من الموسيقى للسياسة الدولية: البروباغندا في خدمة القضية الإسرائيلية
بتستخدم إسرائيل استراتيجيات مختلفة بهدف صرف نظر العالم عن الجرائم اللي بترتكبها في حق الفلسطينيين، سواء في المجال الحقوقي أو في مجال القانون الدولي، بهدف تبييض وجهها الاستعماري وتزييف صورة الدولة التقدمية المنفتحة في مقابل دول العرب اللي بيتم وصفها بالتخلف.
بترسخ استراتيجيات إسرائيل في الغسيل السياسي لصورتها كدولة عريقة لها تاريخ وثقافة، في محاولة لدفع العالم لتناسي واقعها الاستعماري كدولة نشأت في منتصف القرن الماضي عن طريق جمع اليهود من مختلف أنحاء العالم بثقافاتهم وهوياتهم المتعددة، علشان يعيشوا في قطعة أرض تمت تهيئتها لهم من خلال عمليات تطهير عرقي وجرائم حرب.
بيتم إدارة الاستراتيجيات دي من قلب الحكومة الإسرائيلية ومنظماتها المختلفة، زيّ الوزارات والسفارات والقنصليات ووسائل الإعلام والبلديات، ومن الاستراتيجيات دي:
مغسلة البيت الأبيض: المنظف الأبيض متعدد الاستخدامات
سنة 2020، نشرت جريدة “واشنطن بوست” تقرير عن رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو”، وقالوا في البيان إنه بيستغل خدمات بيت الضيوف في مكتب الرئاسة الأمريكي للزوار الدبلوماسيين، علشان يغسل ملابسه الغير نظيفة.
قال مسؤول أمريكي لواشنطن بوست: “عائلة نتنياهو هما الوحيدين اللي بيجيبوا معاهم شنط غسيل متسخ كاملة علشان يتم غسلها في بيت الضيافة الخاص بمكتب الرئاسة”. وبيضيف “بعد كذا رحلة اتكرر فيهم نفس الموقف، بقى واضح إن ده مقصود”.
بالإضافة إلى غسل ملابس رئيس الوزراء الإسرائيلي المتسخة في البيت الأبيض بشكل حرفي، بيوضح واقع العلاقات السياسية بين الولايات المتحدة وإسرائيل دعم الأولى للأخيرة بشكل قوي، سواء في شكل استراتيجي أو عسكري.
وبيمتد دعم الولايات المتحدة لسياسات دولة الإحتلال العنصرية للتغطية على جرائمها ضد الشعب الفلسطيني، وفي سنة 2021، صدر إعلان المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، بضرورة فتح تحقيق بخصوص جرائم الحرب الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، واللي اتقابل بتصريح من المتحدت باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، قال فيه:
“سنواصل التمسك بالتزامنا القوى تجاه إسرائيل وأمنها بما يتضمن معارضة الإجراءات التى تسعى لاستهداف إسرائيل على نحو جائر، فالمحكمة الجنائية الدولية ليس لها اختصاص بشأن هذه المسألة”.
الحمص والفلافل على الطريقة الإسرائيلية: المنظف القابل للأكل
في كتابه “الإبادة الثقافية” يوضح الكاتب لورنس دافيدسون، إن خارطة طريق أي استعمار في التاريخ تبدأ بتطهير عرقي في شكل تصفية جسدية للسكان الأصليين بهدف سرقة الأرض، وبيدلل على الحقيقية دي بتاريخ الإنسان الأبيض في الأمريكيتين وأستراليا، وبيوضح إن الخطوة التانية هي التصفية الثقافية للسكان الأصليين، بهدف محو وجودهم الثقافي وإحلال ثقافة المحتل مكانها.
خارطة الاستعمار الإسرائيلي أخدت اتجاه مغاير في الخطوة التانية؛ فبدل ما تقوم على محاربة مكونات الوجود الفلسطيني الثقافية، اختارت إعادة تعريف العناصر الثقافية دي على إنها إسرائيلية.
كان ممكن إسرائيل تستغل واقع مجتمعها العالمي (Cosmopolitan)، واللي تم تشكيله من مختلف ثقافات العالم في الترويج لثقافة حديثة تجمع كل ثقافات العالم، لكن يبدو إن سرقة الهوية الثقافية الفلسطينية كان ضروري لتأكيد الإدعاءات الصهيونية بخصوص حق الملكية القديم في الأراضي الفلسطينية، وبالتالي كان لابد من وجود ثقافة قديمة وموحدة تجمع الشعب اليهودي في الأراضي المحتلة.
كان المطبخ الفلسطيني من أوائل العناصر الثقافية اللي تم سرقتها، فبدأت إسرائيل من خلال وسائل الإعلام المختلفة، في الترويج للأكلات والوصفات الفلسطينية على إنها إسرائيلية، وكانت العملية دي صريحة في محاولات تهويد أطباق شرقية أصيلة زيّ ما بيوضح الصحفي نيسان شور، في مقاله “سرقات المطبخ الإسرائيلي” على جريدة هارتز الإسرائيلية، واللي بينتقد فيه تناقض الفصل العنصري الإسرائيلي ومحاولات تهويد المطبخ الفلسطيني في مثال واضح للاستحواذ الثقافي.
في 2017، نشرت الطباخة الأمريكية، رايتشل راي، على حسابها على تويتر صور أكلات فلسطينية أصيلة منها الحمص والفلافل والخبز العربي وورق العنب “يبرق”، ووصفتها بإنها وجبات إسرائيلية وكتبت طريقة تحضيرها “على الطريقة الإسرائيلية”، وهو مثال عن دور بعض مؤسسات الإعلام الأمريكي في دعم استراتيجيات إسرائيل في الغسيل السياسي وتزييف الهوية.
إسرائيل لا تأكل اللحم: المنظف الأخضر
بعد اغتصاب إسرائيل للمطبخ الفلسطيني، اللي بيعتمد بشكل كبير على الأطعمة النباتية، زيّ الحمص والفلافل والبابا غنوج، أتحول جزء كبير من قائمة طعام المحتل للنظام الغذائي الأخضر.
بيعتمد 70% من اليهود في الأراضي المحتلة على الأكل الكوشر (الحلال)، واللي بيستلزم الدبح الحلال وتصديق الحاخام على الأكل بنفسه، أما زراعة الماشية هناك مانجحتش بشكل كافي، في الوقت اللي نجحت فيه زراعة الخضار بشكل كبير. كل العناصر دي كانت سبب في ارتفاع أسعار اللحوم وانخفاض أسعار الخضروات، وبالتالي أصبح توجه الإسرائيلين للخضار أكبر.
البيانات اللي نشرتها صحيفة “The Jerusalem Post” في 2020 بتقول إن 5% من الإسرائيليين نباتيين، ممكن ماتكونش استراتيجية غسيل سياسي، ولكن في 2018، نشرت نفس الصحيفة بوست بيقول إن الجيش الإسرائيلي هو أكتر جيش نباتي في العالم، في محاولة لتقديم الجيش والشعب الإسرائيلي على إنه متقدم.
مؤسسة أنونيموس لحقوق الحيوان الإسرائيلية، بتشتغل على تغيير صورة جيش الاحتلال في العالم من خلال أخبار عن توفر إكسسوارات صديقة للبيئة للجنود النباتيين سواء كانت وجبات نباتية بالكامل، أو جزم وقبعات.. إلخ، مصنوعة من مواد نباتية بالكامل.
الاستراتيجية الخضراء دي بتتتجنب بشكل كامل الكلام عن الانتهاكات الإنسانية الخطيرة اللي بيرتكبها جنود الاحتلال النباتيين ضد الشعب الفلسطيني، وبتركز على تقديم الجيش والشعب الإسرائيلي على إنه مهتم بالتقدم والتنمية.
تهويد الموسيقى الشرقية: المنظف للودان
بتشكل الموسيقى جانب جوهري في ثقافة الإنسان من قديم الأزل، وبيقول الفيلسوف الألماني، جورج فيلهلم فريدريش هيغل، عن الفنون بمختلف أشكالها إنها “المصدر الثالث لفهم الحضارات، بعد الدّين والفلسفة”. وبسبب تأثيرها القوي على الفرد والمجتمع، كان لها دور مركزي في البروباغندا السياسية اللي نشأت في العالم، زيّ البروباغندا المتعلقة بالحزب النازي في ألمانيا والاتحاد السوفيتي في روسيا.
كانت إسرائيل في بدايتاتها بتعارض الأغنية الشرقية وألحانها باعتبارها امتداد للهوية العربية، إلا إن خلال السنين اللي فاتت اتحولت الأغنية العربية لملمح أساسي في مشهد الموسيقى الإسرائيلية، وامتد الأمر لمحاولات تهويد الألحان الشرقية من خلال دمجها في مزيكا البوب الإسرائيلية وإدعاء إنها عنصر ثقافي لدولة المحتل.
وصل الأمر لترجمة كلمات الأغاني العربية للغة العبرية وإعادة توزيع الموسيقي مع الحفاظ على اللحن الشرقي ولكن باسم جديد؛ موسيقى حوض البحر المتوسط، وشوفنا ده في أغاني زيّ أغنية “يا كرم العلالي” للمطربة اللبنانية فيروز، وأغنية “اللي بيكذب على مرتو” للمطرب اللبناني فارس كرم. بالإضافة لده، تم سرقة لحن أغنية “ع بالي حبيبي” للمطربة اللبنانية إليسا من قبل الإسرائيلية سارييت حداد، ولحن “غلطة عمري” للملحن المصري عمرو مصطفى على إيد ليئور نركيس.
إلى جانب السرقة، بتُعتبر الموسيقى الإسرائيلية أداة تطبيع فعالة جدًا، فهتلاحظ في معظمها لزوم ذكر “تل أبيب” حتى لو مكانش لها مكان في كلمات الأغنية، كوسيلة لطباعة اسم الكيان الإسرائيلي في الوجدان.
مع استخدام ألحان شرقية أصيلة في أغاني البوب، نجحت إسرائيل في تقريب الموسيقى بتاعتها للمواطن العربي العادي، وبدأت الأغنية العبرية تدخل البيوت العربية بالفعل، وكمان الفضاءات العامة من مطاعم وبارات.
بين حقوق الإنسان وكارت معاداة السامية: المنظف الوردي
بتتمثل البروباغندا الإسرائيلية في مجال حقوق الإنسان في جهود المنظومة الإعلامية الضخمة لدولة الاحتلال في وصف الأخيرة بإنها الدولة التقدمية الآمنة في مقابل العرب اللي بتصفهم بالتخلف.
نجحت البروباغندا دي في ترويج أكاذيب دولة المحتل للدول الغربية وتحويلها لشعارات بيتم ترديدها والدفاع عنها، ولكن في عصر السوشيال ميديا والانفتاح التكنولوجي بقى من الصعب غض البصر عن فيديوهات الجرائم اللي بترتكبها إسرائيل في حق الشعب الفلسطيني.
تماشيًا مع الواقع التكنولوجي الحديث وفي حالة فشل البوق الإعلامي الصهيوني في تزييف الحقائق، بييجي الدور على القوة التحتية للدولة في تحييد رأي المجتمع الدولي لتناسي الجرائم دي، ولو الخطوة دي فشلت بيطلع على طول كارت “معاداة السامية” اللي بيتم استخدامه لترهيب منظمات حقوق الإنسان.
وبتستخدم إسرائيل بروباغندا فرعية في مجال حقوق الإنسان هي “حقوق المثليين” واللي بتدعي من خلالها إن تل أبيب هي جنة آمنة للمثليين لجذب السياحة المثلية وتبييض وجهها الاستعماري أمام العالم، أما الحقيقة فهي إن الحكومة الإسرائيلية وجزء كبير من الشعب، بيمارسوا ضد المثليين العرب نفس الفصل العنصري اللي بيمارسوه على غيرهم من الفلسطينيين بغض النظر عن هويتهم الجنسية.