الكراكيب في حياتنا: محاولة لاكتناز قهري أم رد فعل لشيء أخر؟
في كل ركن من أركان بيتك ستجد بالطبع على الأقل شيء أو اثنين عفى عليهم الزمن، كبرت أجيال وتوالت الأحداث وهم في نفس وضعيتهم لا تستطيع ولا تجرؤ على تغييرهم من مكانهم ومن رابع المستحيلات أن يصور لك عقلك أن تستنغى عنهم في يوم من الأيام، سواء ببيعيهم للروبابيكيا باعتبارهم خردة، أو حتى برميهم في أقرب صندوق للقمامة، ناهيك أيضًا عن كراكيب البلكونات والسندرة والتي نتستخدمها أحيانًا كأوضة مخصصة للكراكيب.
ولكن ما الدافع وراء ذلك التمسك، هل هو تمسك مرضي أم اكتناز قهري أم لإن القلم العتيق كان يحمل ذكرى خاصة؟ ذكرى تحمل معها الماضي الذي يشكلنا نحن ونعيش ونتعايش به؟ أم هو انعكاس لكراكيب أخرى في أدمغتنا أو كراكيب لعلاقات لا نتسطيع أن نتخطاها؟ في حديثنا مع الدكتور أحمد توفيق شرح لنا الأسباب من حيث البعد النفسي ولماذا نلجأ أحيانًا للاكتناز؟
عبودية الكراكيب
- الإحساس بعدم الأمان: بيقول توفيق” الموضوع له علاقة بعدم الإحساس بالأمان لدرجة إن في بحث اتعمل ولقوا إن الانسان بيلبس 20% من هدومه في 80% من أحداث حياته، وهنلاقي إن عندنا 35% من قطع معينة من ملابسنا بنستخدمها من الموسم للموسم، كل سنة بتطلعه وبقول هنتستخدمه السنة اللي بعدها وده مش بيحصل.. وده بيعكس شيء من عدم الأمان”.
- تعويض عكسي في الأشياء المادية: ووضح تلك النقطة بمعنى إنك تكون مفتقد لأشياء معينة في حياتك مثل العلاقات العاطفية فتقوم بتعويض لها عن طريق اكتناز أشياء معينة مادية، وهذا يسمى بـ”اساءة استخدام الأشياء”.
- حب الامتلاك: ووضح “وده بسبب إنك بتلاقي الشخص بيسعى للدخول في علاقة عاطفية ويفشل أو مفتقد للأسرة بشكل عام أو حاسس إنه مرفوض فيها، مش منظور له بالنظرة المناسبة أو المفروض ينظر له بها، أو بينظر لنفسه إنه شخص غير كافي “فمن وجهة نظره أن كل هذا سبب كافي لخلق نوع من حب الامتلاك يظهر في اقتناء الأشياء والتعلق بها تعلق مرضي.
- فكرة العطاء: يرى إن من يكتنز لم يتربى على فكرة العطاء “ساعات بنقول مثلًا الجاكت ده براند ازاي هديه لحد، العطاء مش متعرف عند بعض الناس صح، المفروض نعلم أولادنا إزاي نبقى مانحين وليس مجمعين، ويقدموا من أحسن شيء”.
وختم كلامه إن الموضوع أيضًا أشبه بثقافة النيش والسحارة عند العرب، عندما أصبحت ثقافة عالمية وبدأت العولمة في هذا الاتجاه.. ومن بعدها العرب تأثروا بها، وأصبحت أشبه بالطبيعة والفطرة الإنسانية، وأحيانًا يلجأوا لها لإنهم يروا فيها ذكريات لأشخاص رحلوا عنهم أو علاقة انتهت وهذا شيء في غاية الألم.
في كتاب عبودية الكراكيب للكاتبة كارين كينجستون، صنف هذا كنوع من أنواع الاكتناز القهري أو اضطراب الاكتناز، يقول “وعلى عكس التجميع، يميل المرضى إلى التجميع بطريقة غير منظَمة، ويجدون صعوبة في ترك أشياء، ويقوم الأطباء بتشخيص هذا الاضطراب عندما يراكم المرضى العديد من الممتلكات، ويكون لديهم صعوبة كبيرة في تركها ويسبب التخلص منها اكتئاب بشكل كبير أوأقل قدرة على العمل بمرض أضطراب الاكتناز”.
عصر العبودية لم ينتهي بعد، فهناك نوع آخر من العبودية الخفية وهو عبودية الكراكيب، ولكن لو نظرنا لحياتنا ستجدها بدون وعي محاطة كلها بالكراكيب، ولا شك أن من بين تلك الكراكيب مقتنيات تستحق التمسك بيها، كساعة جدك، سبحة والدتك، دفتر دونت فيه كل يومياتك تعود له في زحمة الحياة، ولكن أحيانًا تلك الكراكيب تصبح حمولة زائدة على قلبك وعلى رفوفك في المكتب أيضًا..
ومن شرح الأسباب والبعد النفسي نجد أن جزء كبير من وجداننا كأمة يتعلق بفكرة الكراكيب، ليس فقط بالمعنى المادي وإنما أيضًا بالمعنى النفسي والروحي، فحياتنا كلها كراكيب، وأي بيت لا يخلو من وجود “السندرة” أو “البدروم” أو حتى فوق السطوح ولكن الفكرة كلها كيف ستتعاطى معها.