عبارات مطبوعة على المركبات.. كيف تحولت لمنصات رأي وهتاف للصامتين؟
“ماشية براحتها علشان خايفة على صحتها” ، “سلامة الإنسان في حفظ اللسان” ، “الباشا من هيبته بيتشتم في غيبته” ، “الله يحميكي من الميكانيكي” ، “تكبر وتصير همر” ، ” “الثرثرة لا تسدد الديون” ، “لو الدنيا بحر مليان هموم.. خد شورت وانزل عوم ” .. كيف تحولت تلك العبارات المطبوعة على المركبات بين ليلة وضحاها لهتاف شخصي صامت؟
هتاف الصامتين
كلمات وعبارات ربما لن تأخذها على محمل الجد للوهلة الأولى، وربما لم تدقق فيها وأنت تسير في عجالة على الطريق ولم تستوقفك أو تتأمل فيها، تراها في أماكن محددة، jتزين بها مركبات سائقي الميكروباصات أو التكاتك، والميكروباصات من قبلها نظرًا لأن التوكتوك اختراع ووسيلة لحد ما حديثة نسبيًا، وفي الغالب تلك العبارات لم تجدها على ظهر عربية مرسيدس أو فيات.
كلمات لم تأخد اتجاه محدد الملامح، منها من يحمل عبارات دينية ومنها رسائل تحذيرية أو تعبير عن خيبات أمل أو موقف طبع في قلوبهم فقرروا أن يطبعوه على السيارة، وأحيانًا تحتوي على حكمة نابعة من أوجاع.
وفي دراسة أعدها الدكتور سيد عويس أستاذ علم الاجتماع، فسر خلالها ظاهرة الكتابة على المركبات معتبرها ظاهرة اجتماعية، حيث أعد دراسة تتبع فيها الظاهرة في إحدى عشرة محافظة من الصعيد إلى الوجه البحرى مرورًا بالقاهرة ووصولًا إلى الإسكندرية، ورصد فيها 1000 حكمة على الطريق.
لم تكن أهمية الدراسة تكمن في الكشف عن أفكار فئة اجتماعية تعبر عنها بكلمات بسيطة ولكن كان يريد أن يصل إلى أن المكتوب هو تجاهل أوجاع ونتيجة حتمية وحصاد للصمت، وهو ما سماه بـ “هتاف الصامتين” وأنها محاولة لأن يكون لهم صوت مسموع.
وربما يؤكد ذلك على كلام بعض الخبراء النفسيين ومنهم الدكتور محمد قجدار، بعدما اعتبروها نوع من أنواع التنفيس عن النفس، ويريد السائق أن يبعث بها رسالة أو يتقمص دور الواعظ أو من الممكن أن تكون لهذا ولا ذاك وتكون مجرد هواية وتسلية.
الشارع بيعلم وبيعلم
تساؤل يراودنا دائمًا “لماذا تخرج دائمًا من الشارع؟” وهنا ليس المقصود بعبارات المركبات بل النكت والأمثال الشعبية، فإذا نظرت لعبارات المركبات مع تركيبتها والسجع غير المقصود التي تحتوي عليها، يجعلنا نقف قليلًا ونفسر مهاراة في اللغة غير مقصودة ليست مرتبطة بالفصاحة ولا مرتبطة بالقواعد نحوية.
وإذا بحثت وراء الأمثال الشعبية تجدها وليدة قعدة صفاء أو قعدة رصيف أو قعدة نميمة بين السيدات من أصحاب المناطق الشعبية، كمثل ” اكفي القدرة على فمها .. تطلع البنت لأمها” رواية توصف سبب المثل وهو السطوح الذي كان محرمًا على البنات، وإذا احتاجت الأم ابنتها في شئ لم تكن تناديها حتى لا يسمع أحد صوتها، ولا يعرف اسم البنت، بل كانت تقلب قِدرَة على فمها فتحدث صوتًا تعرفه البنت فتطلع إلى أمها على السطوح لتلبية طلبها.
وهكذا إذا بحثت في كل الأمثلة الشعبية، ستجد ورائها قصة من طبقة اجتماعية وثقافية معينة، وكذلك الحال بالنسبة للنكتة، وليدة قعدات القهاوي والمواقف العفوية ووليدة فئة شعبية ايضًا ربما عانت وتريد أن ترفه عن نفسها، أو وليدة شجن، خرجت من أشخاص ذاقوا مرارة أشياء معينة في حياتهم كالفقر والبطالة ومرارة العيش، وربما هذا يفسر مقولة كنت استمع إليها احيانًا “الأغنيا مش بيعرفوا يقولوا نكت زي الفقرا “
ولعل القاسم المشترك في كل هذا هو الشارع “بيعلم ويعلم”، فكل شيء مرتبط به ” بيعلم ويربي أشخاص وبيعلم عليهم كمان” كما يقولون باللغة العامية الدارجة، ولذلك عندما تبحث عن قصة تجدها في الشارع وبهاريزه، فأنسب مكان لها هو الشارع لإنها ولدت من رحمه ومن رحم مواقفه ومعاناته ومعاناة المناطق الشعبية والشوارع المتلاصقة.
وكلها في النهاية أشكال تعبيرية ولدت على الأسفلت، تعبر عنهم وتلازمهم في كل مشاوريهم وتتجسد أمامهم خلال مواقف ولا مفر منها، وعلى رأي عم محمد ” الدنيا طول عمرها عجوة معايا امتى تبقى ملبن بقى؟”