قبل أن تستقر في الذاكرة، تجوّلت الفريسكا على الأكتاف. مثلها مثل الجندوفلي وأم الخلول، حملها الباعة في صناديق خشبية وزجاجية، يتجولون بها تحت شمس الشاطئ الحارّة، ينادون بأصواتهم المميزة: “فريسكا… أيوه الفريسكا!”
كان هذا النداء علامة الصيف، وصوتًا مألوفًا لكل من زار شاطئًا مصريًا أو تربى على رماله.
لم تكن الفريسكا مجرد حلوى خفيفة، بل أصبحت طقسًا صيفيًا أصيلًا، ورمزًا نابضًا بالإسكندرية تحديدًا، حيث ولدت من قلب تنوعها الثقافي وروحها الكوزموبوليتانية.
من صينية نحاسية إلى عربة معدنية مزينة، قطعت الفريسكا رحلة طويلة، حافظت خلالها على نكهتها وبساطتها، لتتحول من مجرد وجبة خفيفة إلى قطعة من ذاكرة البحر، وواحدة من أبرز ملامح هوية المصيف المصري.
لا تفوّت قراءة: افتكاسات الآيس كريم .. حلوى الصيف في ثوبها الجديد!

الفريسكا.. روايات متعددة حول أصل حلوى المصيف الأشهر

هناك عدة روايات عن بداية انتشار الفريسكا للشواطئ المصرية وخاصة مدينة الإسكندرية، الحاضن الأول لها.
في البداية كلمة “فريسكا” هي في الأصل كلمة إيطالية تعني “الطازج” أو “المنعش” وبالتالي رواية أن الفريسكا بدأت بالانتشار في الإسكندرية مع توافد الجالية الإيطالية إليها قد تكون منطقية.
حينما كانت المدينة تمثل ملاذًا لعدد كبير من الجاليات الأجنبية مثل اليونانية، الإيطالية، والفرنسية.
فالكلمة نفسها كانت تتردد على شواطئ الإسكندرية “الكوزموبوليتانية” التي تتحدث مزيجًا لغويًا خاصًا يعرف بـ “الفرانكيت” .
ووسط هذا الخليط الثقافي، ربما ظهرت الفريسكا كمنتج فريد يعتبر مرآة للتنوع الحضاري الذي عاصر ته المدينة.
والبعض الآخر رأى أن أصل جميع أنواع المعجنات إيطالى الصنع وكذلك الفريسكا.
التى بدأت بصناعة رقائق مقرمشة أشبه بالبسكويت لتناولها كوجبة إفطار لذيذة.
وتم تطويرها بإضافة لمسة شرقية إليها في عهد العثمانيين وتم استخدامها في صنع الآيس كريم لتنتشر بكثرة.
هل الفريسكا ولدت من نداء البائع المصري على الشواطئ؟

ووفقًا لروايات أخرى تقول كلام مغاير، أن حلوى الفريسكا لم تكن تُباع لا في إيطاليا ولا في أي من الدول المطلة على البحر المتوسط، بل انفردت بها الإسكندرية تحديدًا، وانتشارها تزامن فقط مع حقبة الاحتلال البريطاني لمصر.
أو ربما البائع المصري كان ينادي بكلمة (فريسكا) بهذه الطريقة وهي في الأصل رقائق بسكوت ليجذب أبناء الطبقات الراقية والجاليات الأجنبية.
وربما أيضَا من صنعها وباعها أول مرة في الإسكندرية كان من الإيطاليين المقيمين بها آنذاك.
لا تفوّت قراءة: فريسكا في إيدك وسماعة في ودنك؟ 7 أغاني تسمعها على شاطئ البحر!
رحلة الفريسكا من الشواطئ إلى السينما والتليفزيون

على شواطئ الإسكندرية أخذت تنتقل من بائع لبائع، وأب يورثها لابن، وجد يورثها لحفيد، حتى وصلت إلى شواطئ مرسى مطروح.
ثم بدأت في التوسع لشواطئ الساحل الشمالي ولكنها بدأت تأخذ طريقة تقديم جديدة، سواء بتقديم مسكرات معها أو حتى في طريق التغليف.
ومن الشواطئ وصلت حتى إلى السينما والتليفزيون ورافقت الشعراء في كلامهم، حيث قامت الممثلة آثار الحكيم ببطولة مسلسل “فريسكا”، ولعبت فيه دور بائعتها.
وكتب الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم أغنية المسلسل، وجاء فيها :
كان فيه يا بلدنا يا نسّاية.. حتة بسكوتة فريسكاية، ع الشط تبعتر ضحكتها.. تفرش حدوتة وغنواية، نشوانة بسحر جلال الكون.. عشقانة جمال الصوت واللون.
وبغض النظر عن اختلاف الروايات لا تكتمل زيارة شواطئ المصرية سواء الإسكندرية أو الساحل الشمالي دون لحظة “فريسكا”.
كأنها تذكرة عبور إلى ماضٍ لا يزال حيًا في صوت البائع المتجول، وفي صندوق يعرض أكثر من مجرد حلوى… يعرض ذاكرة مدينة.