ما ندخله، وقال: “جوا المعبد في صالة رجالي وصالة للسيدات للعبادة، والصلاة بتبقى يوم السبت، وفي أوضة اتعود اليهود يباتوا فيها بغرض الاستشفاء، وفي عيادة الناس كانت بتتعالج فيها من أمراض كتير بالمياة الجوفية اللي موجودة في البير، ولحد دلوقتي البير ده فيه مياه” وكمل كلامه وقال “في أفواج يهودية بتييجي وطلبة وعرب، وفي معبد برضه اسمه “عدلي” بس لازم علشان تدخليه تصريح من أمن الدولة”.
لما دخلت المعبد لقيت نفسي في عالم تاني، واللحظة دي بس حسيت إني دخلت حارة اليهود، من الأبواب للكراسي للشمعدان للكتاب اللي كانوا بيقرأوا منه التراتيل، وكإن مافضلش حاجة من ريحة اليهود غير المعابد.
الشخص اللي بيشرحلنا قال إن مرة جيه فوج يهودي دخلوا المعبد بلبس وخرجوا بلبس تاني، لإن في ناس بتخاف حد يأذيها، والمكان اللي قدام المعبد كان مقابر لليهود، بس اتنقلوا كلهم للبساتين واتبنى مكانه مدرسة، رغم إننا كنا شايفين العكس، لما كنا بنسأل عن مكان المعبد اليهودي هناك، كانت كل الناس بترحب إنها تساعدنا جدًا، ماحدش كان مستغرب إننا عايزين نروح هناك أو حتى سألنا رايحين ليه.
لما دورت ورا اسم صاحب المعبد “موسى بن ميمون” لقيت إنه جيه للإسكندرية ومنها لحي مصر القديمة، وقت ما كان هربان من اضطهاد الأندلس لليهود، ومن وقتها المصريين عرفته واتعرف بإنه أعظم أطباء زمانه، وتم اختياره طبيب لابن صلاح الدين الأيوبي، وبعدها اتعين زعيم لليهود في القاهرة، والمعبد اللي دخلناه اتبنى فوق ضريحه، وبعد كده اتنقل رفاته لفلسطين.
خلاصة جولتنا من شارع المعز لحارة اليهود لحد معبد موسى بن ميمون
أول خلاصة: مبدئيًا، ماتغلطش وتنزل يوم الأحد وترجع إيد ورا وإيد قدام، لإنك هتلاقي الشوارع كلها فاضية وهييجي في دماغك الجملة الشهيرة بتاعت “وديت الشعب فين يا حازم” وحاول ماتروحش بالعربية لأسباب كتير؛ منها الزحمة والشوارع الضيقة، اللي كل ماتطلع منها هتدخل في شارع أضيق منه، ولو ناوي تروح مع حد، اتحركوا مع بعض من نفس المكان علشان ماتقضوش طول اليوم بتدوروا على بعض، زيّ سلامة وهو بينادي على جهاد “أنتي فين يا جهاد”.
تاني خلاصة “حسن ومرقص وكوهين”: حسينا بعد الجولة، سواء في شارع المعز أو حارة اليهود، إن مصر القديمة كانت غنية بتنوع كبير من الثقافات، وتخيلنا لو لسه التنوع ده موجود، لما اتكلمنا مع البنات ولقينا إن التلاتة اسمهم “مريم” وكانوا بيرسموا قدام جامع المعز وحوالينا الأجانب، وخطوتين كانت حارة اليهود، اترسم في مخيلتي مكان بيجمع التلات أديان، وسألت يا ترى كانت العيشة هتبقى عاملة ازاي لو كان لسه اليهود عايشين معانا؟
الخلاصة التالتة: هي مش خلاصة على قد ما هو سؤال، يا ترى مع التقدم اللي بنشوفه في البناء وفكرة الـ “كومباوندات” هل هنفتقد الحواري وشكلها الحالي؟ هل هنفقد هوية الحارة المصرية؟ هويتها في الونس والجيرة وإن كل الناس عارفة بعضها، هويتها في إنك ممكن تمد إيدك في البلكونة تبقى عند جارك، في الأفراح والأحزان هتلاقيهم يبقفوا جنبك كإنهم من أهلك، اليفط والأبواب اللي عفى عليهم الزمن وأكلها التراب مش مجرد كراكيب أو حاجات قديمة، لأ دول بيعبروا عن تاريخ وناس كانت عايشة وذكريات محفورة، عربية الفول المدمس والخضار، بتاع اللبن اللي كان بينادي كل يوم الصبح، هوية الحارة اللي اتكلم عنها نجيب محفوظ وخلاها بطل في كل أفلامه ورواياته، الهوية حتى في دوشتها وزحمتها وشوارعها الضيقة في وسط كل التقدم المعماري هتروح فين؟