معجزة الموسيقى: ليه عمار الشريعي واحد من أهم الموسيقيين العرب؟
في واحدة من قرى محافظة المنيا “سمالوط” وبالتحديد في 16 أبريل سنة 1948، عائلة الشريعي رُزقت بطفل اسمه “عمار” له ظروف خاصة، فقد بصره بعد إصابة بمرض معدي، بس الظروف دي ميزته عن غيره، والعيلة ماكانتش تعرف إن الطفل الكفيف ده في يوم من الأيام هيبقى الأب الروحي للموسيقى الشرقية والعربية، وهيتكتبله تاريخ ضخم من الأعمال الفنية والدرامية، حبه للموسيقى بدأ لما كان بيسمع دندنة والدته للأغاني، وساعده على ده خاله المحب للموسيقى، كان بيشوف العمل بقلبه قبل ما يألف الموسيقى، كان بيسمع بـ “أذنه” ويغوص في أعماق الشخصيات اللي لحن لها الموسيقى ويخلي جمهوره يغوص معاه، كان بيفصل الموسيقى على مقاس كل عمل زي الحرفي والصنايعي.
النهارده بيوافق ذكرى ميلاده، وبعد ما أمتعنا وما زال بيمتعنا، بنفتكره وبنفتكر هو ليه كان مختلف ومميز.
معجزة موسيقية
برغم ظروفه الصعبة، لما تبص على مشواره اللي بدأ فيه وكمل لحد ما بقى صرح فني، هتعرف قد إيه هو موهبة استثنائية، لدرجة إن الطريقة اللي اتعلم بها الموسيقى الناس اعتبرتها إعجاز، عزف على آلة الأكورديون والبيانو وهو عنده 3 سنين، وعزف على آلة العود واحترفها، ومن خلالها عرف أسرار الموسيقى العربية واتعلم أصولها ومقاماتها وهو لسه عنده 14 سنة، وبعدها اتعلم الأورج ورغم صعوبتها اتميز فيها، هو اللي علم نفسه على الكمبيوتر علشان مايقعدش يملي “النوتة” لحد تاني، وعلشان يسجل كل حرف من حروف جملته الموسيقية أول بأول، وكان عنده 9 سنين وقت ما بدأ يلحن أول مقطوعة اسمها “يا ناسيني” للموسيقار رياض السنباطي.
في رسالة ماجستير بعنوان “أسلوب عمار الشريعي في تلحين أغنية الطفل”، قالت الباحثة نهى السقا: “نشأ عمار الشريعي محبًا للموسيقى، وكانت ابنة عمه تعلمه العزف عن طريق تسمية النغمات بأسماء الأصابع، ثم اعتمد على نفسه في عزف عديد من الأغنيات العربية والغربية المشهورة، وبدأ تعلم التدوين الموسيقي وعمره سبع سنوات”.
بصمته على أشهر نوستالجيا المسلسلات
كم التترات النوستالجيا اللي ألفها المايسترو وفي وقت رمضان بالتحديد، خلته يبقى مربوط مع ناس كتير بلقب “ملك تترات المسلسلات”، ومش أي مسلسلات، كل واحد منهم كان علامة وماركة مسجلة في تاريخ الدراما؛ “أرابيسك” اللي صور لنا بموسيقته فيها الحارة المصرية، “دموع في عيون وقحة” و”رأفت الهجان” اللي قدم فيها لحظات من الإثارة والتشويق، وأهمهم إنه وصل لنا مشاعر الوطنية، واتعمل من موسيقى رأفت الهجان بعد كده شرايط كاسيت، ولحد دلوقتي أي عمل وطني بياخد من تيمة وروح موسيقى عمار الشريعي، ولا “حديث الصباح والمساء” اللي وصل لنا فيها الدفا والشجن، و”أم كلثوم” و”الراية البيضاء” و”أبنائي الأعزاء شكرًا”، كل اسم من دول كان صرح لوحده، وجيه عمار الشريعي أضاف له وخدم عليه.
ارتباطه بالشباب
بيعتبروه مثل أعلى للشباب أو مرشدهم وناصحهم، كان قريب من القلب وروحه كانت مرحة و بيدي دروس ونصائح من غير ما تبان كده في برنامجه، حسوه قريب لهم من كلامه وحكاويه وحقق المعادلة الصعبة في كونه لمع وظهر في جيل، ولما عدى العمر مش بس جيله هو اللي فضل يسمعه، لأ الأجيال اللي بعد كده من الشباب ولحد دلوقتي في حفلات بتتعمل في الأوبرا بيحضرها شباب وبيغنيها فرق شبابية، وبتبقى من روح عمار الشريعي بالأغاني اللي بتتغنى.
تاريخ اجتمع عليه أهم الموسيقيين العرب
صناع موسيقى ونقاد من العالم العربي، اختلفوا على حاجات كتير بس اتفقوا على موهبته، فبيقول أستاذ الموسيقى بأكاديمية الفنون محمود الحلواني: “أول من عرّب آلة الأورج ذات الأصل الغربي، إنه عبقري مبتكر”، وبيقول عنه الناقد السوري محمد الطارق” “الشريعي أحد أهم القامات الفنية في الوطن العربي كله على مدار الـ ١٠٠ سنة الأخيرة، فقد أثرى الحياة الموسيقية بعديد من الأعمال الخالدة التي سيتذكرها محبو الفن على مدار السنوات القادمة”.
والناقد الفني أسعد الأحمد، شايف موسيقاه مميزة فبيقول: “عندما تسمع لحنًا مميزًا تعرف دون أن تحتاج للسؤال إنه للشريعي، خاصة إنه له بصمة واضحة دون أدنى شك على الآلات الموسيقية”.
صرح فني كبير
كان الملحن الرئيسي لأشهر المغنيين على مدار أجيال مختلفة وباختلاف الموسيقى، لحن لوردة الجزائرية وشادية وميادة الحناوي وعلي الحجار وعفاف راضي، أكتر من 300 أغنية لكبار المطربين والمطربات، وصنع موسيقى لـ 50 فيلم، منهم أهم أفلام في تاريخ السينما؛ زيّ “البريء” و”كراكون في الشارع” و”حليم” و150 مسلسل و20 عمل إذاعي و10 مسرحيات غنائية استعراضية.
أخد جوائز كتير، منها جائزة مهرجان فالنسيا في 1986، وجائزة مهرجان فيفييه في سويـسرا سنة 1989، ووسام التكريم من الطبقة الأولى من سلطنة عمان 1992، ووسـام التكريم من الطبقة الأولى من الأردن، وجائزة الدولة للتفوق في الفنون من المجلس الأعلى للثقافة في مصر 2005.