من أدب رضوى عاشور: إبداعات الكاتبة والناقدة والأم والمعلمة
ُتعتبر رضوى عاشور واحدة من أهم الكاتبات اللي أضافوا للأدب المصري الحديث. وشغلت الروائية الفذة والناقدة الأدبية رئيس قسم اللغة الإنجليزية والأدب في جامعة القاهرة بعد ما درست الأدب المقارن في نفس الجامعة. سافرت للولايات المتحدة وانضمت لجامعة ولاية ماساتشوستس علشان تدرس الأدب الأمريكي الأفريقي وتحصل على شهادة الدكتوراة فيه.
تزوجت من الأديب الفلسطيني، مريد البرغوثي، وشالت معاه أحمال القضية الفلسطينية، فـكانت ناشطة سياسية فعالة إلى جانب نشاطها الأكاديمي والأدبي. بدأت اللجنة الوطنية لمكافحة الصهيونية في الجامعات المصرية لما بدأ السادات بوادر التطبيع مع إسرائيل. أنشأت مجموعة 9 مارس اللي طالبت باستقلال الجامعات المصرية لما بدأ الرئيس السابق حسني مبارك يتدخل في الحياة الأكاديمية.
أنجبت من البرغوثي ابنهم تميم، واللي بقى واحد من أهم الشعراء العرب وضاف كتير للشعر العربي الحديث، وقدر يخلق مزيج شعري عربي بديع مع التمسك بقواعد الشعر العربي الكلاسيكي.
انتقلت السيدة راء للسماء سنة 2014 بعد ما سابت وراها موروث أدبي عظيم يتميز بالسلاسة في السرد والعمق في تناول الإنسان ككيان متعدد الأبعاد. تلون ادبها بالذكاء في قص الحكايات الاجتماعية بأسلوب يجمع ما بين الإثارة القصصية والمحتوى الإنساني الصادق.
واحد من أكتر مقولات رضوى عاشور المميزة: “الحكايات التي تنتهي، لا تنتهي، مادامت قابلة لأن تروى”، وحكاية السيدة راء في النضال الأدبي والأكاديمي والسياسي والإنساني أبدية وقابلة لأن تروى كل يوم من خلال أعمالها الأدبية الخالدة، وعلشان كده جبنالك 5 من أهم أعمال رضوى عاشور الروائية علشان تتعرف عليها وعلى إنتاجها الأدبي.
ثلاثية غرناطة
تلات روايات خيالية هم “غرناطة ومريمة والرحيل” وتم نشرهم على مدار سنتين من 1994 لـ 1995، ويعتبروا من أهم أعمال الدكتورة عاشور، واللي وثقت فيهم تاريخ سقوط الدولة الإسلامية بسقوط غرناطة بالأندلس “اسبانيا” في عهد أخر ملوكها “بو عبدالله محمد الصغير”.
بتركز الثلاثية على المجتمع الأندلسي في وقت انهيار الدولة، واللي بيتعرض له المسلمين من تعسف وتهجير قسري على إيد القوط اللي سيطروا على مقاليد الحكم، وكل ده من خلال حكاية عائلة واحدة على تلات أجيال متعاقبة بيظهر فيها تبدال الأحوال والوقائع من غير ما تتناول الثلاثية أوضاع السياسة وصراعات السلطة بشكل مباشر.
بيتميز أسلوب عاشور في الثلاثية بالوصف الدقيق والمفصل للأحداث والشوارع والمناظر وشكل وطبيعة حياة الشعب والثقافة الأندلسية، وركزت على تجربة الإنسان العادي وسط صراعات الملوك والنبلاء.
وثقت فيهم تاريخ سقوط غرناطة في الأندلس في أواخر أيام عصر الدولة الإسلامية، بالذات إن معظم الشخصيات بتبدأ أطفال في الرواية الأولى وبعد كده بيتحولوا لشباب وبعدين آباء وأجداد في الرواية التانية والتالتة، فهتحس إنك بتهضم حياة عائلة كاملة بتجاربها وخبراتها وأفراحها وأحزانها.
من شخصياتي المفضلة في الرواية شخصية “مريمة” الطيبة والذكية والنقية والمحبة، واللي انتهت أخر رواية في الثلاثية بجملة “لا وحشة اليوم في قبر مريمة”، وهي الجملة اللي لما بفتكرها كل مرة بعيط، لإني عشت مع مريمة طفولتها وشبابها وعجزها وفرحها وقهرها وموتها.
تقارير السيدة راء
هي مجموعة قصصية كتبتها رضوى عاشور على شكل مجموعة من المسودات واليوميات اللي كانت بتكتبها في أوقات متفرقة، وبعد كده قررت تجمعها في كتاب واحد علشان تبقى مجموعة قصصية ولمحات من سيرتها الذاتية في نفس الوقت.
وعلى شكل مجموعة مقالات متنوعة، ناقشت عاشور في الكتاب ده أحداث وقضايا اجتماعية وسياسية مختلفة عاصرتها على مدار حياتها، وكتبتها كلها حول شخصية “السيدة راء” بصيغة الغائب، رغم إنها هي نفسها السيدة راء.
في المجموعة القصصية دي تقدر تشوف لمحات من شخصية عاشور في الحياة العامة والخاصة، وتتسلل إلى داخل أفكارها الأكثر خصوصية كقارئ أفكار يتجسس على كاتبته المفضلة.
الطنطورية
رواية خيالية ذات طابع تاريخي تم نشرها في 2010، وبتحكي حكاية دخول فلسطين وقيام دولة الإحتلال الإسرائيلي على أنقاض ودماء الفلسطينين الأبرياء من خلال حكاية أسرة فلسطينية من قرية الطنطورة هجرت وطنها بعد نكبة 1948.
بتسرد الرواية القصة على لسان رقية الطنطورية اللي كانت طفلة في وقت النكبة وعاشت التهجير القسري وفقدان العائلة بسبب حرب العصابات الصهيونية، وعاشت مأساة حياة اللاجئين الفلسطينيين في المعسكرات ودول المهجر ومأساة الاحتلال الإسرائيلي للبنان والأعمال الفدائية.
بيغلب على الرواية الطابع الفلسطيني وبتحتفي بالثقافة الفلسطينية من أول المطبخ للهجة بمصطلحاتها الجميلة والمسهبة والعادات والتقاليد الشعبية والملابس التقليدية بزخارفها البديعة.
بتركز الرواية على تجربة التهجير وفقدان الوطن والارتباط بالمكان وسجن وعي الإنسان في الذكريات وشبح الوطن المغتصب، وبتعبر عن ده من خلال رمزية مفتاح باب الدار اللي بتشيله النساء الفلسطينية من بعد التهجير لحد مماتهم، والمفتاح ده يُعتبر رمز للفقد والارتباط بالمكان في حلقة مفرغة من الفقد والذكرى.
أثقل من رضوى: مقاطع من سيرة ذاتية
“رسائل التشاؤم فعل لا أخلاقي”، بالجملة دي بتفتتح رضوى عاشور كتاب أثقل من رضوى في اعتذار واضح للقارئ عن الوجع المسطور في الكتاب فتقول: “عليَّ أن أعترف بالذنب لإشراكك في كل هذه التفاصيل، لكن كيف أكفِّر عن ذنبي؟”
الكتاب ده من نوع السيرة الذاتية اللي كتبت فيه عاشور مقتطفات وحكايات من حياتها الشخصية. ما بين قصص من الطفولة والشباب والغربة في أمريكا بحثًا عن العلم والأدب، بتحكي عاشور للقارئ بشفافية ووضوح وتعري أدبي مطلق عن أفراحها وأحزانها ونقائصها ومواقفها الإنسانية والسياسية اللي عاشت معاها طول حياتها ومرت بها، فـساهمت في تكوين أفكارها وشخصيتها، وبتحكي عن زواجها من الفلسطيني الشجاع والجميل، مريد البرغوثي، بعد قصة حب تخلط ما بين المواطنة والإنسانية والفكر، وقصص عن ابنها تميم.
بشجاعة أدبية مبهرة بتحكي عاشور عن معاناتها مع سرطان المخ، بداية من ظهوره على شكل ورم حميد خلف الأذن وإزالته أكتر من مرة لحد تشخصيها بسرطان المخ وطريقة علاجه ورحلة العلاج في أمريكا.
قصص بسيطة وشديدة الإنسانية، ولكن مؤلمة وشديدة الحساسية، سطرتها عاشور في الكتاب وهي بتحكي عن معاناتها مع المرض والعلاج الإشعاعي، وبتوصف خوفها من الموت وتقبلها للواقع واكتئابها وآلامها، وبتمزج كل ده مع اعترافات شخصية بتضيف للكتاب زاوية شخصية فيها شفافية نفسية أكتر من أي كتاب كتبته قبل كده.
الصرخة
يعُتبر الكتاب ده الجزء التاني من كتاب أثقل من رضوى، وبتحكي فيه عن عودة مرض السرطان واستعدادها لرحلة علاج تانية بعد المعاناة الكبيرة اللي حكت عنها في الكتاب الأول، وبتصف خوفها ورغبتها في الاستسلام، ومن خلال صفحات الكتاب هتعيش معاها التذبذب ما بين الأمل واليأس، ولكن الكلام عن المرض والعمليات الجراحية بيقل المرة دي؛ زيّ ما تكون عايزة تبرز مجموعة معاني استخلصها في رحلة حياتها أكتر من رسم لوحة كئيبة لسيدة عجوز مريضة تشعر بالموت يقترب.
بتشعر أثناء قراءة الصرخة إن عاشور كانت عايزة تخليه أخر إنجازاتها الأدبية وملخص للدروس اللي أتعلمتها على مدار حياتها، ولكن للأسف ماتت عاشور قبل ما تخلص الكتاب، واجتهد زوجها مريد البرغوثي في قراءة الكتاب وتنسيقه وإصداره للنشر زيّ ما أتكتب بالظبط من غير زيادات، علشان يصدر للقارئ كقطعة منقوصة اختطف الموت كاتبته قبل ما تخلصه.
كتاب تمت تسميته “الصرخة” لإنه أخر صرخات إنسانة عاشت حياة طويلة وثرية وصرخت وضحكت وكان لها مواقف قوية ذات مبادئ واضحة. كاتبة كانت عايزة تسطر أخر صفحات في حياتها بس ماتت قبل ما تخلص أخر مخطوطاتها.
أعمال رضوى عاشور ما بين الإنسان والحدث
قراءة أدب رضوى عاشور هيضيف لك كقارئ مزيج من نظرتها العميقة للإنسان كتركيبة معقدة مش مجرد صورة أحادية البعد، وقدرتها على وصف الحدث التاريخي من منظور اجتماعي خيالي بيتم سرده على لسان شخصيات محبوكة من بنات أفكارها ولكنها وليدة المكان والحدث التاريخي اللي بيشكلوا مع بعض وعي الإنسان ووجوده.