مكانة المرأة في مصر القديمة: من أم وزوجة لسيدة أعمال وملكة
نشأت الحضارة المصرية القديمة أول ما نشأت في العصر البرونزي، لكن حضارة البداري اللي نشأت في صعيد مصر، مركز البداري، محافظة أسيوط، بدأت حوالي 4500 سنة قبل الميلاد، في العصر الحجري المتأخر.
لما بندرس الحضارة المصرية القديمة على مدار تاريخها الطويل الممتد، بنكتشف عجائب في الفن والعلوم والإنتاج الأدبي، وبتبهرنا دايمًا بخصائصها السياسية والاجتماعية. ومن الخصائص الاجتماعية دي مكانة المرأة، اللي بقت واحدة من الجدليات المختلف عليها في الساحة المصرية النهارده، فإيه هي المكانة دي في الحضارة اللي نشـأت على ضفاف نهر النيل قبل حوالي 6500 سنة من النهارده؟
المرأة ومكانتها في مصر القديمة: الزينة والجمال والرشاقة
بتظهر مكانة المرأة في آثارنا القديمة بشكل واضح، وبيقول الدكتور ممدوح الدماطي، وزير الآثار السابق، في كتابه ملكات مصر: “حظيت المرأة في مصر القديمة على مكانة متميزة لم تحظَ بها امرأة أخرى في شتى المجتمعات والحضارات الإنسانية، وتشهد آثار الحضارة المصرية بذلك”.
بتظهر المرأة في آثارنا في تمثيل منفرد، أو مزدوج مع زوجها، أو في تماثيل عائلية، أو في مناظر ونقوش المقابر بملابسها الأنيقة وزينتها الكاملة، ومع زوجها في رحلات الصيد والولائم، أو بجوار موائد القربان، وفي الحفلات النسائية مع الطعام الوفير والموسيقى والرقص.
بيقول الدماطي: “.. كانت تظهر في زي كتاني أبيض جميل ذي طيات، وتلبس باروكة شعر وحلى جميلة تتماشى مع زيها، حتى لا يستطيع المرء أن يذكر المرأة المصرية في هذا العصر إلا بسيدة الأناقة، وسيدة الجمال..”، ويضيف: “كأنها صاحبة موضة تفرض نفسها على عصرها”.
في منظر جميل منقوش على تابوت الملكة كاويت زوجة الملك منتوحتب الثاني من الأسرة الحادية عشر، حوالي 0202 ق.م. بتظهر الملكة قاعدة ووصيفتها بتظبط لها شعرها، والملكة ماسكة المراية علشان تشوف تسريحتها، والخادم واقف أمامها بيقدم لها إناء من اللبن.
وفي نقش على قطعة فخار مكسورة، من عصر الدولة الحديثة حوالي 1200 ق.م، بيظهر إن المرأة اهتمت إلى جانب زينتها وأناقتها بمختلف المظاهر الحضارية، ومنها الرشاقة وممارسة الرياضة، والموسيقى والحفلات الاجتماعية.
تعليم المرأة في مصر القديمة
الإنتاج الأدبي الغزير اللي وصل لنا من مصر القديمة وضح مكانة المرأة في مجتمعها، فمصر هي أول من كرم المرأة ورفعها لأعلى مقام تستحقه، واهتم المجتمع بتعليمها غاية الاهتمام لإنه أدرك إن تعليم المرأة هو الطريق لتعليم كل الشعب، وبيذكر الدماطي في كتاب ملكات مصر إن الحكيم كاجمني كتب حوالي 2300 ق.م: “علموا المرأة يتعلم الرجل.. ويتعلم الشعب”.
ولو اتكلمنا عن المكانة والاحترام لازم نتكلم عن الحب، بيقول الحكيم سنب حوتب لابنه: “إذا أردت رضا الله فأحب شريكة حياتك، اعتن بها تعتن ببيتك وترعاه، قربها من قلبك فقد جعلها الرب توأمًا لروحك.. فهي هبة الإله الذي استجاب لدعائك بها، فتقديس النعمة إرضاء للرب”.
وقال بتاح حوتب: “إذا أحببت فتاة وبادلتها حبًا بحب فإياك أن تخونها، إن الحفاظ على الرباط العائلي المقدس حياة للمجتم، وإذا اقترفت الجرم خنت المروءة وأغضبت الإله، وجلبت على نفسك العار والضرر والاحتقار”.
وفي رسالة كتبها زوج لزوجته: “زوجتي الحبيبة الرقيقة، سيدة الأناقة، عذبة الحب، ممتعة الحديث، الحكيمة في عبارتها، كل ما يأتي على شفتيها ميزان دقيق، الكاملة التي تبسط يديها للكافة بالمودة، لا تنطق بشر، مفعمة بالحب للجميع..”.
كان لقب الزوجة “نبت بر”، ومعناه الحرفي “سيدة بيتها”، وبيقول الدماطي: “هو المعني الذي نسترجعه دائمًا في يومنا الحالي، وندعو زوجاتنا بـ “ست البيت”.
حقوق المرأة في الزواج والطلاق
كانت مصر القديمة من أول المجتمعات الإنسانية اللي طلعت وثائق للزواج والطلاق، ورغم إن العقود دي في البداية كانت بتتم مشافهة بين كبار أفراد الأسرتين، الموضوع بعد كده بقى نص مكتوب في شكل عقد، وبيقول الدماطي: كان الأهل والأقرباء وأهل القرية يحضرون حفل العرس، ويشهد على العقد شهود تسجل أسماؤهم في الوثيقة، ويحرر في العقد تعهدات الزوج، وينص كتابة على قيمة الصداق من أوزان الفضة ومكاييل الغلال، فضلًا عن مؤجل معين يدفعه إذا شب بينه وبين زوجته ما يدعو إلى الانفصال، وهو ما يعرف بالمؤخر في عقودنا الحالية”.
وعندنا بالفعل وثيقة زواج من مصر القديمة بتقول: “اليوم 21 من الشهر الرابع، فصل شمو السنة الخامسة للملك بسماتيك. دخل الكاهن فلان منزل الكاهن فلان ليحرر وثيقة زواج من السيدة فلانة، وقرر أن قائمة الأشياء التي سيعطيها إياها مهرًا هي دبنان من الفضة وخمسين مكيالًا من القمح. وقال أقسم بآمونن وفرعون أنني إذا طلقت أختي ملكي فلانة وأكون أنا السبب في الإضرار بها لأني طلقتها أو تزوجت بامرأة أخرى عليها إلا في حالة الخطيئة الكبرى من جانبها، فإني أعطيها الدبنين والخمسين مكيالًا من القمح المذكورين أعلاه، وكل ما سأحصل عليه من ريع، ويصبح ما سيؤول إلي من أملاك أبي وأمي لأولادي منها، توقيع الموثق والشهود”.
وكان الطلاق حق للزوجين وبيتم باتفاق ما بينهم وعقد موثق، ومنها عقد الطلاق التالي: “السنة 34، شهر برمودة للملك دارا، يقول الساقي إمنتي ابن سامنحوتب وأمه أتورو للسيدة تاهاي ابنة الساقي إمنتي وأمها كوسنيسي، قد سرحتك كزوجة وانفصلت عنك وليس لي أي حق عليك، وقلت اتخذي لنفسك زوجًا كما تشائين ولا يحق لي أن أقف أمامك من هذا اليوم وإلى الأبد. الموثق والشهود”.
حقوق الميراث والعمل
كان من حق المرأة تورث ممتلكاتها لمن تشاء، وجت وثيقة توريث أم لأولادها: “السنة الخامسة من عهد دارا، أن الساقية تسنن حور تعترف بحق ابنها الساقي باديمنحوتب بكرها وهو ابن إنحارو بنصف كل ممتلكاتها وكل ما تستحقه من والديها، والنصف الآخر يؤول لابنتها، وإذا حدث أن ولد لها طفل آخر وعاش فنصيبه من التركة يؤخذ من نصيبهما بالتساوي..”.
وكانت المرأة بتتساوى مع الراجل في الميراث. ومنذ عصر الدولة الوسطى بقت ممتلكات الآباء بتورث للأبناء بالتساوي دون فرق بين الابن والابنة، أما الزوجة فكانت بتورث تلت الممتلكات المشتركة بينها وبين زوجها، والتلتين الباقيين بيتقسموا بالتساوي بين الأبناء.
وحصلت المرأة على مكانة كبيرة في الحياة الاقتصادية، منها مناصب كبيرة زيّ القاضية بِنتِ، من الأسرة السادسة، وكان لقبها القاضية ووزيرة الملك وده أعلى الألقاب مكانة. وكانت طبيبة زيّ طبيبة الملك بسشت، واللي كانت من أحسن وأقرب أطباء الملك في الأسرة الرابعة، وكانت المرأة بتشتغل في منصب الكاتب اللي بيأهلها لمناصب حكومية عالية.
وعندنا السيدة ني نفر، اللي كانت سيدة أعمال وصاحبة أراضي واسعة، وأملاك وعقارات في عهد الدولة الحديثة، وكان عندها وكلاء تجاريين بيروجوا لمنتجاتها، وكانت بتدفع الضرايب. وظهرت المرأة في الحياة الاقتصادية بنفس التساوي مع الرجل، فكانت أحيانًا بتاخد إعفاءات ضريبية، وكانت بتعين العمال علشان يشتغلوا في ممتلكاتها.
الحق في الكهنوت والعمل السياسي
كانت المرأة شريك لزوجها الملك في أعماله، زيّ الملكة تي زوجة الملك أمنحوتب التالت حوالي 1388 لـ1350 ق.م، والملكة نفرتيتي زوجة الملك إخناتون، وكمان وصلت للحكم وبقت الملكة المنفردة للدولة من أقدم العصور، زيّ الملكة نيت-إقرت في نهاية الأسرة السادسة، ونفروسوبك في نهاية الأسرة الـ 12، وحتشبسوت من الأسرة الـ 18، وتاوسرت في نهاية الأسرة الـ 19، وكليوباترا في نهاية الأسرة البطلمية حوالي 50 لـ 30 ق.م.
كانت المرأة صاحبة مكانة كبيرة في المعابد المصرية القديمة، وقدرت توصل لأعلى سلطة دينية، وكانت من ألقابها (المتعبدة الإلهية لآمون)، وده لقب شديد الأهمية في جنوب مصر، منح صاحبته سلطات واسعة، لدرجة إنها أصبحت حاكم للجنوب بشكل شبه مطلق، وكان في خمس سيدات في مصر حصلوا على لقب المتعبدات الإلهيات هما شبنوبت الأولى من الأسرة الـ 23، وإمنرديس الأولى وشبنوبت التانية من الأسرة الـ 25، وبعدهم نيت-إقرت وعنخنسنفرإيبرع من الأسرة الـ 26.
آخر حاجة، كانت المرأة في مصر القديمة عضو فاعل في المجتمع وصاحبة مكانة كبيرة، فظهرت دايمًا بجوار زوجها في الحقل تقوم بأعمال الفلاحة، وكانت شريكة زوجها الملك في العمل السياسي، وأصبحت سيدة أعمال وكاهنة وملكة منفردة، والأهم إنها كانت صاحبة كلمة وحق في الوجود.
هكذا كانت المرأة في مصر القديمة، فكيف هي اليوم؟