هنا القاهرة.. الإذاعة المصرية وأحلام ما قبل التأسيس
الإذاعة المصرية ليها حكاية فريدة من نوعها يمكن من قبل نشأتها كمان، ووراها محاولات وأحلام وطموح ناس كتير إنهم يأسسوا الإذاعة بشكلها اللي عرفناه، وانطلقت في شكلها الرسمي بنداء “هنا القاهرة”.
البداية مع حبشي
المبادرة جات من طالب مصري اسمه حبشي جرجس، اللي سافر لإنجلترا سنة ١٩٢٢ لدراسة الهندسة اللاسلكية، وبعد خمس سنين قضاها في الدراسة، وتحديدًا سنة ١٩٢٧، رجع حبشي وجات له فكرة محاولة هتبقى الأولى لتأسيس محطة إذاعية أهلية، خصوصًا بعد الخبرة اللي اكتسبها.
في الوقت ده ماكانش في أي إذاعة في مصر غير محطة واحدة تابعة للبريطانيين بتخدم أهدافهم وثقافتهم وبيسمعها الأغنياء بس من أهل البلد، وهنا جات عبقرية حبشي اللي نزل وكالة البلح ودور على مخلفات الحرب العالمية الأولى وأشترى بعد جهد كبير مخلفات محطة إذاعية كانت بتُستخدم في الحرب، ووافق التاجر صاحب الوكالة، وهي وكالة “إلياس شقار”، إنه ياخد المعدات بعد ما عرف هو عاوزها ليه، واشترط عليه يشاركه في الإذاعة، وباع له المعدات فعلًا ب٦٠٠ جنيه.
بيت إلياس شقار كان مقر لإذاعة حبشي، وتحديدًا في شارع شبرا، وعمل حبشي هناك تجارب شاقة وشغل كتير لحد ما نجح في تجربته ونقل مقر المحطة من شارع شبرا لشارع الجيش في ميدان القبة، حصل بعد كده خلاف بين الشريكين، واستبدل حبشي شريكه التاجر بتلاتة شركاء كان منهم إسماعيل وهبي شقيق الفنان الكبير يوسف وهبي.
المحطة فتحت إرسالها للإعلانات، وكان اشتراكها الشهري نص ريال، وكان إيرادها في اليوم عشرة جنيه. كانت المحطة بتلبي طلبات المشتركين، زيّ إنها تذيع الأغاني اللي عاوزينها، وفي الفترة دي انتشرت أغاني مطربين، زيّ صالح عبدالحي ومحمد عبدالوهاب وأم كلثوم وبديعة مصابني وفريد الأطرش وأسمهان، والطريف إنهم ماكانوش بياخدوا أجر من الإذاعة.
الإذاعة وعصابة المخدرات
سيدة من المشتركين المهمين كانت بتطلب إذاعة أغاني معينة ل محمد عبدالوهاب وصالح عبدالحي، وفي يوم داهم البوليس مقر الإذاعة وقبضوا على حبشي واستدعوا عبدالوهاب وصالح للتحقيق، علشان يكتشفوا كلهم إن طلب الأغاني دي كانت إشارة من الست دي لأفراد العصابة علشان ينفذوا عمليات تجارة في المخدرات.
التطور في إذاعة حبشي
الإذاعة عملت خريطة لعملها، فكانت بتبدأ بالقرآن الكريم وبعدين نشرة الأخبار وأغاني وبعدين برنامج اسمه “ما يهم المرأة” وكان بيقدمه واحد من تجار أدوات الزينة والتجميل، وفي السهرة كان في برنامج اسمه “طبيب العائلة” كان بيقدمه دكتور اسمه عبدالفتاح محمد القاضي، وكان بيعمل إعلان عن عيادته في أخر البرنامج. أما في رمضان، كانت المحطة بتقدم فوازير وجوايز من محلات كانت بتعمل لنفسها دعاية.
الإذاعة والقنبلة
في مرة أذاع حبشي خبر في الإذاعة إن في قنبلة انفجرت في شارع روكسي، وقال إن التفاصيل هتتقال بعد شوية، وكان الخبر ده دعاية لمحلات عن أسعارها، بس إذاعة الخبر في الأول عمل قلق كبير بين الناس اللي اتصلت بالإذاعة تستفير، وطبعا اتدخل الأمن ووجه له إنذار بتكدير الأمن العام.
ظهور محطات جديدة
مع نجاح إذاعة حبشي، بدأت الفكرة تعجب ناس كتير اللي قرروا يأسسوا محطات وظهرت حاجات زيّ إذاعة مصر الملكية والشرق وراديو فيولا ومحطة عرابي وراديو فاروق وراديو فؤاد وراديو رمسيس وراديو سابو، وحصلت بينهم طبعًا حروب على المشاهدين والفوز بيهم، واستخدموا في الحروب دي سلاح الإشاعات، وهنا اتدخلت الدولة وقفلتهم كلهم وصادرت وأممت محطات كتير، ومنحت شركة ماركوني إمتياز إنها تكون أول محطة إذاعية لاسلكية، وعينت حبشي جرجس موظف في الإذاعة الحكومية.
هنا القاهرة
وهنا نيجي لنهاية الأحلام الفردية، علشان تبدأ الدولة في تقنين الموضوع وبداية إنشاء الإذاعة المصرية الرسمية في شقة من تلات غرف في شارع علوي في وسط البلد، كان كل مذيع بيقرأ النشرات باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية، وصرفت عليهم الإذاعة دروس عشان ينطقوا اللغات دي بشكل سليم.
وكان في حاجة تشبه فريق إعداد، بس من المذيعين، بيتفق مع الضيوف من الفنانين والأدباء، وكان كبير المذيعين الممثل والإذاعي أحمد سالم.
كان صوت الإذاعة مش بيوصل لأبعد من أسيوط، ويوم ٣١ مايو ١٩٣٤ بدأت الإذاعة البث الساعة خمسة ونص مساءً بصوت بيقول “ألو هنا الإذاعة اللاسلكية للحكومة المصرية”، وأتعدلت بعد كده للنداء الشهير “هنا القاهرة“.. ودي حكاية تانية.