في صباح الثامن عشر من يوليو عام 1989، حطّت طائرة مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، على أرض لندن في زيارة رسمية حُشدت لها مظاهر البروتوكول الملكي بكل ما تحمله من فخامة.
استقبال مهيب في قصر باكنجهام، مأدبة فاخرة في فندق كلاريدجز، ولقاء رسمي مع “المرأة الحديدية” مارجريت تاتشر. بدا المشهد كما لو أنه زيارة دبلوماسية رفيعة لا تشوبها المفاجآت.
لكن ما لم يكن في الحسبان أن تتحوّل هذه الزيارة إلى موقف تاريخي جريء، تخطّى المجاملات البروتوكولية وأربك التوقعات الغربية.
في قلب العاصمة البريطانية، وعلى طاولة السياسة الدولية، أطلق الشيخ زايد موقفًا صارخًا في وضوحه وصلابته دفاعًا عن القضية الفلسطينية، في وقت كانت فيه أوروبا تتفادى حتى الاعتراف الرسمي بمنظمة التحرير الفلسطينية.
فما الذي حدث؟ وكيف ردّت لندن؟ ولماذا سُجّل هذا اليوم في الذاكرة السياسية العربية؟

لا تفوّت قراءة: الشاورما اللبنانية أفضل ساندويتش في العالم.. 10 مطاعم عربية لا بد من تجربتها بالشرق الأوسط
كيف أربك الشيخ زايد حسابات بريطانيا في عام 1989 بدعمه الجريء لفلسطين؟

خلال زيارته الرسمية إلى المملكة المتحدة في 18 يوليو 1989، فاجأ الشيخ زايد الإعلام البريطاني بموقف سياسي غير تقليدي داخل قصر باكنجهام.
في حديقة القصر الملكي، استضاف الشيخ زايد المستشار البارز للزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بسام أبو شريف، رغم عدم اعتراف بريطانيا بمنظمة التحرير آنذاك، ما أثار جدلًا واسعًا.

لا تفوّت قراءة: إجازة الزواج في دبي لمدة 10 أيام: من يحق له الحصول عليها وكيف تُحتسب؟
ما الرسالة التي وجهها الشيخ زايد من قلب لندن بشأن فلسطين؟

في ذروة الانتفاضة الفلسطينية الأولى، كانت بريطانيا تمضي بحذر في تعاملها مع القيادة الفلسطينية، متجنبة أي خطوات اعتراف رسمي أو تقارب معلن.
في تلك الأثناء، صعّد أرييل شارون، وزير التجارة والصناعة الإسرائيلي، خطابه، داعيًا علنًا إلى اغتيال ياسر عرفات، مما زاد التوتر الإقليمي.
رغم هذا المشهد المتوتر، أصر الشيخ زايد على موقفه، مؤكدًا أن دعم الإمارات لفلسطين لا يتغيّر، حتى في العواصم الغربية الكبرى.
لا تفوّت قراءة: من هو مؤسس “Play AI”؟ وكيف تحولت فكرة شاب مصري إلى صفقة استحواذ من “Meta”؟
رسالة واضحة للشيخ زايد من العاصمة البريطانية: دعم الإمارات لفلسطين راسخ

في تلك الفترة، دعا أرييل شارون علنًا إلى اغتيال ياسر عرفات، مما صعّد التوتر الإقليمي وزاد من حدة الانقسام حول القضية الفلسطينية.
رغم التصعيد، وجّه الشيخ زايد رسالة واضحة من العاصمة البريطانية: دعم الإمارات لفلسطين راسخ، حتى وسط تعقيدات السياسة الدولية الغربية.
في مذكراته “عرفات وحلم فلسطين”، كتب بسام أبو شريف: “فلسطين كانت تحتل مكانة خاصة جدًا في قلب الشيخ زايد”.
أضاف أبو شريف: “زايد كان قائدًا عربيًا وفيًا، لا يساوم على الثوابت، ويجهر بدعمه لفلسطين في كل المحافل، بلا خوف أو مجاملة”.
لا تفوّت قراءة: بالأسعار والمواعيد.. 8 أماكن لتعليم الرقص الشرقي في مصر والإمارات
60 دقيقة من النقاش حول انتهاكات إسرائيل في فلسطين: كيف تفاعل الشيخ زايد مع روايات الاحتلال؟

كتب بسام أبو شريف: “لخّصتُ التطورات لسموّه، وكان يقاطعني أحيانًا لطلب التفاصيل. لاحظتُ تأثره العميق بمعاناة شعبنا تحت الاحتلال”.
كان الوقت الممنوح 20 دقيقة فقط، لكن عندما هممت بالمغادرة، أشار إليّ الشيخ زايد قائلاً: “فلسطين أهم”، وواصل الحديث لساعة كاملة، حسبما قال بسام أبو شريف في مذكراته
قبل أن أغادر، تعهّد الشيخ زايد بدعم الشعب الفلسطيني، وحثّنا على التمسك بالموقف الثابت حتى تحرير القدس. يقول المستشار البارز للزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.
الصحف البريطانية: إرهابي في قصر باكنجهام

في صباح اليوم التالي، نشرت صحيفة بريطانية تقريرًا بعنوان: “إرهابي في قصر باكنجهام” (A Terrorist in Buckingham Palace)، فيما اعتبرت صحيفة ” The Independent” اللقاء محرجًا للخارجية البريطانية.
لا تفوّت قراءة: حزب العمال الكردستاني يحرق سلاحه بعد 40 عاما من النزاع.. ماذا نعرف عن ماضيه وصراعه؟
كيف تفاعل قصر باكنجهام مع اللقاء المثير للجدل؟

لكن اللافت كان موقف العائلة المالكة من الجدل الذي أثاره اللقاء. فقد أصدر قصر باكنجهام بيانًا يؤكد أن الضيف الرسمي يملك حرية استقبال من يشاء.
وأوضح البيان أن اللقاء مع أبو شريف جرى الترتيب له مسبقًا، وفقًا للبروتوكول المعتمد. وبهذه الكلمات المقتضبة، منح القصر الملكي غطاءً دبلوماسيًا لموقف الشيخ زايد، دون الدخول في تفاصيل سياسية مباشرة.
هكذا، دعمت بريطانيا، ببيان رسمي، حضور الشيخ زايد السياسي الجريء، وأكسبته شرعية غير متوقعة في قلب لندن.
ماذا حدث بعد استقبال الملكة في قصر باكنجهام؟

عقب حفل الاستقبال الملكي، بادر الشيخ زايد بتنظيم مأدبة عشاء فاخرة، في 20 يوليو 1989، ردًا على تكريم الملكة إليزابيث الثانية.
أقيمت المأدبة بعد يومين، في فندق “كلاريدجز” الشهير وسط لندن، وخصّصها الشيخ زايد تكريمًا للملكة. وحضر المناسبة عدد من كبار السياسيين البريطانيين، إلى جانب شخصيات من العائلة المالكة البريطانية.
وكان من أبرز الحضور الأميرة ديانا، التي زارت الإمارات قبل أشهر قليلة، في مارس، برفقة الأمير تشارلز.
هل التقى الشيخ زايد بمارجريت تاتشر خلال الزيارة؟

نعم، خلال زيارته التي استغرقت أربعة أيام، التقى الشيخ زايد برئيسة الوزراء البريطانية مارجريت تاتشر. واستُقبل في مقر إقامتها الرسمي ومكتبها في داونينج ستريت رقم 10، حيث بحثا العلاقات الثنائية والتطورات الإقليمية.

لا تفوّت قراءة: من عمرو دياب إلى تامر حسني.. أغانٍ تجمع نجوم الفن في دويتو عائلي مؤثر مع أبنائهم
هل كانت زيارة دبلوماسية عادية… أم موقفًا يتجاوز البروتوكول؟

لم تكن زيارة الشيخ زايد إلى بريطانيا مجرد لقاءات رسمية ضمن جدول دبلوماسي تقليدي. وكانت لحظة سياسية فارقة، نقل فيها صوت فلسطين إلى قلب العاصمة البريطانية، في وقت التزمت فيه دول كثيرة الصمت.
في ظل تصاعد التوتر الإقليمي، اختار الشيخ زايد أن يتحدث بوضوح، ويُدخِل القضية الفلسطينية إلى صلب المحادثات الرسمية. وفتح أبواب قصر باكنجهام أمام ممثلي فلسطين، وجعل من الأخلاق جزءًا لا يتجزأ من السياسة الخارجية الإماراتية.
كما كتب بسام أبو شريف لاحقًا: الشيخ زايد كان “عربيًا حقيقيًا… بقي وفيًا لمواقفه القومية حتى وهو في أعلى درجات المجد”.
