في أكتر من اتنين مليار مستخدم للسوشيال ميديا في العالم النهارده، ومعظم المستخدمين وخاصة الأجيال الأصغر، بقت بتجيب معلوماتها وأخبارها عن العالم من خلال السوشيال ميديا؛ وبالتالي نقدر نقول إنها استبدلت وسائل الإعلام التقليدية إلى حد كبير وبقت مركز أساسي للنشر وأهم منصات للإعلانات في العالم، وأتحولت من مجرد منصات للتعبير عن الرأي والتسلية لمصدر للخبر والمعلومة وكمان مصدر للربح والتجارة.
فوضى الأخبار والمحتوى على المنصات في الجزائر
ضمن سياق تأثير السوشيال ميديا على الواقع الاجتماعي في العالم، بيتكلم الرأي العام الجزائري عن قضية شهيرة تم فيها النصب على عشرات من الطلاب الجزائريين اللي دفعوا آلاف الدولارات لشركة وعدتهم بالدراسة في أوكرانيا وتركيا، وتم الترويج للشركة من خلال أربعة من أهم وأشهر المؤثرين على السوشيال ميديا الجزائرية، وهي القضية اللي فتحت الباب أمام نقاش مهم في الجزائر النهارده؛ تقنين نشاط المؤثرين على السوشيال ميديا ووضعهم تحت طائلة القانون.
استجابة لقضية النصب دي، درس متخصصين خلال ندوة وطنية في الجزائر قضية المؤثرين اللي شغلت الجزائر بشكل كبير مؤخرًا على أصعدة مختلفة، وطرحوا سؤال بخصوص تعريف لفظة “المؤثرين” ووضعهم القانوني، وطالبوا خلال الندوة بوضع ضوابط قانونية تنظم عمل المؤثرين. وفي الندوة الصحفية اللي تم عقدها لمناقشة القضية، طالب الحضور بضرورة التوعية بالمعايير المطلوبة في المحتوى اللي بيقدمه المؤثرين على السوشيال ميديا، واللي بتأثر بشكل كبير على المتلقي.
هل وضع ضوابط قانونية للمؤثرين يناقض حرية الرأي؟
مفهوم وضع ضوابط قانونية لتنظيم عمل “المؤثرين” ممكن يثير مخاوف البعض من تعدي السلطات على حرية الفرد في التعبير، خصوصًا إن المؤثرين بيستخدموا منصاتهم الخاصة لتقديم المحتوى اللي بيعبر عن أفكارهم الشخصية.
لكن دعوة المتخصصين لوضع ضوابط قانونية تنظم عمل “المؤثرين” في الندوة، رغم إنها جات استجابة لقضية محلية، إلا إنها مفهوم بيرتبط بوقائع عالمية أبعد من كده بكتير، بالذات في سياق تأثير السوشيال ميديا على الواقع السياسي والاجتماعي في العالم.
وبتكشف الدراسات اللي بتغطي تأثير السوشيال ميديا في العالم النهارده عن معلومات مرعبة بخصوص الطريقة اللي بتحرك بها الأزمات الإنسانية والحروب، ودورها في التطهيرات العرقية والحروب الأهلية اللي بتحصل في مناطق مختلفة، بالذات من العالم النامي.
السوشيال ميديا ما بين حرية التعبير والتضليل
منحت السوشيال ميديا كل مواطنين العالم الحق إنهم يكونوا صحفيين وينشروا آرائهم ورؤيتهم والأحداث اللي بتحصل على أرض الواقع من خلال كاميرات تليفوناتهم المحمولة، وأتحول المؤثرين لمحرك مهم جدًا في المعلومات اللي بيتم نشرها للمستخدم العادي حول العالم.
تأثير السوشيال ميديا على الأحداث السياسية في العالم ضخم، وبتقول الدكتورة مي عبد الغني، أستاذة الإعلام في جامعة بنغازي والباحثة في الإعلام الرقمي، لموقع “الشرق الأوسط“: “أتحولت منصات السوشيال ميديا لأداة سياسية من أدوات إدارة الحروب والأزمات، بعدما بقى المجال الافتراضي جزء من المجال السياسي”.
لكن تأثير السوشيال ميديا على الواقع السياسي في العالم مش كله إيجابي، فبيقول واحد من المسؤولين السابقين في الخارجية الأميركي في تصريحات نشرتها “ذا أتلانتيك”: “داعش هو أول تنظيم إرهابي، يمتلك أراضي في الواقع، وكمان على الواقع الافتراضي”.
السوشيال ميديا مساحة مفتوحة لكل الناس، وبالتالي تقدر المنظمات الإرهابية والجريمة المنظمة تستخدمها لأغراض خبيثة، زيّ استخدام داعش لها كمركز تجنيد ودعوة لعقائدها المتطرفة. وهنا بتقول الدكتورة عبد الغني: “المشكلة في زيادة انتشار الصور والفيديوهات المضللة على مواقع السوشيال ميديا، مقابل التقنيات اللي بنستخدمها في كشف التضليل.. وهو ما يدعونا إلى تعزيز مناهج التحقق من المعلومات، وإشراك الجمهور في كشف التضليل والتزييف، الذي ينتشر بسرعة مخيفة، خصوصاً في أوقات الحروب والأزمات”.
دور السوشيال ميديا في التطهير العرقي ضد الروهينجا في ميانمار
ضرورة وضع أطر قانونية للمؤثرين على السوشيال ميديا وما يتم نشره عليها بتتضح بشكل كبير في مجموعة حقائق بخصوص تأثير المنصات دي على الأزمات في دول العالم النامي، فأزمة التطهير العرقي للقبائل المسلمة “الروهينجا”حصلت بشكل كبير بسبب انتشار خطاب الكراهية ضد الأقليات دي على الفيسبوك، وعلشان كده رفع لاجئيين الروهينجا قضية في بريطانيا ضد فيسبوك اتهموه فيها بالتريوح لخطاب الكراهية وممارسة العنف ضدهم من خلال السماح ببوستات بتطالب بقتل الروهينجا بشكل مباشر زيّ بوست بيقول: “علينا أن نقاتلهم مثلما فعل هتلر باليهود”، وواحد تاني بيقول: “اسكب عليهم الوقود واضرم فيهم النار، حتى يلاقوا الله أسرع”.
وبتتهم شركة المحاماة المسؤولة عن قضية لاجئيين الروهينجا شركة فيسبوك بإن خوارزمياتها عززت خطاب الكراهية ضد الورهينجا، وإنها لم تستثمر في توظيف مراجعين ومدققين عندهم دراية بالواقع السياسي في ميانمار، وإنها ماحذفش بوستات أو قفلت حسابات حرضت على العنف الممارس على الروهينجا، وكمان إنها ماخدتش الإجراءات اللازمة في الوقت المناسب على الرغم من تنبيهات المنظمات المدنية ووسائل الإعلام.
دور السوشيال ميديا في الحرب الأهلية في أثيوبيا
أكتر من 90% من مستخدمين الفيسبوك موجودين خارج الولايات المتحدة، في حين 87% من مراجعين ومدققين الفيسبوك بيشتغلوا على المحتوى اللي بيختص بالولايات المتحدة بس، في غياب شبه تام لأي مراجعة أو تدقيق للمحتوى المنشور في الدول التانية.
بيعتمد فيسبوك على الذكاء الاصطناعي في مراجعة المحتوى المنشور عليه في الدول النامية، وبالتالي مافيش مراجعات بشرية تقدر تكشف خطاب الكراهية والدعوة الصريحة للعنف، واللي مستخدميين السوشيال ميديا أتعلموا ازاي يخدعوا الذكاء الاصطناعي علشان مايكشفش دعوتهم للعنف، وده اللي بيساعد على تضخيم الأفكار العنيفة اللي بتؤدي للحروب والتطهيرات العرقية ضد الأقليات.
يبدعم فيسبوك النشر على منصته بـ 110 لغة في حين بيوفر مراجعات للمحتوى المنشور بـ 70 لغة بس، وفي أثيوبيا، اللي عايشة حالة حرب أهلية شنيعة، مافيش غير 5 مديريين محتوى بيشوفوا المحتوى اللي بينشره 7 مليون مستخدم أثيوبي.
في 2021، نشر مؤثر أثيوبي على السوشيال ميديا اسمه ديجين أسيفا، وعنده أكتر من 120 ألف متابع، بوست على الفيسبوك بيقول فيه: “الحرب هي مع الناس اللي أنت كبرت وعشت معاهم، مع جيرانك. لو تقدر تخلص غابتك من الأشواك دي.. يبقى انتصرت”. تم مشاركة البوست بتاعه أكتر من 900 مرة قبل ما يتحذف ومازالت كلماته منتشرة على منصات السوشيال ميديا الأثيوبية في دعوة صريحة للقوميين الأثيوبيين بتحثهم على العنف.
في ظل فشل السوشيال ميديا في منع انتشار الأفكار الخبيثة عليه، نقدر نعمل إيه؟
في الوقت اللي منصات السوشيال ميديا زيّ فيسبوك بتفشل في مراجعة معظم المحتوى المنشور عليها، أو بتتجاهل تأثيرها المدمر على الواقع السياسي والاجتماعي في العالم كله، وبالذات الدول الفقيرة والنامية، هل وضع أطر قانونية واضحة تقدر تعرّف مفهوم “مؤثر السوشيال ميديا” هتساعدنا على تقليل حجم الخسائر؟
الأطر القانونية دي هتساعد معظم الدول في مقاومة خطاب الكراهية والعنف على السوشيال ميديا من خلال وضع تعريف واضح لكلمة “مؤثر”، وتحديد عدد المتابعين اللي بعده هيتم محاسبة المستخدم على إنه “مؤثر” مش مجرد مستخدم عادي؛ وبالتالي المحتوى اللي بيقوم بنشره هيتحاسب بنفس الطريقة اللي القانون بيحاسب بها منصات الإعلام التقليدية، زيّ قنوات التلفزيون والجرائد والصحف.