قد تُقام الحفلات تحت الأضواء، لكن الحروب الحقيقية بين نجوم الطرب تُخاض في العتمة. هناك، في الكواليس، وبين السطور، تبدأ المعارك بهمسٍ وتلميح، وتشتعل بالإشارات والتصريحات غير المباشرة.
ومؤخرًا، لم يكن جمهور الفن العربي على موعد مع أغنية جديدة بقدر ما كان على موعد مع جولة صراع جديدة بين اثنين من أبرز نجوم الجيل: تامر حسني وعمرو دياب.
منشورٌ رقمي بسيط عبر خاصية “ستوريز” على منصة “إنستجرام” يُظهر ترتيب ألبوماتهم على المنصات كان كفيلًا بإحياء سؤال قديم: من هو النجم الأوحد؟
لكن هذه الشرارة الحديثة ما هي إلا حلقة في سلسلة طويلة من المنافسات الفنية التي لا تخبو. من تامر وعمرو، إلى عبدالحليم وفريد، ومن أم كلثوم ومنيرة إلى عشرات الأسماء التي صنعت المجد بصوتها وخاضت الصراع بكبريائها.
بعضها خرج إلى العلن، وبعضها ظل حبيس الغرف المغلقة. فهل كانت هذه الخلافات ضرورية لصناعة الأسطورة؟ أم أن وهج النجومية لا يكتمل إلا بشيء من العداء؟


لا تفوّت قراءة: حين يُروى الأدب بالكاميرا.. 7 روايات عربية تحولت إلى مسلسلات وأفلام
حفلة “شم النسيم” التي أشعلت الخلاف بين عبدالحليم حافظ وفريد الأطرش
من أشهر صراعات الغناء العربي، الخلاف العلني بين عبدالحليم حافظ وفريد الأطرش بسبب حفلة “شم النسيم” التي كانت حديث الجماهير.
كان العندليب يُحيي هذا الحفل سنويًا، مساء ليلة شم النسيم، وجمهوره ينتظره كطقس فني ثابت كل عام. لكن عودة فريد الأطرش من بيروت بعد غياب 4 سنوات أعادت التنافس إلى الواجهة، لتشتعل شرارة الصراع الفني.
تسابق النجمان على من منهما الأحق بالغناء في تلك الليلة، وسط ضغط إعلامي كبير وترقب من الجمهور والنقاد.
وتدخل الرئيس جمال عبد الناصر لحسم الموقف، فأمر بإذاعة حفلة فريد على الهواء، بينما سُجلت حفلة عبدالحليم لتُبث لاحقًا. هذا القرار ترك جرحًا نفسيًا عميقًا في نفس العندليب، الذي شعر أن مكانته اهتزت رغم جماهيريته الكبيرة.
وساهمت الصحافة في تضخيم الأزمة، إذ ركزت على “الخاسر والرابح”، ما زاد من التوتر بين القمتين.
لكن في عام 1970، جمع لقاء تلفزيوني في لبنان بين حليم وفريد، ليكسر حاجز الجليد بعد سنوات من القطيعة. عاتب فريد العندليب قائلاً: “قلتَ إني قد والدك”، ليرد عبدالحليم مازحًا: “بلاش تزعل… أنت قد جدي”.
ثم اتفقا على تقديم أغنية مشتركة من كلمات محمد حمزة، لكن المشروع لم يكتمل بسبب تردد عبدالحليم.
وظل فريد يشعر بالمرارة من هذا التردد، وأعرب عن ألمه مرارًا، حتى رحيله عام 1974 دون تنفيذ الحلم.
لا تفوّت قراءة: لمسلسل الأبرز على نتفليكس.. لماذا يجب أن تضيف “كتالوج” إلى قائمة مشاهداتك فورا؟
عبدالحليم وأم كلثوم.. وصلة غناء أطول من اللازم تُشعل الخلاف
رغم حرص عبدالحليم حافظ على تجنب الصدام مع كوكب الشرق أم كلثوم، وقعت بينهما مناوشة شهيرة خلال حفل عيد الثورة عام 1964.
كان من المقرر أن تبدأ أم كلثوم الحفل، ثم يليه عبدالحليم، وفق الترتيب المتفق عليه مع الجهة المنظمة.
لكن أم كلثوم أطالت وصلتها الغنائية بشكل ملحوظ، ما أثار غضب عبدالحليم، الذي شعر أن وقته جرى تقليصه عمدًا.
قبل صعوده إلى المسرح، قال العندليب ساخرًا أمام الجمهور: “منتهى الجرأة إن واحد يغني بعد أم كلثوم، خصوصًا بعد لحن “أنت عمري”… مش عارف شرف ولا مقلب!”
ضحك الجمهور بحرارة، لكن خلف الابتسامات، اشتعلت نار الخلاف بين النجمين، وامتدت توتراته لسنوات لاحقة.
رغم تعدد الخلافات بينهما لاحقًا، بقي هذا الموقف الأشهر، لما حمله من دلالة على التنافس الخفي بين القمتين.
لاحقًا، شهدت إحدى الحفلات لحظة صلح، حين فاجأ عبدالحليم الجمهور بتقبيل يد أم كلثوم، في لفتة طوت صفحة الخلاف.
لا تفوّت قراءة: كيف أصبح رامي مالك أول ممثل مصري على ممشى المشاهير في هوليوود؟

أم كلثوم وعبدالوهاب.. صراع الفن والاختلاف الذي دام 40 عامًا
امتدت المنافسة بين أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب لأربعة عقود، بدأت منذ عشرينيات القرن الماضي، حين كان كل منهما نجم حفلات أسبوعية.
ورغم الاحترام المتبادل بين العملاقين، فإن التعاون الفني بينهما تأخر طويلًا بسبب اختلاف الأسلوب والرؤية الغنائية.
كانت أم كلثوم تميل إلى الكلاسيكية، وتُفضل العمل مع ملحنين مثل رياض السنباطي وزكريا أحمد، وتتحكم بتفاصيل اللحن والكلمات.
أما عبدالوهاب، فكان مغرمًا بالتجديد والتجريب، ولا يقبل بتعديل ألحانه، ما جعله يبتعد عن أي تعاون محتمل مع كوكب الشرق.
لكن لقاءً جمعهما خلال مناسبة لتكريم الرئيس جمال عبد الناصر، غيّر مسار العلاقة، حين اقترح الرئيس تعاونهما الفني.
فكانت النتيجة: أغنية “أنت عمري” عام 1964، من كلمات أحمد شفيق كامل، وألحان عبدالوهاب، وكانت بداية فصل جديد.
المفاجأة أن الأغنية كانت مخصصة في الأصل لصوت عبد الوهاب، لكنه أهداها لأم كلثوم لتكون أول تعاون بينهما.
أُطلق على هذا التعاون اسم “لقاء السحاب”، وأسفر عن عشر أغنيات شهيرة خلّدها التاريخ في ذاكرة الطرب العربي.

لا تفوّت قراءة: من “الذوق العالي” إلى “نغزة”.. أشهر دويتوهات غنائية خطفت قلوبنا في العالم العربي
منيرة المهدية وأم كلثوم.. معركة الغيرة التي أنجبت “الصحافة الصفراء”
في بدايات أم كلثوم الفنية، كانت منيرة المهدية تتربع على عرش الغناء المصري، وتشعر بالتهديد من صعود النجمة الجديدة.
رأت منيرة في أم كلثوم منافسًا خطيرًا، فخططت لإفشالها إعلاميًا، وسعت لاستخدام الصحافة سلاحًا في هذه المعركة المبكرة.
كلفت الصحفي محمد عبد المجيد بشن حملة صحفية ضدها، وصلت حد فبركة قصة تطعن في شرف أم كلثوم وتشوّه صورتها.
زعمت القصة أن أم كلثوم تقدمت بشكوى ضد شاب اغتصبها، في محاولة لهدم صورتها أمام جمهورها قبل أن تعرف الشهرة.
كانت هذه الشائعة كفيلة بتدمير أي فنانة في ذلك الوقت، وأصبحت مثالًا مبكرًا على استخدام “الصحافة الصفراء” ضد الفنانين.
لكن تدخّل الشيخ أمين المهدي أنقذ الموقف، حين أقنع والد أم كلثوم بعدم العودة إلى قريتهم حتى لا يبدو الأمر هروبًا.
تحوّلت الأزمة إلى موجة تعاطف شعبي واسع، وبدأ اسم أم كلثوم يلمع بقوة وسط الأوساط الفنية والإعلامية.
ومن رحم تلك المحنة، وُلدت أسطورة كوكب الشرق، التي كادت أن تُجهضها شائعة قبل أن تكتمل.
لا تفوّت قراءة: هل تعلم أن هذه المسلسلات المصرية مقتبسة من أعمال أجنبية؟ دراما مصرية بنكهة عالمية
أحمد فؤاد نجم.. الشاعر الذي صرخ في وجه النجوم بلا استثناء
في سبعينيات القرن الماضي، كانت الساحة الثقافية على موعد مع أقوى الهجمات الشعرية التي هزّت الوسط الفني المصري.
الشاعر العامي أحمد فؤاد نجم كتب عشر قصائد نارية بعنوان “الفوازير”، وجّه فيها سهام السخرية لرموز الفن والإعلام بلا استثناء.
تميّزت “الفوازير” بالجرأة غير المسبوقة، حيث استخدم نجم لغة حادة لكشف ما رآه نفاقًا أو تضخمًا في صورة النجوم.
لم تسلم أم كلثوم من هجائه، فخاطبها قائلًا: “يا ولية عيب اختشي، يا شبه إيد الهون… انتي اللي زيك مشى، يا مرضعة قلاوون”.
أما عبدالحليم حافظ، فوصفه في إحدى فوازيره بـ: “لماليمو الدلوعة، الشخلوعة الكتكوت”، في هجومٍ مباشر على صورته الرومانسية.
حتى صديقه الشاعر صلاح جاهين لم ينجُ من النقد، فكتب نجم: “شاعر بيتخن من بوزه… ممكن تخوّف بيه عيالك”.
وأثارت “الفوازير” عاصفة في الوسط الثقافي، بين من اعتبرها تحديًا للنجومية، ومن رآها تطاولًا لا يليق بمقام الرموز.
لكن أحمد فؤاد نجم ظل وفيًا لأسلوبه، لا يُجامل ولا يُجامل، شاعرًا لا يخشى الاصطدام، ولا يسمي على أحد.